الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : " وإن كانت اللقطة طعاما رطبا لا يبقى ، فله أن يأكله إذا خاف فساده ويغرمه لربه ، ( وقال ) فيما وضعه بخطه - لا أعلمه سمع منه - : إذا خاف فساده [ ص: 25 ] أحببت أن يبيعه ويقيم على تعريفه ، ( قال المزني ) : هذا أولى القولين به : لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقل للملتقط شأنك بها إلا بعد سنة ، إلا أن يكون في موضع مهلكة كالشاة فيكون له أكله ويغرمه إذا جاء صاحبه " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : أما الطعام الرطب فضربان :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يكون مما ييبس فيبقى كالرطب الذي يصير خمرا ، والعنب الذي يصير زبيبا ، فهذا حكمه حكم غير الطعام في وجوب تعريفه واستبقائه ، فإن احتاج تجفيفه إلى مؤنة ، كانت على مالكه ، ويفعل الحاكم أحظ الأمرين للمالك من بيعه أو الإنفاق عليه .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أن يكون مما لا يبقى ، كالطعام الذي يفسد بالإمساك ، كالهريسة ، والفواكه ، والبقول التي لا تبقى على الأيام ، فقد حكى المزني عن الشافعي هاهنا أنه قال في موضع : يأكله الواجد ، وقال في موضع آخر : أحببت أن يبيعه . فاختلف أصحابنا ، فكان أبو إسحاق المروزي وأبو علي بن أبي هريرة وطائفة من أصحابنا يخرجونه على قولين :

                                                                                                                                            أحدهما : لواجده أكله ، كالشاة التي لما تعذر استبقاؤها أبيح لواجدها أكلها .

                                                                                                                                            والقول الثاني : ليس لواجده أكله ، بخلاف الشاة التي لا يجب تعريفها فأبيح له أكلها والطعام ، وإن كان رطبا يجب تعريفه ، فلم يستبح واجده أكله . وحكى أبو علي بن أبي هريرة أن ذلك على اختلاف حالين إن كان الحاكم موجودا يقدر على بيعه لم يكن لواجده أكله ، وإن كان معدوما جاز أكله ، وكان أبو القاسم الصيمري - رحمه الله - يقول : اختلاف حاليه في إباحة أكله معتبر بحال واجده ، فإن كان فقيرا محتاجا استباح أكله ، وإن كان غنيا لم يستبحه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية