الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : والقسم الثاني : أن يوصي بالحج من ثلثه ، فهذا على ضربين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يجعل كل الثلث مصروفا إلى الحجة الواجبة ، فهذا يحج عنه بالثلث من بلده إن أمكن ولا يجوز أن يدفع إلى وارث إن زاد على أجرة المثل ويجوز أن يدفع إليه إن لم يزد .

                                                                                                                                            فإن عجز الثلث عن الحج من بلده ، أحج به عنه من حيث أمكن من طريقه ، فإن عجز إلا من ميقات البلد أحج به عنه من ميقات بلده .

                                                                                                                                            فإن عجز عن الحج من ميقات بلده وجب إتمام أجرة المثل من ميقات بلده من رأس المال ، فصار فيها دور ؛ لأن ما يتمم به أجرة المثل من رأس ماله يقتضي نقصان ثلث المال .

                                                                                                                                            مثاله : أن يكون ماله مائة درهم وأجرة المثل أربعون درهما ، فإذا أردت أن تعرف قدر الثلث وقدر ما يتم به الثلث من رأس المال أسقطت من المال قدر أجرة المثل وذلك أربعون درهما يكون الباقي ستين درهما ، ثم زدت عليه مثل نصفه فيصير تسعين درهما ، فهو المال الباقي بعدما أخذ تمام الثلث ، فإذا أخذت ثلثه ، كان ثلاثين درهما وضممت إليه العشرة الباقية من المائة صارت أربعين درهما ، هي قدر أجرة المثل ، فمنها ثلاثون درهما هي ثلث المال وعشرة دراهم من رأس المال وعرضه .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : ألا يجعل كل الثلث مصروفا إلى الحج ، بل يقول أحجوا عني من ثلثي رجلا ، فهذا على ضربين :

                                                                                                                                            [ ص: 245 ] أحدهما : أن يذكر قدرا كأنه قال : أحجوا عني رجلا بمائة درهم ، فلا يزاد عليها إن وجد ويستأجر من يحج بها من حيث أمكن من بلده ، أو من ميقاته .

                                                                                                                                            وإن لم يوجد من يحج بها من ميقاته وجب إتمامها من رأس المال ، لا من ثلثه ؛ لأنه القدر الذي جعله في الثلث هو المائة ، لا ما زاد عليها والضرب الثاني : ألا يذكر القدر فيخرج من ثلثه قدر أجرة المثل ، ثم فيها وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما وهو قول أبي إسحاق المروزي والظاهر من كلام الشافعي : أجرة المثل من بلد الموصي ؛ لأن الوصية في الثلث تقتضي الكمال .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أجرة مثل الميقات ، كما لو جعله من رأس المال وما يزاد عليه تطوع لا يخرج إلا بالنص ، فإن عجز الثلث عن جميع الأجرة تمم جميعا مثل أجرة الميقات من رأس المال .

                                                                                                                                            فلو كان في الثلث مع الحج عطايا ووصايا ، ففي تقديم الحج على الوصايا وجهان حكاهما أبو إسحاق المروزي :

                                                                                                                                            أحدهما : يقدم الحج على جميع الوصايا في الثلث ؛ لأنه مصروف في فرض ، ثم يصرف ما فضل بعد الحج في أهل الوصايا .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أنه يسقط الثلث بين الحج والوصايا بالحصص ؛ لأن الحج وإن وجب فحمله في الثلث ، فساوى في الثلث أهل الوصايا ، ثم تمم أجرة المثل من رأس المال .

                                                                                                                                            وعلى هذين الوجهين : لو كانت عليه ديون واجبة وأوصى بقضائها من ثلثه ، ففيه وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : يقدمون على أهل الوصايا .

                                                                                                                                            والثاني : يحاصونهم ، ثم يستكملون الوصايا من رأس المال .

                                                                                                                                            فهذا حكم القسم الثاني ، إذا جعله من ثلثه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية