الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : " وإذا كان مع الجد أحد من الإخوة أو الأخوات للأب والأم ، وليس معهن من له فرض مسمى قاسم أخا أو أختين أو ثلاثا أو أخا وأختا ، فإن زادوا كان للجد ثلث المال وما بقي لهم " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وهذا صحيح إذا ثبت ما وصفنا من أن الجد يقاسم الإخوة والأخوات [ ص: 126 ] ولا يسقطهم فقد اختلف من قال بتوريثه معهم في كيفية مقاسمته لهم ، فالمروي عن عمر وعثمان وزيد بن ثابت وابن مسعود - رضي الله عنهم - أنه يقاسمهم ما لم تنقصه المقاسمة من الثلث ، فإن نقصته فرض له الثلث ، وبه قال الشافعي ، وروي عن علي بن أبي طالب - عليه السلام - أنه قاسم بالجد إلى السدس ، فإن نقصته المقاسمة من السدس فرض له السدس ، فيقاسم به إلى خمسة إخوة ، ويفرض له مع الستة السدس ، هذا هو المشهور عنه .

                                                                                                                                            وحكي عن عمران بن الحصين أنه قاسم بالجد إلى نصف السدس ، فإن نقصته منه فرض له نصف السدس ، فكأنه قاسم به إلى أحد عشر أخا ، وفرض له نصف السدس مع الثاني عشر ، وهذا القول ظاهر الخطأ : لأنه ليس الجد مع الإخوة أضعف منه مع البنين ، وقد ثبت أنه لا ينقص مع الابن من السدس ، فكيف يجوز أن ينقص مع الإخوة من السدس ؟ ! وأما مقاسمة علي - عليه السلام - به إلى السدس فاستدل له بأن الجد ليس بأقوى من الأب ، وقد ثبت أن الأب إذا فرض له لم يزد في فرضه على السدس ، فكان الجد إذا فرض له أولى ألا يزاد على السدس ، والدليل على أن الجد يفرض له الثلث مع الإخوة إن نقصته المقاسمة هو أن في الجد رحما وتعصيبا فميراثه مع الابن برحمه فيأخذ به السدس ، وميراثه مع الإخوة بتعصيبه كما أنهم بالتعصيب يرثون ، فلو فرض له السدس لا يسقط تعصيبه وورث برحمه ، وليس في الإخوة ما يدفعون الجد عن تعصيبه : فلذلك فرض له الثلث ليكون السدس بالرحم .

                                                                                                                                            والسدس بالتعصيب الذي أقل أحواله أن يكون كالرحم ، ولأن الجد يحجبه الأخوان إلى الثلث ، وقد استقر في أصول الحجب أن الابنين إذا حجبا إلى فرض كان من زاد عليهما في حكمها في استقرار ذلك الفرض بعد الحجب ، ولا يحجب الثالث زيادة على حجب الثاني ، كالأخوين لما حجبا الأم إلى السدس لم يزدها الثلث حجبا على الثاني حتى ينقص به من السدس ، كذلك الجد لا ينقصه الثالث من الثلث ، وقد روي عن زيد بن ثابت - رضي الله عنه - أنه قال : دخلت على عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فقلت إني قد رأيت أن أنقص الجد للإخوة ، فقال عمر : لو كنت مستنقصا أحدا لأحد لأنقصت الإخوة للجد ، أليس بنو عبد الله يرثون دون إخوتي ، فما لي لا أرثهم دون إخوتهم ، لإن أصبحت لأقولن في الجد قولا ، فمات من ليلته رضوان الله عليه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية