الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : " فإن جاء صاحبها وإلا فهي له بعد سنة على أنه متى جاء صاحبها في حياته أو بعد موته فهو غريم إن كان استهلكها " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : إذا استكمل تعريفها حولا ، كان بعده بالخيار بين أن يتملكها وبين أن تكون في يده أمانة ، وبين أن يدفعها إلى الحاكم ليحفظها على مالكها بأن يضعها في بيت [ ص: 15 ] المال أو على يد أمين . وقال عبد الله بن عمر : لا يجوز للواجد بعد تعريف الحول أن يتملكها ، بل عليه أن يضعها في بيت المال . وقال مالك : إن كان غنيا جاز له أن يتملكها ، وإن كان فقيرا لم يجز لعجز الفقير عن الغرم وقدرة الغني عليه . وقال أبو حنيفة : يجوز للفقير أن يتملكها دون الغني ، وقد مضى الكلام معه والدليل على جميعهم قوله - صلى الله عليه وسلم - : فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها ، وروي في بعض الأخبار أنه قال : فإن جاء صاحبها وإلا فهي لك ، وقد أذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعلي - عليه السلام - أن يتملك الدينار وهو لا يجد غرمه حتى غرمه عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فبطل به قول مالك ، وأذن لأبي بن كعب أن يتملك الصرة وهو غني ، فبطل به قول أبي حنيفة ، ولأن الواجد لو منع بعد الحول من تملكها أدى ذلك إلى أحد أمرين : إما أن لا يرغب الواجد في أخذها ، وإما أن تدخل المشقة عليه في استدامة إمساكها ، فكان إباحة التمليك لها بعد التعريف أحث على أخذها وأحفظ على مالكها لثبوت غرمها في ذمته ، فلا تكون معرضة للتلف وليكون ارتفاق الواجد بمنفعتها في مقابلة ما عاناه في حفظها وتعريفها ، وهذه كلها معان استوى فيها الغني والفقير .

                                                                                                                                            ثم مذهب الشافعي لا فرق بين المسلم والذمي في أخذها للتعريف وتملكها بعد الحول : لأنها كسب يستوي فيها المسلم والذمي .

                                                                                                                                            وقال بعض أصحابنا : لا حق للذمي فيها ، فهو ممنوع من أخذها وتملكها : لأنه ليس من أهل التعريف لعدم ولايته على مسلم ولا ممن يملك مرافق دار الإسلام كإحياء الموات .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية