الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : " وإذا أشكل سئل عنه أهل البصر " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : اعلم أن الأمراض ضربان : ضرب يكون العلم به جليا يشترك في معرفته الخاص والعام ، فهذا لا يحتاج في معرفته إلى سؤال أهل العلم به .

                                                                                                                                            وضرب يكون العلم به خفيا يختص به أهل العلم به فيسألوا ، أو يرجع إلى قولهم فيه . كما أن علم الشريعة ضربان : ضرب جلي يشترك فيه الخاص والعام كالصلوات الخمس وأعداد ركعاتها وصوم شهر رمضان ووجوبه ، فلا يحتاج فيه إلى سؤال العلماء إلا فيما يتفرع من أحكامه .

                                                                                                                                            وضرب يكون خفيا فيلزمهم سؤال العلماء عنه إذا ابتلوا به .

                                                                                                                                            ثم إذا لزم سؤال أهل الطب فيما أشكل من الأمراض ، لم يقتنع فيه بأقل من عدلين من [ ص: 323 ] طب المسلمين ؛ لأنها شهادة ، فإن قالوا غالبه التلف جعلت العطايا من الثلث لكونه مخوفا ، وإن قالوا غالبه السلامة فهو غير مخوف ، وهكذا لو قالوا غالبه الموت بعد زمان طويل فهو غير مخوف ، والعطايا فيه من رأس المال .

                                                                                                                                            فلو مات فقال : من شهد بسلامته من الطب أخطأنا قد كنا ظنناه أنه غير موح فبان موحيا ، قبل قولهم ؛ لأن ما رجعوا إليه من هذا القول أمارة دالة وهو الموت ، فلو اختلفوا في المرض فحكم بعض بأنه مخوف موح . وقال بعضهم غير مخوف ، رجع إلى قول الأعلم منهم ، فإن استووا في العلم وأشكل على الأعلم ، رجع إلى قول الأكثر منهم عددا ، فإن استووا في العدد رجع إلى قول من حكم بالمخوف ؛ لأنه قد علم من غامض المرض ما خفي على غيره .

                                                                                                                                            فلو اختلف المعطى والوارث في المرض عند اعوزاز البينة ، فادعى الوارث أنه كان مخوفا وقال المعطى غير مخوف ، فالقول فيه قول المعطى مع يمينه دون الوراث لأمرين : أحدهما : أننا على يقين من تقدم السلامة وفي شك من حدوث الخوف .

                                                                                                                                            والثاني : أنه مالك لما أعطي فلا ينزع بعضه بالدعوى .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية