الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فأما المحاباة في الشراء فهو : أن يشتري المريض عبدا بمائتي درهم يساوي مائة .

                                                                                                                                            فقدر المحاباة في ثمنه ، مائة درهم .

                                                                                                                                            فإن صح المشتري من مرضه ، لزمه دفع المائتين ثمنا ، وإن مات من مرضه ، نظر في البائع ، فإن كان وارثا ، لا تجوز له المحاباة في المرض وردت ، وكان مخيرا بين أن يمضي البيع في العبد كله بمائة درهم التي هي ثمن مثله وبين أن يفسخ ويرجع العبد ؛ لأنه باعه بثمن صار له بعضه ؛ فلذلك ثبت له الخيار .

                                                                                                                                            فإن اختار إمضاء البيع ، فلا خيار لورثة المشتري ، لأنهم لم يدخل عليهم نقص .

                                                                                                                                            وإن كان البائع أجنبيا فإن خلف المشتري مع الثمن مائة درهم صحت المحاباة ؛ لأن التركة ثلاثمائة درهم وقدر المحاباة مائة درهم وهي ثلث التركة .

                                                                                                                                            فلو وجد ورثة المشتري بالعبد عيبا لم يعلم به المشتري ، كان لهم في الخيار في فسخ البيع وإبطال المحاباة واسترجاع الثمن كله ؛ لأن المحاباة إنما تلزمهم عند احتمال الثلث لها إذا لم يحدث خيار يستحق به الفسخ .

                                                                                                                                            ألا ترى أن المريض لو رآه لا يستحق به الفسخ ، فكذلك ورثته .

                                                                                                                                            وإن لم يخلف المشتري شيئا سوى الثمن وهو مائتا درهم ، صحت المحاباة بثلث المائتين وذلك ستة وستون درهما وثلثا درهم ، ويكون للبائع الخيار في إمضاء البيع في العبد كله بمائة درهم وستة وستين درهما وثلثي درهم ويرد الباقي الذي لا يحتمله الثلث وهو ثلاثة وثلاثون درهما وثلث درهم .

                                                                                                                                            فإذا عاد إلى الورثة معهم عبد يساوي مائة درهم صار معهم مائة درهم وثلاثة وثلاثون درهما وثلث درهم ، فذلك مثلا ما خرج بالمحاباة ، ثم على هذا القياس .

                                                                                                                                            ويكون الفرق بين المحاباة في الشراء والمحاباة في البيع من وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن ما لا يحتمله الثلث من المحاباة في البيع يكون مردودا من المبيع دون الثمن ، وما لا يحتمله الثلث من المحاباة في الشراء يكون مردودا من الثمن دون المبيع .

                                                                                                                                            والفرق الثاني : أنه إذا زادت المحاباة في البيع ، كان الخيار للمشتري دون البائع .

                                                                                                                                            وإذا زادت المحاباة في الشراء ، كان الخيار للبائع دون المشتري ، فلو اشترى المريض من مريض عبدا يساوي مائة درهم بعبد يساوي مائتي درهم ، فمشتري العبد الأعلى غابن ، فلا خيار لورثته ، ومشتري العبد الأدنى مغبون ، فإن لم يخلف غير العبد الذي دفعه ثمنا وقيمته مائتا [ ص: 295 ] درهم ، فلورثته أخذ العبد الأدنى بخمسة أسداس العبد الأعلى ، ولورثة صاحب الغبن الأدنى الخيار في إمضاء البيع أو في الفسخ .

                                                                                                                                            وهكذا الغبن في المرض يجري مجرى المحاباة في اعتبارها من الثلث .

                                                                                                                                            فلو اشترى المريض عبدا بأكثر من ثمنه ، ثم اشترى عبدا ثانيا بأكثر من ثمنه ، فإن كان الثلث يحتمل المحاباة في العبدين ، لزمت المحاباة فيهما .

                                                                                                                                            وإن كان الثلث يحتمل المحاباة في أحدهما ويعجز في الآخر ، قدمت المحاباة في الأول ، ثم جعل ما بقي من الثلث مصروفا في محاباة الثاني .

                                                                                                                                            ولو كان الثلث بقدر المحاباة في العبد الأول جعل الثلث مصروفا في محاباة العبد الأول وزادت المحاباة في العبد الثاني ، فعلى هذا لو وجد ورثة المشتري بالعبد الأول عيبا ، فلهم الخيار في إمضاء البيع فيه ورده .

                                                                                                                                            فإن أرضوه فالمحاباة فيه هي اللازمة ، دون المحاباة الثانية .

                                                                                                                                            وإن ردوه ، أمضيت المحاباة في العبد الثاني وصار الثلث مصروفا إليهما ؛ لأن الميت قد جعل ثلث ماله لها وإنما اختص الأول به لتقدمه ، فإذا امتنع منه بالفسخ صار الثاني ؛ لأن إخراج الثلث لازم للورثة في حق أحدهما .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية