الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فإذا تقرر ما وصفناه لم يخل حال ملتقط المنبوذ من أربعة أقسام ، أحدها أن يكون مأمونا عليه وعلى ماله ، فيقران معا في يده وهل يكون للحاكم عليه نظر أم لا ؟ على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : وهو قول أبي علي الطبري لا نظر عليه لا اجتهاد له فيما إليه ، كما أنه لا نظر في اللقطة على واجدها إذا كان أمينا .

                                                                                                                                            والوجه الثاني وهو قول أبي علي بن خيران : أن للحاكم عليه في المنبوذ نظر ، وله في كفالته اجتهاد : لأنه الوالي على الأطفال وخالف حال اللقطة : لأنها كسب وهكذا اختلف أصحابنا هل يكون الملتقط خصما فيما نوزع فيه المنبوذ من أمواله أم لا ؟ على وجهين : أحدهما : يكون خصما فيه نيابة عن المنبوذ لمكان نظره عليه .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : لا يكون خصما إلا بإذن الحاكم . والقسم الثاني أن يكون الملتقط غير أمين عليه ، فواجب على الحاكم انتزاعها من يده ويرتضى له من يقوم بكفالته وحفظ ماله . والقسم الثالث : أن يكون أمينا عليه ، فلا يخاف من استرقاقه له ، لكنه غير أمين على ماله خوفا من استهلاكه له ، فهذا يقر المنبوذ في يده وينتزع المال منه : لأنه قد صار له بالتقاطه حق في [ ص: 37 ] كفالته ، فما لم يخرج عن حد الأمانة فيه كان مقرا معه ، وليس تراعى فيه العدالة فيكون جرحه في شيء جرحا في كل شيء ، وإنما يراعى فيه الأمانة ، وقد يكون أمينا في شيء ، وإن كان غير مؤتمن في غيره ، فإن قيل : فهلا كان المال الذي ليس بمؤتمن عليه لأنهما في يده على أحد القولين كاللقطة : لأنها جميعا مال بخلاف المنبوذ ؟ قلنا : لأن مال اللقيطة كسب الملتقط ، وليس مال المنبوذ كسبا للملتقط ، والقسم الرابع أن يكون أمينا على ماله غير أمين على نفسه إما من استرقاقه ، وإما لأنها ذات فرج لا يؤمن غيره فينتزع المنبوذ منه ، وفي إقرار المال معه وجهان : أحدهما : يقر معه ، وإن نزع المنبوذ منه كما يقر المنبوذ معه ، وإن نزع المال منه .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : ينتزع المال منه مع المنبوذ : لأن ماله تبع له ، والفرق بين المنبوذ وبين ماله أن لملتقط المنبوذ حقا في كفالته وليس له حق في حفظ ماله ، وإنما الحق عليه في المال وله الكفالة ، فافترقا .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية