الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : " وإذا بلغ اللقيط فاشترى وباع ونكح وأصدق ، ثم أقر بالرق لرجل ألزمته ما يلزمه قبل إقراره وفي إلزامه الرق قولان : أحدهما أن إقراره يلزمه في نفسه وفي الفضل من ماله عما لزمه ولا يصدق في حق غيره ، ومن قال أصدقه في الكل قال : لأنه مجهول الأصل ، ومن قال القول الأول قاله في امرأة نكحت ثم أقرت بملك لرجل لا أصدقها على إفساد النكاح ولا ما يجب عليها للزوج وأجعل طلاقه إياها ثلاثا ، وعدتها ثلاث حيض وفي الوفاة عدة أمة : لأنه ليس عليها في الوفاة حق يلزمها له ، وأجعل ولده قبل الإقرار ولد حرة وله الخيار ، فإن أقام على النكاح كان ولده رقيقا وأجعل ملكها لمن أقرت له بأنها أمته " ( قال المزني ) رحمه الله : " أجمعت العلماء أن من أقر بحق لزمه ومن ادعاه لم يجب له بدعواه ، وقد لزمتها حقوق بإقرارها فليس لها إبطالها بدعواها " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وصورة هذه المسألة في لقيط بلغ فجرت عليه أحكام الأحرار في عقوده وأفعاله اعتبارا بظاهر حاله في الحرية : لأنه ممكن من ذلك كله ولا يمنع منه بالإشكال ، سواء قيل إنه حر في الظاهر ، أو مجهول الأصل ، فإذا وجد ذلك منه وجرت أحكام الحرية عليه ظاهرا ثم جاء رجل فادعى رقه وأنه عبده ، فلا يخلو أن يكون له بينة تشهد له برقه أو لا يكون ، فإن أقام برقه بينة على ما تقدم من وصف البينة حكمنا له برقه وأجرينا عليه أحكام العبيد في الماضي من حاله وفي المستقبل ، فما بطل من عقوده الماضية بالرق أبطلناه وما وجب [ ص: 64 ] استرجاعه من غرم أو مال استرجعناه ، وسواء في ذلك ما ضر غيره أو نفعه ، أو نفع غيره وضره : لأن البينة حجة عليه وعلى غيره ، وإن لم يكن للمدعي بينة فلا يخلو أن يقر اللقيط له بالرق أو ينكره ، فإن أنكره حلف له وهو على ظاهر حريته ، وإن أقر له بالرق فلا يخلو أن يكون قد اعترف قبل ذلك بالحرية أو لم يعترف ، فإن كان قبل ذلك قد اعترف بالحرية لم يقبل إقراره بالرق إلا أن تقوم بينة : لأن اعترافه بالحرية قد تعلق به حق الله تعالى وإن تضمنه حق لنفسه ، فلم يكن له إبطال حق الله تعالى وإن أبطل حق نفسه ، وإن لم يكن قد اعترف قبل ذلك بالحرية قبل إقراره بالرق ، سواء قيل بجهالة أصله أو بظاهر حريته : لأن إقراره على نفسه أقوى من حكم الظاهر ، ولأن الكفر بالله تعالى أغلظ من الرق ، ثم كان قوله لو بلغ مقبولا في الكفر ، فأولى أن يكون مقبولا في الرق .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية