الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            مسألة : قال الشافعي : " حدثني سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن الزهري ، عن مالك بن أوس بن الحدثان ، أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال : ما أحد إلا وله في هذا المال حق إلا ما ملكت أيمانكم أعطيه أو منعه . ( وقال الشافعي ) : وهذا الحديث يحتمل معاني منها أن نقول ليس أحد بمعنى حاجة من الصدقة ، أو بمعنى أنه من أهل الفيء الذين يغزون إلا وله في مال الفيء أو الصدقة حق ، وكان هذا أولى معانيه به ، فإن قيل ما دل على هذا ؟ قيل قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الصدقة : لا حظ فيها لغني ولا لذي مرة مكتسب والذي أحفظ عن أهل العلم أن الأعراب لا يعطون من الفيء ( قال ) وقد روينا عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن أهل الفيء كانوا في زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمعزل عن أهل الصدقة ، وأهل الصدقة بمعزل عن أهل الفيء " .

                                                                                                                                            قال الماوردي : إن قيل فكيف تأويل هذا الحديث عندكم ومن مذهبكم أن أهل الفيء لا يأخذون من أهل الصدقات ، وأهل الصدقات لا يأخذون من أهل الفيء ؟ قيل فيه ثلاثة تأويلات :

                                                                                                                                            أحدها : أنه عائد على مال بيت المال الجامع لمال الفيء ومال الصدقات ، والناس صنفان : أغنياء وحقهم في مال الفيء ، وفقراء وحقهم في مال الصدقة . أما ما ملكت أيمانهم من العبيد والإماء فلا حق لهم في المالين جميعا .

                                                                                                                                            والتأويل الثاني : أنه عائد إلى مال الفيء وحده وليس أحد إلا وله فيه حق ، أما الفقراء ففيه خمسه من سهم اليتامى والمساكين وبني السبيل ، وأما الأغنياء ففي أربعة أخماسه ، فإن كانوا من أهل الفيء فالعطاء ، وإن كانوا من غيرهم فمن المصالح ، وهذا على القول الذي نجعله مصروفا في المصالح .

                                                                                                                                            والتأويل الثالث : أنه عائد إلى مال الفيء : لأنه إن اختص بأهل الفيء فنفعه عائد إلى غيرهم من الناس كلهم لذب أهل الفيء عنهم وقيامهم بالجهاد الذي به سقط الفرض عنهم ، فصار المال المصروف إلى من قام بغرض الجهاد عنهم كالمصروف إليهم ؛ وعلى هذا القول الذي جعله ملكا للجيش خاصة .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية