الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وإذا تقرر ما مهدناه من أصول الأمراض فسنذكر من تفصيلها ما يكون مثالا لنظائره ، فمن ذلك الحمى ، فهي يوم أو يومان ، أو ثلاثة أيام غير مخوف ؛ لأنها قد تكون من تعب الإغماء وظهور الحمى وقد قال بعض أهل العلم في قوله تعالى : وإن منكم إلا واردها [ مريم : 71 ] إنها الحمى .

                                                                                                                                            وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : الفيح الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء ، فإن استمرت بصاحبها فهي مخوفة ؛ لأنها تدفن القوة التي هي قوام الحياة ، وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : الحمى دابر الموت وهي هجرة الله تعالى في أرضه ، يحبس عبده به إذا شاء فيرسله إذا شاء . وروي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : حمى يوم كفارة سنة وقد قيل إنه يضرب بها عروق البدن كلها وهي ثلاثمائة وستون عرقا ، فجعل كل عرق لكل يوم من أيام السنة التي هي ثلاثمائة وستون يوما ، فإن صارت الحمى عند استمرارها رفعا فهي غير مخوفة ؛ لأن ما يحدث من القوة في أيام الاستراحة يكون خلفا مما ذهب بها في يوم النوبة فصارت القوة محفوظة فزال الخوف .

                                                                                                                                            فأما إذا اقترن بما لا يكون مخوفا من حمى يوم أو يومين ببرسام ، أو ذات الجنب ، أو وجع الخاصرة ، أو القولنج ، فقد صار مخوفا .

                                                                                                                                            فإن قيل : هذه الأمراض بانفرادها مخوفة فكيف جعلها الشافعي مع حمى يوم أو يومين مخوفة ؟ فلأصحابنا عنه جوابان :

                                                                                                                                            أحدهما : أنه أراد من هذه الأمراض ما كان منها لا يكون بانفراده مخوفا ، فإذا اقترن بحمى يوم أو يومين صار مخوفا .

                                                                                                                                            والجواب الثاني : أن من حمى حمى يوم فهو كالصحيح ولا يكون مخوفا عليه إلا أن تحدث به هذه الأمراض التي يصير حدوثها بالصحيح مخوفا .

                                                                                                                                            وهكذا حمى الربع إذا اقترن بها هذه الأمراض صارت مخوفة ، فأما الرعاف ، فإن قل ولم [ ص: 322 ] يستمر فهو غير مخوف ؛ لأنه قد يكون من غلبة الدم زيادته فبطلت من منافذ الجسد ما يخرج منه ، وإن كثر واستمر فهو مخوف ؛ لأنه قد ينزف دمه والدم هو قوام الروح ومادة الحياة .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية