الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                2403 ص: حدثنا نصر بن مرزوق، قال: ثنا الخصيب بن ناصح، قال: ثنا وهيب ، عن ابن جريج (ح).

                                                وحدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب ، قال: ثنا عمي، قال: حدثني عمرو بن الحارث ، وأسامة بن زيد ، وابن جريج أن محمد بن المنكدر حدثهم، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: "صلى رسول الله - عليه السلام - الظهر بالمدينة أربعا، وصلى العصر بذي الحليفة ركعتين" .

                                                [ ص: 342 ] حدثنا إبراهيم بن مرزوق، قال: ثنا حبان بن هلال، قال: ثنا وهيب، قال: ثنا أيوب ، عن أبي قلابة ، عن أنس ، عن النبي - عليه السلام - مثله.

                                                حدثنا علي بن شيبة، قال: ثنا أبو نعيم ، قال: ثنا سفيان ، عن إبراهيم بن ميسرة ، عن أنس ، عن النبي - عليه السلام - مثله.

                                                حدثنا مبشر بن الحسن، قال: ثنا أبو عامر ، قال: ثنا شعبة ، عن يحيى بن أبي إسحاق ، قال: سمعت أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: "خرجنا مع رسول الله - عليه السلام - فجعل يصلي ركعتين ركعتين ركعتين، حتى رجع، قلت: كم أقمتم؟ قال: عشرا".

                                                حدثنا فهد، قال: ثنا أبو نعيم ، قال: ثنا سفيان ، عن يحيى بن أبي إسحاق . . . فذكر بإسناده مثله، غير أنه لم يذكر سؤاله لأنس - رضي الله عنه -.

                                                حدثنا محمد بن خزيمة، قال: ثنا يحيى بن عبد الله بن بكير، قال: ثنا الليث : أن بكيرا حدثه، عن محمد بن عبد الله بن أبي سليمان ، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: "صلينا مع رسول الله - عليه السلام - بمنى ركعتين، ومع أبي بكر ركعتين، ومع عمر ركعتين، ومع عثمان ركعتين شطر إمارته ثم أتمها بعد ذلك".

                                                التالي السابق


                                                ش: هذه سبع طرق صحاح:

                                                الأول: عن نصر بن مرزوق أبي الفتح العتقي ، عن الخصيب بن ناصح الحارثي البصري نزيل مصر، عن وهيب بن خالد البصري ، عن عبد الملك بن جريج المكي ، عن محمد بن المنكدر ، عن أنس .

                                                وأخرجه الجماعة غير ابن ماجه .

                                                فقال البخاري : ثنا أبو نعيم ، قال: ثنا سفيان ، عن محمد بن المنكدر وإبراهيم بن ميسرة ، عن أنس قال: "صليت الظهر مع النبي - عليه السلام - بالمدينة أربعا، وبذي الحليفة ركعتين".

                                                [ ص: 343 ] وقال مسلم : ثنا سعيد بن منصور ، قال: ثنا سفيان ، قال: نا محمد بن المنكدر وإبراهيم بن ميسرة، سمعا أنس بن مالك يقول: "صليت مع رسول الله - عليه السلام - الظهر بالمدينة أربعا، وصليت معه العصر بذي الحليفة ركعتين".

                                                وقال أبو داود : ثنا زهير بن حرب، نا ابن عيينة ، عن محمد بن المنكدر ، إبراهيم بن ميسرة ، سمعا أنس بن مالك . . . إلى آخره نحو رواية مسلم .

                                                وقال الترمذي : ثنا قتيبة ، قال: نا ابن عيينة . . . إلى آخره نحوه.

                                                وكذا أخرجه النسائي .

                                                قوله: "بذي الحليفة" قد ذكرنا أنها ميقات أهل المدينة والشام اليوم، بينها وبين المدينة ستة أميال ويقال: سبعة.

                                                وهذا مما احتج به أهل الظاهر في جواز القصر في طويل السفر وقصيره، ولا حجة لهم في ذلك ; لأن المراد به حين سافر - عليه السلام - إلى مكة في حجة الوداع صلى الظهر بالمدينة أربعا ثم سافر، فأدركته العصر وهو مسافر بذي الحليفة فصلاها ركعتين، وليس المراد أن ذا الحليفة عامة سفره، فلا دلالة فيه قطعا.

                                                وأما ابتداء القصر فيجوز من حين يفارق بنيان بلده أو خيام قومه إن كان من أهل الخيام، هذا مذهب العلماء كافة إلا رواية ضعيفة عن مالك أنه لا يقصر حتى يجاوز ثلاثة أميال، وحكي عن عطاء وجماعة من أصحاب ابن مسعود أنه إذا أراد السفر قصر قبل خروجه.

                                                وعن مجاهد أنه لا يقصر في يوم خروجه حتى يدخل الليل.

                                                الثالث: عن أحمد بن عبد الرحمن بحشل ، عن عمه عبد الله بن وهب ، عن [ ص: 344 ] عمرو بن الحارث المصري وأسامة بن زيد وعبد الملك بن جريج ، ثلاثتهم عن محمد بن المنكدر ، عن أنس - رضي الله عنه -.

                                                وأخرجه البزار في "مسنده": ثنا محمد بن معمر ، نا أبو عاصم ، عن ابن جريج ، قال: أخبرت عن محمد بن المنكدر ، عن أنس قال: "صلى رسول الله - عليه السلام - صلاة الظهر بالمدينة أربعا، وصلى العصر بذي الحليفة ركعتين، ثم بات بذي الحليفة حتى أصبح، فلما أصبح ركب ناقته واستوت راحلته قائمة أهل".

                                                وثنا محمد بن معمر ، نا روح بن عبادة، نا أسامة بن زيد ، عن محمد بن المنكدر ، عن أنس قال: "صلى رسول الله - عليه السلام - الظهر بالمدينة أربعا، وصلى العصر بالعقيق ركعتين".

                                                الثالث: عن إبراهيم بن مرزوق ، عن حبان -بفتح الحاء المهملة وتشديد الباء الموحدة- بن هلال البصري روى له الجماعة، عن وهيب بن خالد البصري ، عن أيوب السختياني ، عن أبي قلابة عبد الله بن زيد الجرمي .

                                                وأخرجه أحمد في "مسنده": ثنا عفان، نا وهيب بن خالد ، عن أيوب ، عن أبي قلابة ، عن أنس قال: "صلى النبي - عليه السلام - الظهر بالمدينة أربعا وصلى العصر بذي الحليفة ركعتين وبات بها حتى أصبح فلما صلى الصبح، ركب راحلته، فلما انبعثت به سبح وكبر حتى استوت به البيداء، ثم جمع بينهما، فلما قدمنا مكة أمرهم رسول الله - عليه السلام - أن يحلوا، فلما كان يوم التروية أهلوا بالحج، ونحر رسول الله - عليه السلام - سبع بدنات بيده قائما، وضحى رسول الله - عليه السلام - بالمدينة بكبشين أقرنين أملحين".

                                                وأخرجه مسلم أيضا: ثنا خلف بن هشام ، وأبو الربيع الزهراني وقتيبة بن سعيد ، قالوا: نا حماد -وهو ابن زيد -.

                                                [ ص: 345 ] وحدثني زهير بن حرب ويعقوب بن إبراهيم، قالا: نا إسماعيل كلاهما عن أيوب ، عن أبي قلابة ، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه -: "أن رسول الله - عليه السلام - صلى الظهر بالمدينة أربعا، وصلى العصر بذي الحليفة ركعتين".

                                                الرابع: عن علي بن شيبة ، عن أبي نعيم ، عن سفيان الثوري ، عن إبراهيم بن ميسرة ، عن أنس ، عن النبي - عليه السلام -.

                                                وأخرجه العدني في "مسنده": ثنا سفيان ، عن محمد بن المنكدر وإبراهيم بن ميسرة ، عن أنس بن مالك قال: "صليت مع النبي - عليه السلام - الظهر بالمدينة أربعا، وصليت معه العصر بذي الحليفة ركعتين".

                                                وأخرجه البخاري نحوه وقد ذكرناه.

                                                الخامس: عن مبشر بن الحسن بن مبشر بن مكسر القيسي أبي بشر البصري، وثقه ابن يونس ، عن أبي عامر عبد الملك بن عمرو العقدي -وقد تكرر ذكره- عن شعبة ، عن يحيى بن أبي إسحاق الحضرمي البصري روى له الجماعة، عن أنس - رضي الله عنه -.

                                                وأخرجه الجماعة:

                                                فقال البخاري : ثنا أبو معمر ، قال: ثنا عبد الوارث ، قال: نا يحيى بن أبي إسحاق ، قال: سمعت أنسا يقول: "خرجنا مع النبي - عليه السلام - عن المدينة إلى مكة، فكان يصلي ركعتين ركعتين حتى رجعنا إلى المدينة، قلت: أقمتم بمكة شيئا؟ قال: أقمنا بها عشرا".

                                                وقال مسلم : ثنا يحيى بن يحيى، قال: أنا هشيم ، عن يحيى بن أبي إسحاق ، عن أنس بن مالك قال: "خرجنا مع رسول الله - عليه السلام - من المدينة [ ص: 346 ] إلى مكة، فصلى ركعتين ركعتين حتى رجع، قلت: كم أقام بمكة؟ قال: عشرا".

                                                وقال أبو داود : ثنا موسى بن إسماعيل ومسلم بن إبراهيم -المعنى- قالا: أنا وهيب، نا يحيى بن أبي إسحاق ، عن أنس بن مالك قال: "خرجنا مع رسول الله - عليه السلام - من المدينة إلى مكة، فكان يصلي ركعتين حتى رجعنا إلى المدينة. فقلنا: هل أقمتم بها شيئا؟ قال: أقمنا بها عشرا".

                                                وقال الترمذي : ثنا أحمد بن منيع ، قال: ثنا هشيم، قال: أنا يحيى بن أبي إسحاق ، قال: أنا أنس بن مالك قال: "خرجنا مع النبي - عليه السلام - من المدينة إلى مكة، فصلى ركعتين. قال: قلت لأنس: كم أقام رسول الله - عليه السلام - بمكة؟ قال: عشرا".

                                                قال أبو عيسى: حديث أنس حديث حسن صحيح.

                                                وقال النسائي : أنا حميد بن مسعدة، قال: أبنا يزيد، قال: أبنا يحيى بن أبي إسحاق ، عن أنس بن مالك قال: "خرجنا مع رسول الله - عليه السلام - من المدينة إلى مكة، فكان يصلي بنا ركعتين حتى رجعنا. قلت: هل أقام بمكة؟ قال: نعم، أقمنا بها عشرا".

                                                وقال ابن ماجه : ثنا نصر بن علي الجهضمي، نا يزيد بن زريع وعبد الأعلى، نا يحيى بن أبي إسحاق ، عن أنس قال: "خرجنا مع رسول الله - عليه السلام - من المدينة إلى مكة نصلي ركعتين ركعتين حتى رجعنا. قلت: كم أقام بمكة؟ قال: عشرا".

                                                قوله: "خرجنا مع رسول الله - عليه السلام -" أي من المدينة إلى مكة كما هو مفسر في رواية غيره.

                                                [ ص: 347 ] قوله: "فجعل يصلي" أي فجعل رسول الله - عليه السلام - يصلي الظهر ركعتين، والعصر ركعتين، والعشاء ركعتين، فوقع قوله: "ركعتين" في رواية الطحاوي مكررا ثلاث مرات، وفي رواية غيره مرتين، وفي رواية النسائي مرة واحدة.

                                                قوله: "قلت: كم أقمتم؟ " القائل هو يحيى بن أبي إسحاق الحضرمي، أي كم يوما أقمتم بمكة.

                                                قوله: (أي عشر ليال، وهذا الحديث حجة على الشافعي في تقديره مدة الإقامة بأربعة أيام ; لأنه يخبر عن مدة مقامه - عليه السلام - بمكة في حجة الوداع فإنه دخل مكة في صبح رابعة من ذي الحجة وهو يوم الأحد، وخرج صبح يوم الأربعاء الرابع عشر.

                                                ولا يقال: يحتمل أنهم عزموا على السفر في اليوم الثاني أو الثالث، واستمر بهم ذلك إلى عشر ; لأن الحديث إنما هو في حجة الوداع، فتعين أنهم نووا الإقامة أكثر من أربعة أيام لأجل قضاء النسك، نعم كان يستقيم هذا أن لو كان الحديث في قصة الفتح.

                                                والحاصل: أن ها هنا حديثان:

                                                أحدهما: حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -: "أن رسول الله - عليه السلام - أقام بمكة تسع عشرة يقصر الصلاة".

                                                رواه البخاري ، وكان في الفتح، صرح بذلك في بعض طرقه "أقام بمكة عام الفتح".

                                                والآخر: حديث أنس هذا وكان في حجة الوداع.

                                                وقال الحافظ المنذري في "حواشيه": حديث أنس يخبر عن مدة مقامه - عليه السلام - بمكة شرفها الله تعالى في حجة الوداع، فإنه دخل مكة في صبح رابعة من ذي [ ص: 348 ] الحجة وهو يوم الأحد، وبات بالمحصب ليلة الأربعاء، وفي تلك الليلة اعتمرت عائشة - رضي الله عنها - من التنعيم، ثم طاف النبي - عليه السلام - طواف الوداع سحرا قبل صلاة الصبح من يوم الأربعاء، وخرج صبيحته وهو الرابع عشر، فأما حديث ابن عباس وغيره فهو إخبار عن مدة مقامه - عليه السلام - بمكة زمن الفتح. انتهى.

                                                وقال النووي في شرح هذا الحديث: معناه أنه أقام بمكة وما حواليها لا في نفس مكة فقط، قدم مكة في اليوم الرابع فأقام بها الخامس والسادس والسابع، وخرج منها في الثامن إلى منى وذهب إلى عرفات في التاسع، وعاد إلى منى في العاشر فأقام بها الحادي عشر والثاني عشر، ونفر في الثالث عشر إلى مكة، وخرج منها إلى المدينة في الرابع عشر، فمدة إقامته في مكة وحواليها عشرة أيام، وكان يقصر الصلاة فيها كلها، ففيه دليل على أن المسافر إذا نوى إقامته دون أربعة أيام سوى يومي الدخول والخروج يقصر، وأن الثلاثة ليست مدة إقامة.

                                                قلت: هذا الكلام الذي، قرره لا ينهض حجة لمذهبهم بل في نفس الأمر حجة عليهم، سلمنا أنه إذا نوى إقامة دون الأربعة أيام لا تصح نيته فمقصر، ولكن لا تسلم صحتها أيضا إذا نوى أربعة أو خمسة أو ستة فمن أين يفهم من الحديث أنه إذا نوى أربعة أيام أو خمسة أن نيته صحيحة، وكذلك استثناء يومي الدخول والخروج لا يفهم من الحديث بل هو مجرد كلام من الخارج، بل صريح الحديث يرد صحة نية الإقامة بأربعة أيام.

                                                وقال الحسن بن صالح : إذا نوى إقامة عشرة أيام يتم. واستدل بهذا الحديث، وهذا أنسب من غيره من وجه تأمل.

                                                السادس: عن فهد بن سليمان ، عن أبي نعيم الفضل بن دكين ، عن سفيان الثوري . . . إلى آخره.

                                                [ ص: 349 ] وأخرجه الدارمي في "سننه": ثنا محمد بن يوسف، نا سفيان ، عن يحيى -هو ابن أبي إسحاق - عن أنس بن مالك قال: "خرجنا مع النبي - عليه السلام -، فجعل يقصر حتى قدمنا مكة، فأقام بها عشرة أيام يقصر حتى رجع، وذلك في حجه".

                                                السابع: عن محمد بن خزيمة ، عن يحيى بن عبد الله بن بكير ، عن الليث بن سعد ، عن بكير بن عبد الله بن الأشج ، عن محمد بن عبد الله بن أبي سليمان، وثقه ابن حبان وروى له النسائي ، وفي بعض نسخ الطحاوي : محمد بن عبد الله بن أبي سليم، وهكذا وقع في بعض نسخ النسائي .

                                                وذكر في "التكميل": محمد بن عبد الله بن أبي سليم المدني ، عن أنس : "صليت مع رسول الله - عليه السلام - بمنى. . . " الحديث. وعنه: بكير بن عبد الله بن الأشج، قال النسائي : ثقة.

                                                وأخرجه النسائي : أنا قتيبة ، قال: ثنا الليث ، عن بكير ، عن محمد بن عبد الله بن أبي سليمان ، عن أنس - رضي الله عنه - أنه قال: "صليت مع رسول الله - عليه السلام - بمنى ومع أبي بكر ومع عمر ركعتين، ومع عثمان ركعتين صدرا من إمارته".

                                                وأخرجه أحمد أيضا في "مسنده": عن حجاج ، عن ليث . . . إلى آخره نحوه.

                                                قوله: "شطر إمارته" أي نصف أيام خلافته.




                                                الخدمات العلمية