الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وأما الشرط الخامس وهو العدالة : فلقوله تعالى : أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون [ السجدة : 18 ] .

                                                                                                                                            فكان منع المساواة بينهم موصيا لمنع المساواة في أحكامهم ، ولأنه لما منعه الفسق من الولاية على أولاده كان أولى أن يمنعه من الولاية على أولاد غيره .

                                                                                                                                            وقال أبو حنيفة : الوصية إليه موقوفة على فسخ الحاكم ، يمضي فيها تصرفه قبل فسخها عليه كما قال في الكافر ، وفيما مضى من الكافر دليل عليه في الفاسق .

                                                                                                                                            فإن قيل : فهلا جازت الوصية إليه كما جازت الوكالة له ؟ قيل له : لأن الوكالة تصرف في حق الإذن والوصية تصرف في حق غيره ، فعلى هذا لو أن رجلا أذن لوكيله في التوكيل فوكل الوكيل فاسقا ، ففي جواز وكالته وجهان :

                                                                                                                                            أحدهما : لا يجوز ؛ لأنه تصرف في حق الغير ، فأشبه الوصية .

                                                                                                                                            والثاني : يجوز ؛ لأنه يقوم مقام الوكيل الأول الذي ليس من شرطه العدالة .

                                                                                                                                            فإذا ثبت أن العدالة شرط في صحة الوصية ، فقد اختلف أصحابنا في الوقت الذي يراعى فيه عدالة الوصي على ثلاثة أوجه :

                                                                                                                                            أحدها : أنه يراعى عدالته عند موت الموصي ولا يضر أن يكون فاسقا عند عقد الوصية كما تراعى عدالة الشاهد عند الأداء دون التحمل ، وهذا قول أبي إسحاق المروزي .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أنه يراعى عدالة الوصي في الطرفين عند الوصية وعند الموت ، ولا يضر أن يكون بين الوصية والموت غير عدل ؛ لأن وقت الوصية هو حال التقليد ووقت الموت هو حال التصرف ، فاعتبر فيهما العدالة ولم تعتبر في غيرهما ، وهذا قول أبي سعيد الإصطخري .

                                                                                                                                            والوجه الثالث وهو أصحها : أنه تعتبر عدالته من حين الوصية إلى ما بعد ؛ لأن كل زمان منه قد يستحق فيه التصرف لو حدث فيه الموت ، فإن طرأ عليه في شيء منه فسق ، بطلت الوصية إليه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية