الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : " ولا أقر اللقيط بأنه عبد لفلان وقال الفلان ما ملكته ، ثم أقر لغيره بالرق بعد ، لم أقبل إقراره وكان حرا في جميع أحواله " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : وصورتها في لقيط بالغ ابتداء من غير دعوى فأقر برقه لزيد ، فأنكر زيد أن يكون مالكه ، فأقر اللقيط بعد ذلك برقه لعمرو ، فإقراره مردود وهو حر في الظاهر إلا أن تقوم بينة برقه لمالك فيحكم بها دون الإقرار .

                                                                                                                                            وقال أبو العباس بن سريج : إقراره مقبول للثاني وإن رده الأول ، كما كان إقراره مقبولا للأول ، وهكذا لو أنكره الثاني فأقر الثالث قبل منه ، وبه قال أهل العراق استدلالا بأنه لو أقر بنسبه لرجل فرده ، ثم أقر بنسبه لغيره جاز ، فكذلك إذا أقر برقه لرجل فرده ثم أقر به لآخر جاز ، وهكذا لو أقر بدار في يده لرجل فرد إقراره ثم أقر بها لغيره نفذ إقراره ، فكذلك في الرق : لأنه لا يخلو من أن يجري مجرى النسب ، وقد ذكرنا جواز ذلك فيه أو مجرى المال ، وقد ذكرنا جوازه فيه ، وهذا الذي قاله أبو العباس ومن وافقه من أهل العراق خطأ من وجهين : أحدهما أن إقراره بالرق للأول إقرار بأنه لا رق عليه لغير الأول ، فإذا رد الأول الإقرار فقد رفع رقه عنه بالإنكار فصار إقراره بالرق إذا رد كالعتق فلم يجز أن يقر بعد الرق ، والثاني أن في الحرية حقا لله تعالى وحقا للآدمي ، فصار أغلظ من حق الله تعالى إذا تجرد من حق الآدمي إذا انفرد فلم يكن لمن جرى حكمه عليه أن يدفعه عن نفسه ، فأما ما استدل به من إقراره بالنسب فقد كان بعض أصحابنا يضيق عليه الفرق بينهما فيجعل الحكم فيهما سواء ، ويقول : إذا رد إقراره بالنسب لم أقبله إذا أقر به من بعد ، كما لو رد في العتق لم أقبله من بعد . وذهب سائر أصحابنا إلى أنه يقبل في النسب ولا يقبل في الرق ، والفرق بينهما من وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن إنكاره الرق يقتضي أن لا رق ، وليس إنكاره للنسب موجبا لرفع النسب .

                                                                                                                                            والثاني : أن من أنكر شيئا ، ثم أقر به قبل منه ، ومن أنكر الرق ثم أقر به لم يقبل منه ، وأما الإقرار بالدار فإذا رده المقر له لم يقبل إقرار المقر بها لغيره ، وإنما جعل الثاني أحق بها من حيث أنه لا منازع له فيها ، ولا بد لكل ملك من مالك وليس كذلك اللقيط : لأنه قد يكون حرا وليس له مالك .

                                                                                                                                            [ ص: 67 ]

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية