الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
669 - " إذا سبقت للعبد من الله (تعالى) منزلة؛ لم ينلها بعمله؛ ابتلاه الله في جسده؛ وفي أهله؛ وماله؛ ثم صبره على ذلك؛ حتى ينال المنزلة التي سبقت له من الله - عز وجل " ؛ (تخ د) ؛ في رواية ابن داسة؛ وابن سعد ؛ (ع)؛ عن محمد بن خالد السلمي ؛ عن أبيه؛ عن جده؛ (ح).

التالي السابق


(إذا سبقت للعبد من الله منزلة) ؛ أي: إذا منحه في الأزل مرتبة متعالية في الآخرة؛ (لم ينلها بعمله) ؛ لقصوره عن إبلاغه إياها؛ لضعفه؛ وقلته؛ وسموها؛ ورفعتها؛ (ابتلاه الله في جسده) ؛ بالأسقام؛ والآلام؛ (وفي أهله) ؛ بالفقد؛ أو عدم الاستقامة؛ وتلوينهم عليه؛ والواو فيه؛ وفيما بعده؛ بمعنى " أو" ؛ في حق البعض؛ وعلى بابها في حق البعض؛ (وماله) ؛ لفقد؛ أو غيره؛ وأعاد في الأهل لموازنته بالجسد؛ وحذفه من المال لقصور رتبته عنهما؛ لإمكان تعويضه؛ (ثم صبره) ؛ بشد الموحدة؛ بضبط المؤلف؛ أي: ألهمه الصبر؛ (على ذلك) ؛ أي: ما ابتلاه؛ (حتى ينال) ؛ بسبب ذلك؛ (تلك المنزلة) ؛ وفي رواية: " حتى يبلغه المنزلة" ؛ قال الطيبي: " حتى" ؛ هنا؛ يجوز أن تكون للغاية؛ وأن تكون بمعنى " كي" ؛ وفيه إشعار بأن للبلاء خاصة في نيل الثواب؛ ليس للطاعة؛ وإن جعلت مثلها؛ ولذلك كان ما يصيب الأنبياء أشد البلاء؛ (التي سبقت له من الله - عز وجل) ؛ أي: التي استوجبها بالقضاء الأزلي؛ واستحقها بالحكم القديم الإلهي؛ وبالحقيقة التعويل إنما هو على ذلك السبق؛ فمن سبق في علمه أنه سعيد ؛ فهو سعيد ؛ وعكسه بعكسه؛ والخاتمة ناشئة عن السابقة؛ روى البيهقي والحاكم أن موسى مر برجل في متعبد له؛ ثم مر به بعد وقد مزقت السباع لحمه؛ فرأس ملقى؛ وفخذ ملقى؛ وكبد ملقى؛ فقال: " يا رب؛ كان يطيعك؛ فابتليته بهذا؟!" ؛ فأوحى الله إليه: " إنه سألني درجة لم يبلغها بعمله؛ فابتليته لأبلغه تلك الدرجة" ؛ انتهى؛ والمقصد بالحديث الإعلام بفضل البلاء؛ وأنه مظنة لرفع درجات العبد؛ وإن قل عمله؛ وإلا فقد يعطي الله من شاء ما شاء من رفيع المنازل؛ وإن لم يعمل بالكلية؛ بل له تعذيب الطائع؛ وإثابة العاصي؛ ولا يسأل عما يفعل؛ وقد استدل بهذا في المفهم وغيره على أن مجرد حصول المرض؛ أو غيره؛ مما يترتب عليه التكفير؛ لا يكفي؛ إلا إن انضم إليه الصبر؛ ورد بأن الأحاديث الواردة بالتقييد إما ضعيفة؛ فلا يحتج بها؛ أو مقيدة بثواب مخصوص؛ كما في هذا الحديث؛ فاعتبار الصبر فيه إنما هو لحصول ذلك الثواب الخاص.

(تخ د؛ في رواية ابن داسة؛ وابن سعد ) ؛ في طبقاته؛ (ع)؛ وكذا البيهقي ؛ في الشعب؛ (عن محمد بن خالد السلمي ) ؛ البصري؛ (عن أبيه) ؛ خالد البصري؛ قال الذهبي : صدوق مقل؛ (عن جده) ؛ عبد الرحمن بن جناب السلمي ؛ الصحابي؛ كذا في الكاشف؛ وقد خفي على الصدر المناوي؛ فقال: لم أقف لجده على اسم؛ ولا لهذا الحديث في نسخة سماعنا عن أبي داود؛ وذكره في الأطراف؛ انتهى؛ وإلى رده أشار المؤلف بقوله: في رواية ابن داسة؛ فإنه ليس في سنن أبي داود في جميع الروايات؛ [ ص: 372 ] بل في رواية ابن داسة فقط؛ ولم يطلع عليها؛ فنفاه؛ ثم إن المؤلف رمز لحسنه؛ وقال ابن حجر في الفتح: رواه أحمد وأبو داود ؛ ورجاله ثقات؛ إلا أن خالدا لم يرو عنه غير ابنه محمد؛ وأبوه اختلف في اسمه؛ لكن إبهام الصحابة لا يضر؛ هذا كله في الفتح؛ وقضيته تصحيح الحديث؛ لكنه قال في التقريب: محمد مجهول؛ وخالد صدوق يخطئ؛ فاقتضى كلامه تضعيفه؛ والأوجه ما جرى عليه المؤلف من حسنه.



الخدمات العلمية