الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
309 - " أد ما افترض الله عليك تكن من أعبد الناس؛ واجتنب ما حرم الله عليك تكن من أورع الناس؛ وارض بما قسم الله لك تكن من أغنى الناس " ؛ (عد)؛ عن ابن مسعود ؛ (ض).

[ ص: 224 ]

التالي السابق


[ ص: 224 ] (أد ما افترض الله) ؛ أي: أوجب (عليك) ؛ ومنه السنة؛ يقول: " فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذا" ؛ أي: سنه؛ (تكن من أعبد الناس) ؛ أي: المقبول عبادتهم؛ يعني: إذا أديت العبادة على أكمل الأحوال؛ من ركن وشرط وسنة؛ خالصة سالمة من الخلل؛ تكن من أعبد الناس؛ ممن لم يفعلها كذلك؛ والعبادة تتفاوت رتبها في الكمال؛ (واجتنب ما حرم الله عليك) ؛ أي: لا تقربه؛ فضلا عن أن تفعله؛ فإن من حام حول الحمى أوشك أن يقع فيه؛ (تكن من أورع الناس) ؛ أي: من أعظمهم كفا عن المحرمات؛ وأكثر الشبهات؛ قال النووي : و" الورع" : اجتناب الشبهات خوفا من الله (تعالى)؛ وقال ابن القيم: ترك ما يخاف ضرره في الآخرة؛ و" الزهد" : ترك ما لا ينفع فيها؛ (وارض) ؛ اقنع؛ (بما قسمه الله) ؛ قدره؛ (لك) ؛ قال الله (تعالى): نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ؛ (تكن من أغنى الناس) ؛ فإن من قنع بما قسمه الله له؛ صار غني القلب؛ زاهدا فيما في يد غيره؛ والقناعة كنز لا يفنى؛ قال أكتم بن صيفي: من باع الحرص بالقناعة؛ ظفر بالغنى والثروة؛ ولو صدق الحريص نفسه واستنصح عقله؛ علم أن من تمام السعادة وحسن التوفيق الرضا بالقضاء؛ والقناعة بالقسم؛ قال الحكماء: من قنع كان غنيا؛ وإن كان فقيرا؛ ومن تجاوز ما له من القناعة فهو فقير؛ وإن كان غنيا؛ وقال بعضهم: الرضا بالكفاف يؤدي إلى العفاف؛ ومن رضي بالمقدور؛ قنع بالميسور؛ وقالوا: ما كان لك من الدنيا أتاك على ضعفك؛ وما كان منها عليك لم تدفعه بقوتك؛ ومن قطع رجاءه مما فات؛ استراح بدنه؛ والراحة كلها في الرضا بالمقسوم؛ والاقتصار على حال الوقت؛ والإعراض عما كان ويكون؛ لأن ذلك كدر في الوقت؛ وشغل بما لا يعني؛ ولا يغني؛ والهم كله في الأسف على الأمور الماضية؛ والاهتمام بالأمور الآتية من الدنيا؛ وعماد ذلك أن العبد يقبل ما أعطاه سيده في الوقت؛ ولا يهتم بما بعد الوقت؛ لا من أين؛ ولا كيف؛ ولا ماذا يعطيه؛ لأنه ليس مما يعنيه.

(تتمة) : قال الغزالي: للشرع حكمان؛ حكم الجواز؛ وحكم الأفضل الأحوط؛ فالجائز يقال له: حكم الشرع؛ والأفضل والأحوط يقال له: حكم الورع؛ فافهم؛ وبه يخرج الجواب عن قول من قال: الورع موضوع على التشديد؛ والشرع موضوع على اليسر والسماحة.

(عد؛ عن ابن مسعود ) ؛ قال ابن الجوزي : قال الدارقطني : رفعه وهم؛ والصواب وقفه.



الخدمات العلمية