الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
120 - " اتقوا الله في البهائم المعجمة؛ فاركبوها صالحة؛ وكلوها صالحة " ؛ (حم د) وابن خزيمة ؛ (حب)؛ عن سهل بن الحنظلية.

التالي السابق


(اتقوا الله) ؛ المستجمع لصفات العظمة؛ وصيغة جمع المذكر في هذا ونحوه مما مر ويجيء؛ واردة على منهج التغليب؛ لعدم تناولها حقيقة الإناث عند غير الحنابلة؛ (في هذه البهائم) ؛ أي: في شأن ركوب ما يركب منها؛ وأكل ما يؤكل منها؛ ونحو ذلك؛ وهي جمع " بهيمة" ؛ سميت به لاستبهامها عن الكلام؛ أو لأنها مبهمة عن التمييز؛ أو لانبهام أمرها علينا؛ لا لانبهام الأمور عليها؛ كما قيل؛ فإن لها إدراكا في الجملة؛ قال في الكشاف: " البهيمة" : مبهمة في كل ذات أربع؛ وفي البر؛ والبحر؛ في القاموس: هي كل [ ص: 126 ] ذات أربع؛ ولو في الماء؛ أو كل حي لا يميز؛ وقال الراغب : " البهيمة" : ما لا نطق له؛ لما في صورته من الاستبهام؛ لكن خص في التعارف بما عدا السباع؛ لكن إنما أراد المصطفى بهذا الحديث الإبل فقط؛ بدليل قوله: وكلوها؛ وبدليل السبب الآتي؛ فإنها لا تطيق أن تفصح عن حالها؛ وتتضرع إلى صاحبها من جوعها وعطشها وإضرارها؛ ذكره القاضي؛ (المعجمة) ؛ بضم الميم؛ وفتح الجيم؛ وقيل بكسرها؛ أي: التي لا تقدر على النطق؛ فتشكو ما أصابها من جوع وعطش؛ وأصل " الأعجم" - كما قال الرافعي -: الذي لا يفصح بالعربية؛ ولا يجيد التكلم بها؛ عجميا كان أو عربيا؛ سمي به لعجمة لسانه؛ والتباس كلامه؛ والقصد التحريض على الرفق بها؛ والتحذير من التقصير في حقها؛ (فاركبوها) ؛ إرشادا؛ حال كونها (صالحة) ؛ للركوب عليها؛ يعني تعهدوها بالعلف؛ لتتهيأ لما تريدونه منها؛ فإن أردتم ركوبها وهي صالحة للركوب قوية على المشي بالراكب؛ فاركبوها؛ وإلا فلا تحملوها ما لا تطيقه؛ وكالركوب التحميل عليها؛ (وكلوها صالحة) ؛ أي: وإن أردتم أن تنحروها وتأكلوها فكلوها حال كونها سمينة صالحة للأكل؛ وخص الركوب والأكل لأنهما من أعظم المقاصد؛ ذكره كله القاضي؛ لكن ليس لمن وجب عليه هدي أو منذور الأكل منه؛ قال القاضي: وفيهوجوب علف الدواب؛ وأن الحاكم يجبر المالك عليه؛ وهو مذهب الشافعي والجمهور؛ انتهى؛ فيلزم المالك كفاية دابته المحترمة؛ وإن تعطلت لمرض أو زمانة؛ أكلا وشربا؛ فإن امتنع ألزم به من ماله؛ أو ببيعها؛ أو إجارتها؛ أو ذبح المأكولة للأكل؛ فإن أبى فعل القاضي من ذلك ما يراه.

(تنبيه) : ذكر بعض أكابر الصوفية أنه ينبغي شفقة الراكب على الدابة؛ فيخفف بدنه عليها؛ بكثرة ذكر الله على ظهرها؛ فإنه مجرب للخفة عليها؛ إذ الروح تشتاق إلى حضرة ربها في جهة العلو؛ بحسب غلبة الوهم؛ فتريد الصعود بجسمها إلى تلك الحضرة فلا يصير على الدابة من البدن إلا مجرد المماسة؛ كما جربناه؛ وذكر بعضهم أن الشيخ عبد العزيز الديريني كان إذا ركب دابة لا يحمل صوتا قط؛ ويردها بكمه؛ ويقول: هيهات عبد العزيز أن يقدر على ضربة بكم قميص.

(حم د) ؛ في الجهاد؛ ( وابن خزيمة ) ؛ في صحيحه؛ (حب)؛ كلهم (عن سهل) ؛ ضد الصعب؛ (ابن) ؛ الربيع بن عمرو بن عدي المعروف بابن (الحنظلية) ؛ صحابي غير صغير؛ أوسي والحنظلية أمه؛ وبها اشتهر؛ شهد " أحدا" ؛ وكان متعبدا متوحدا زاهدا؛ قال: مر النبي - صلى الله عليه وسلم - ببعير قد لحق ظهره ببطنه؛ فذكره؛ وفي رواية عنه: مر ببعير مناخ على باب؛ أول النهار؛ ثم مر به آخر النهار؛ وهو على حاله؛ فقال: " أين صاحب هذا؟" ؛ فابتغي فلم يوجد؛ فقال: " اتقوا الله..." ؛ إلى آخره؛ قال الهيتمي: رجال أحمد رجال الصحيح؛ وقال في الرياض - بعد عزوه لأبي داود -: إسناده صحيح؛ انتهى؛ ومن ثم رمز المصنف لصحته.



الخدمات العلمية