الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : " ولو أوصى بثلثه للمساكين نظر إلى ماله فقسم ثلثه في ذلك البلد " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : ولو أوصى بثلثه للمساكين دخل معهم الفقراء ، ولو أوصى به للفقراء دخل معهم المساكين .

                                                                                                                                            قال الشافعي : " لأن الفقير مسكين ، والمسكين فقير ، وإنما يتميز الطرفان إذا جمع بينهما بالذكر " .

                                                                                                                                            فالفقير هو الذي لا مال له ولا كسب ، والمسكين هو الذي له مال أو كسب لا يغنيه .

                                                                                                                                            فالفقير أسوأ حالا من المسكين على ما يستدل عليه في قسم الصدقات .

                                                                                                                                            فإذا أوصى بثلث ماله للمساكين ، قسم في ثلاثة فصاعدا من المساكين أو من الفقراء والمساكين ، أو من الفقراء دون المساكين .

                                                                                                                                            وهكذا إذا أوصى بثلث ماله للفقراء ، قسم في ثلاثة فصاعدا من الفقراء ، أو من المساكين والفقراء ، أو من المساكين دون الفقراء ؛ لأن كلا الصنفين في الانفراد واحد .

                                                                                                                                            ثم قسم ذلك بينهم على قدر حاجاتهم ، فإن كان فيهم من يستغني بمائة ومنهم من يستغني بخمسين أعطى من غناه مائة سهمين وأعطى من غناه خمسين سهما واحدا .

                                                                                                                                            ولا يفضل ذو قرابة بقرابته ، وإنما يقدم ذو القرابة على غيره إذا كان فقيرا لقرابته ؛ لأن للعطية له صدقة وصلة وما جمع ثوابين كان أفضل من التفرد بأحدهما .

                                                                                                                                            فإذا صرف الثلث في أقل من ثلاثة من الفقراء والمساكين ضمن ، فإن صرف حصته في اثنين كان في قدر ما يضمنه وجهان :

                                                                                                                                            [ ص: 271 ] أحدهما وهو الذي نص عليه الشافعي في كتاب الأم : أنه يضمن ثلث الثلث ؛ لأن أقل الأجزاء ثلاثة والظاهر مساواتهم فيه .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أنه يضمن عن الثلث قدر ما لو دفعه إلى ثالث آخر ، فلا ينحصر بالثلث ؛ لأن له التسوية بينهم والتفضيل .

                                                                                                                                            ولو كان اقتصر على واحد ، فأحد الوجهين أنه يضمن ثلثي الثلث .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أنه يضمن أقل ما يجزئه في الدفع إليهما ، فلو أوصى بثلث ماله للفقراء والمساكين ، صرف الثلث في الصنفين بالتسوية ودفع السدس إلى الفقراء وأقلهم ثلاثة ، وإن صرفه في أحد الصنفين ضمن السدس للنصف الآخر وجها واحدا .

                                                                                                                                            ثم عليه صرف الثلث في فقراء البلد الذي فيه المال دون المالك كالزكاة ، فإن تفرق ماله ، أخرج في كل بلد ثلث ما فيه ، فإن لم يوجدوا فيه ، نقل إلى أقرب البلاد إليه كما قلنا في زكاة المال ، فأما زكاة الفطر ففيه وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : أنها تخرج في بلد المال دون المالك كزكاة المال .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أنها تخرج في بلد المالك دون المال ؛ لأنها عن فطرة بدنه وطهور لصومه .

                                                                                                                                            فإن نقل الزكاة عن بلد المال إلى غيره كان في الإجزاء قولان .

                                                                                                                                            فأما نقل الوصية ، فقد اختلف أصحابنا : فمنهم من خرجه على قولين كالزكاة ومنهم من قال يجزئ قولا واحدا وإن أساء ؛ لأن الوصية عطية من آدمي ، فكان له أن يضعها حيث شاء .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية