الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : " وإن كان أحدهما مقيما بالمصر ، والآخر من غير أهله ، دفع إلى المقيم " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : إذا وجد اللقيط في المصر رجلان : أحدهما من أهل المصر ، والآخر من أهل مصر آخر وهو غريب في هذا المصر ، فالواجد له من أهل مصره أحق بكفالته من الغريب الذي ليس من أهله : لأن قيامه في البلد الذي وجد فيه أشهر لحاله وأقرب إلى ظهور نسبه ، ولكن لو انفرد الغريب بالتقاطه وأراد إخراجه من البلد الذي وجد فيه إلى بلده ، فإن كان غير أمين أو كان الطريق غير مأمون ، فلا حق له في كفالته ، وإن كان أمينا والطريق مأمون فعلى ثلاثة أقسام :

                                                                                                                                            أحدها : أن يكون بلده قريبا على أقل من يوم وليلة فهو مستحق لكفالته إذا تساوى البلدان ، أو كان بلد الملتقط أصلح ، فأما إن كان بلد اللقيط مصرا وبلد الملتقط قرية ففيه وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : لا حق له في كفالته : لأن المصر أنفع له من القرية : لما فيه من كثرة العلوم والآداب ووفور الصنائع والاكتساب . والوجه الثاني : يستحق كفالته وإخراجه إلى قريته : لأن القرية ربما كانت أعف وكان أهلها أسلم ومعايشهم أطيب ، ولأن حاله في القرية أيسر منها في المصر الكبير لقلة من فيها وكثرة من في المصر ، وقلما يمكن أن يشعر في القرى بفاحشة تخفى وريبة تكتم .

                                                                                                                                            [ ص: 41 ] والقسم الثاني : أن يكون بلده بعيدا وأخباره منقطعة ، والطارئ إليه أو منه نادر .

                                                                                                                                            كمن بالعراق إذا أراد نقله إلى الشرق أو الغرب ، فلا حق له في كفالته لإضاعة نسبه وخفاء حاله ، فلو قال الغريب : أنا أستوطن بلد اللقيط ، قلنا : أنت حينئذ أحق بكفالته ، وإنما تمنع منه إذا أردت العود إلى بلدك .

                                                                                                                                            والقسم الثالث : أن يكون بلده بعيدا على أكثر من يوم وليلة ، لكن أخباره متصلة والوارد منه كثير ، كالبصرة وبغداد ، ففي استحقاقه لكفالته وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : لا حق له في كفالته : لأن حظ اللقيط في بلده أكثر وحاله فيه أشهر .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أنه مستحق لكفالته لتساوي البلدين في التعليم والتأديب ، وربما كان في غير بلده أنفع ، فعلى هذا الوجه يتعين لحاكم بلد اللقيط أن يكتب إلى حاكم بلد الملتقط يذكر حاله وإشهار أمره .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية