الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
92 - " أتاني ملك برسالة من الله - عز وجل - ثم رفع رجله؛ فوضعها فوق السماء؛ والأخرى في الأرض؛ لم يرفعها " ؛ (طس)؛ عن أبي هريرة .

[ ص: 105 ]

التالي السابق


[ ص: 105 ] (أتاني ملك برسالة) ؛ أي: بشيء مرسل به؛ (من الله) ؛ وفي رواية: " من ربي" ؛ (عز وجل) ؛ يقال: " حملته رسالة" ؛ إذا أرسلته للمرسل إليه بكلام؛ و" راسله في كذا" ؛ و" بينهما مكاتبات ومراسلات" ؛ و" تراسلوا" ؛ و" أرسلته برسالة" ؛ و" أرسلت إليه أن افعل كذا" ؛ ذكره الزمخشري ؛ والمراد هنا الوحي؛ ولعله مما لم يؤمر بتبليغه؛ وقد جاءه بالوحي جبريل وغيره؛ لكن جبريل أكثر؛ (ثم رفع رجله) ؛ بكسر؛ فسكون؛ العضو المخصوص بأكثر الحيوانات؛ ويفهم منه أنه أتاه في صورة إنسان؛ و" الرفع" : الاعتلاء؛ ذكره الراغب ؛ (فوضعها فوق السماء) ؛ وفي رواية: " السماء الدنيا" ؛ (والأخرى في الأرض) ؛ قال الراغب : " الأرض" : الحرم المقابل للسماء؛ ويعبر بها عن أسفل الشيء؛ كما يعبر بالسماء عن أعلاه؛ (لم يرفعها) ؛ تأكيد؛ وتحقيق لما قبله؛ ودفع لتوهم إرادة التجوز؛ لبعده عن الأفهام؛ واستعظامه بين الأنام؛ والقصد بذلك بيان عظم خطوته؛ المستلزم لعظم جثته؛ وأن مسافة خطوته كما بين السماء والأرض؛ و" الملائكة" ؛ عند عامة المتكلمين: أجسام لطيفة قادرة على التشكل بأشكال مختلفة؛ وعند الحكماء: جواهر مجردة؛ مخالفة للنفوس الناطقة في الحقيقة؛ وهم قسمان: قسم شأنهم الاستغراق في معرفة الحق؛ والتنزه عن الشغل بغيره؛ وقسم يدبر الأمر من السماء إلى الأرض؛ على ما سبق به القضاء؛ وجرى به القدر؛ لا يعصون الله ما أمرهم؛ ويفعلون ما يؤمرون؛ كما مر؛ وقد جاء في عظم الملائكة ما هو فوق ذلك؛ فقد ورد: " إن لله ملكا يملأ ثلث الكون؛ وملكا يملأ ثلثيه؛ وملكا يملأ الكون كله" ؛ لا يقال: إذا كان يملأ الكون كله؛ فأين يكون الآخران؟ لأنا نقول: الأنوار لا تتزاحم؛ ألا ترى أنه لو وضع سراج في بيت ملأه نورا؛ فلو أتينا بعده بألف سراج؛ وسع البيت أنوارها؟ ذكره العارف ابن عطاء الله؛ عن شيخه المرسي؛ وقد قصر نظر من عزاه لجامع هذا الجامع.

(تنبيه) : ما ذكره من أن سياق الحديث هكذا؛ هو ما في نسخ الكتاب؛ لكن لفظ الكبير: " أتاني ملك لم ينزل إلى الأرض قبلها قط؛ برسالة من ربي؛ فوضع رجله فوق السماء الدنيا؛ ورجله الأخرى ثابتة في الأرض؛ لم يرفعها" ؛ انتهى بنصه؛ والمخرج والصحابي متحد.

(طس)؛ وكذا أبو الشيخ ؛ في العظمة؛ (عن أبي هريرة ) ؛ رمز المصنف لضعفه؛ وهو تقصير؛ بل حقه الرمز لحسنه؛ فإنه - وإن كان فيه صدقة بن عبد الله الدمشقي؛ وضعفه جمع - لكن وثقه ابن معين؛ ودحيم؛ وغيرهما؛ وهو أرفع من كثير من أحاديث رمز لحسنها.



الخدمات العلمية