الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : " ولو أوصى له بثلث شيء بعينه استحق ثلثاه ، كان له الثلث الباقي إن احتمله ثلثه " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : إذا أوصى له بثلث دار هو في الظاهر مالك لجميعها ، فاستحق ثلثي الدار وبقي على ملك الموصي ثلثها .

                                                                                                                                            فالثلث كان للموصى له إذا احتمله الثلث ، وهو قول الجمهور . وقال أبو ثور : يكون له ثلث الثلث ، استدلالا بأنه لما أوصى له بثلثها وهو في الظاهر مالك لجميعها ، تناولت الوصية ثلث ملكه منها ، فإذا بان أن ملكه منها الثلث وجب أن تكون الوصية بثلث الثلث ؛ لأنه كان ملكه منها ، كمن أوصى بثلث ماله وهو ثلاثمائة درهم ، فاستحق منها مائتان كانت الوصية بثلث المائة الباقية .

                                                                                                                                            وهذا فاسد من وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أن ما طرأ من استحقاق الثلثين ليس بأكثر من أن يكون عند الوصية غير ملكه للثلثين ، وقد ثبت أنه لو أوصى له بثلث دار قدر ملكه ، كان له جميع الثلث إذا احتمله الثلث ، كذلك إذا أوصى له بثلثها ، فاستحق ما زاد على الثلث منها .

                                                                                                                                            والثاني : هو أن رفع يده بالاستحقاق كزوال ملكه بالبيع ، وقد ثبت أنه لو باع بعد الوصية بالثلث منها ما بقي من ثلثها صحت الوصية بكل الثلث الباقي بعد البيع ، فكذلك تصح الوصية بالثلث الباقي بعد المستحق ، وليس لما ذكره من الاستدلال بثلث المال وجه ؛ لأن الوصية لم تعتبر إلا في ثلث ملكه وملكه هو الباقي بعد الاستحقاق .

                                                                                                                                            ولو فعل مثل ذلك في الوصية بالدار فقال : قد أوصيت لك بثلث ملكي من هذه الدار فاستحق ثلثاها كان له ثلث ثلثها الباقي ، والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية