الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
22 - " آية ما بيننا وبين المنافقين أنهم لا يتضلعون من زمزم " ؛ (تخ هـ ك) ؛ عن ابن عباس ؛ (صح).

التالي السابق


(آية ما بيننا) ؛ لفظ رواية الحاكم بإسقاط " ما" ؛ وتنوين " آية" ؛ أي: علامة التمييز بيننا أيها المؤمنون؛ (وبين المنافقين) ؛ الذين آمنوا بأفواههم؛ ولم تؤمن قلوبهم؛ و" المنافق" ؛ أصله: من يظهر ما يبطن خلافه؛ لكنه غلب على من يظهر الإسلام؛ ويبطن الكفر؛ (أنهم لا يتضلعون) ؛ لا يكثرون؛ (من) ؛ شرب (ماء) ؛ بئر (زمزم) ؛ حتى تتمدد جنوبهم وضلوعهم؛ [ ص: 61 ] كراهة له؛ بعدما علموا ندب الشارع إلى شربه؛ والإكثار منه؛ والرغبة في الاستكثار منه عنوان الغرام وكمال الشوق؛ فإن الطباع تحن إلى مناهل الأحبة؛ ومواطن أهل المودة؛ وزمزم منهل المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وأهل بيته؛ ومحل تنزل الرحمات؛ وفيض البركات؛ فالمتعطش إليها؛ والممتلئ منها؛ قد أقام شعار المحبة؛ وأحسن العهد إلى الأحبة؛ فلذلك جعل التضلع منها علامة فارقة بين النفاق؛ والإيمان؛ ولله در القائل:


وما شغفي بالماء إلا تذكرا ... لماء به أهل الحبيب نزول



ثم إن ما أوهمه ظاهر اللفظ من أن من لم يشرب منها مع تمكنه يكون منافقا؛ وإن صدق بقلبه؛ غير مراد؛ بل خرج ذلك مخرج الترغيب فيه؛ والزجر والتنفير عن الزهادة فيه؛ على أن العلامة تطرد ولا تنعكس؛ فلا يلزم من عدم العلامة عدم ما هي له؛ و" البين" : البعد؛ وقال الحراني : حد فاصل في حس؛ أو معنى؛ و" النفاق" : اسم إسلامي؛ لا تعرفه العرب بالمعنى المقرر؛ و" التضلع" : الإكثار والامتلاء شبعا وريا؛ و" زمزم" ؛ معروفة؛ سميت به لكثرة مائها؛ أو لضم هاجر لمائها حين انفجرت؛ أو لزمزمة جبريل؛ أي: تكلمه عند فجره لها؛ أو لأنها زمت بالتراب لئلا تأخذ يمينا أو شمالا؛ أو لغير ذلك؛ ولها أسماء كثيرة؛ وماؤها أشرف مياه الدنيا؛ و" الكوثر" ؛ أشرف مياه الآخرة.

(تخ هـ ك) ؛ من حديث إسماعيل بن زكريا؛ عن عثمان بن الأسود ؛ (عن ابن عباس ) ؛ قال عثمان : جاء رجل إلى ابن عباس ؛ قال: من أين جئت؟ قال: من مكة؛ قال: شربت من ماء زمزم؟ قال: شربت؛ قال: شربت منها كما ينبغي؟ قال: وكيف؟ قال: إذا أردت أن تشرب منها فاستقبل البيت؛ واذكر اسم الله؛ واشرب؛ وتنفس ثلاثا؛ وتضلع منها؛ فإذا فرغت فاحمد الله؛ فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال.. فذكره؛ ثم قال الحاكم : إن كان عثمان سمع من ابن عباس ؛ فهو على شرطهما؛ وتعقبه الذهبي فقال: والله ما لحقه؛ مات عام خمسين ومائة؛ وأكبر مشيخته ابن جبير ؛ وقال ابن حجر: حديث حسن؛ انتهى.

ورواه الطبراني عن الحبر؛ باللفظ المزبور؛ قال الهيتمي: بإسنادين؛ رجال أحدهما ثقات؛ انتهى.

والحاصل أن بعض أسانيده رجاله ثقات؛ لكن فيه انقطاع.



الخدمات العلمية