الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فإذا تقرر أن له جميع الثلث بعد استحقاق الثلثين ، فقد قال الشافعي في الوصايا في كتاب " الأم " بعد أن ذكر مسألة الاستحقاق : " ولو أوصى بالثلث من دار أو أرض ، فأذهب السيل ثلثيها وبقي ثلثها ، فالثلث الباقي [ ص: 264 ] للموصى له إذا خرج من الثلث ، وقيل : إن الوصية موجودة وخارجة من الثلث " . ا هـ .

                                                                                                                                            فسوى الشافعي بين استحقاق الثلثين مشاعا وبين ذهاب ثلثها بالسيل تجوزا في أن الوصية تجوز بالثلث الباقي بعد الاستحقاق والتلف بالسيل .

                                                                                                                                            والذي أراه الفرق بين المسألتين من أن استحقاق الثلثين لا يمنع من إمضاء الوصية بالثلث الباقي كله .

                                                                                                                                            وذهاب الثلثين منها بالسيل يمنع أن تكون الوصية بجميع الثلث الباقي ويوجب أن تكون الوصية بثلث الثلث الباقي .

                                                                                                                                            والفرق بينهما أن الوصية بالثلث منها هو ما تبع في جميعها ، فإذا استحق ثلثاها لم يمنع أن يكون الثلث الباقي سائغا في جميعها فصحت الوصية في جميعه .

                                                                                                                                            وإذا هلك ثلثاها بالسيل ، يجوز إن لم يكن الثلث الباقي منها هو الثلث المشاع في جميعها ، فوجب أن تكون الوصية بثلث ما بقي وثلث ما هلك ، فيكون حكم الإشاعة في الجميع باقيا .

                                                                                                                                            ألا ترى لو أن رجلا اشترى من رجل نصف دار جميعها بيده ، ثم استحق بعد الشراء نصفها ، كان النصف الباقي هو المبيع منها ولو لم يستحق نصفها ، ولكن أذهب السيل نصفها ، كان للمشتري نصف ما بقي بعدما أذهبه السيل منها .

                                                                                                                                            فإن قيل : فليس لو أوصى له برأس من غنمه فهلك جميعها إلا رأسا منها بقي ، فإن الوصية تتعين فيه ولا يكون الهالك وإن كان متميزا من الوصية وغيرها ، فهلا كان ما ذهب بالسيل مثل ذلك ؟

                                                                                                                                            قيل الوصية برأس من غنمه يوجب الإشاعة في كل رأس منها ، وإنما جعل إلى الوارث أن يعينه فيما شاء من ميراثه .

                                                                                                                                            وليس كذلك الوصية بثلث الدار ؛ لأن الثلث شائع في جميعها فافترقا .

                                                                                                                                            فإذا تقرر ما وصفته من مذهب الشافعي في التسوية بين الاستحقاق والتلف وما رأيته من الفرق بين الاستحقاق والتلف ، تفرع على ذلك ما يصح به الجوابان .

                                                                                                                                            فمن ذلك أن يخلف رجل ثلاثمائة درهم وثلاثين دينارا وقيمتها ثلاثمائة درهم ويوصي بثلث ماله لرجل ، فيكون له ثلث الدنانير وثلثا الدراهم .

                                                                                                                                            فإذا أراد الورثة أن يعطوه ثلث الجميع من أحدهما ، لم يكن ذلك لهم ؛ لأن الموصي جعله في الجميع مشاركا [ لهم ] .

                                                                                                                                            فلو تلف من الدنانير عشرون وبقي منها عشرة ، كان له ثلث العشرة الباقية وثلث الثلاثمائة درهم كلها .

                                                                                                                                            [ ص: 265 ] فأما إذا أوصى لرجل بثلث الدنانير بعينها وأوصى لآخر بثلث الدارهم بعينها ، فهلك من الدنانير عشرون وبقي منها عشرة وسلمت الدراهم كلها ، فعلى الوجه الذي أراه أنه يكون للموصى له بثلث الدنانير ثلث العشرة الباقية وهو ثلاثة دنانير وثلث دينار ، وللموصي بثلث الدراهم ثلث الثلاثمائة وهو مائة درهم .

                                                                                                                                            وعلى الظاهر مما قاله الشافعي يكون للموصى له بثلث الدنانير من العشرة الباقية ستة دنانير وثلثا دينار .

                                                                                                                                            ويكون للموصى له بثلث الدراهم من جميع الثلاثمائة ستة وستون درهما وثلثا درهم قيمة الجميع ثلاثة عشر دينارا وثلث دينار ويبقى مع الورثة ثلاثة دنانير وثلث ومائتان وثلاثة وثلاثون درهما وثلث وقيمة الجميع ستة وعشرون دينارا وثلثا دينار وهو ضعف ما صار إلى الموصى له ، وهكذا لو كانت الوصيتان لرجل واحد .

                                                                                                                                            ووجه العمل في ذلك أن يقال : الوصيتان تعادل عشرين دينارا من ستين دينارا ، فإذا تلف من التركة عشرون دينارا فهو ثلث التركة ويرجع النقص على الوصيتين معا دون أحدهما ، فنقص من كل واحدة منهما الثلث .

                                                                                                                                            فالموصى له بثلث الدنانير كان له قبل التلف عشرة دنانير ، فصار له بعد التلف ثلثاها وذلك ستة دنانير وثلثا دينار وللموصى له بثلث الدراهم ، كان له قبل التلف مائة درهم ، فصار له بعد تلف الدنانير ثلثا الدراهم وذلك ستة وستون درهما وثلثا درهم .

                                                                                                                                            وعلى هذا لو أوصى لرجل بسدس الدراهم بأعيانها وسدس الدنانير بأعيانها والتركة بحالها ، كان له خمسة دنانير وخمسون درهما ، فلو تلف من الدراهم مائتا درهم وبقيت مائة درهم مع جميع الدنانير وهي ثلاثون دينارا ، فعلى الوجه الذي رأيته يكون للموصى له خمسة دنانير وستة عشر درهما وثلث درهم وهو سدس كل واحد من المالين . وعلى الظاهر من مذهب الشافعي ، يكون للموصى له ثلاثة دنانير وثلث دينار وثلاثة وثلاثون درهما وثلث درهم ؛ لأنه يجعل نقص أحد المالين راجعا إلى المالين وقد نقص الثلث من الوصية بسدس كل واحد من المالين الثلث ، فصار مع الموصى له ثلاثة دنانير وثلث دينار وثلاثة وثلاثون درهما وثلث درهم قيمة الجميع ستة دنانير وثلثا دينار ، وذلك سدس الأربعين الباقية من التركة عينا وورقا .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية