الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                2255 ص: واحتجنا أن ننظر في حكم الثوب الواسع الذي يستطيع أن يتزر به ويشتمل، هل يشتمل به أو يتزر فكيف يفعل؟

                                                فإذا يونس قد حدثنا، قال: ثنا سفيان ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، عن النبي - عليه السلام - قال: "لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء".

                                                [ ص: 124 ] حدثنا فهد، قال: ثنا أبو نعيم (ح).

                                                وحدثنا أبو بكرة، قال: ثنا مؤمل، قالا: ثنا سفيان ، عن أبي الزناد ... فذكر بإسناده مثله.

                                                حدثنا ابن منقذ، قال: حدثني إدريس بن يحيى ، عن عبد الله بن عياش ، عن ابن هرمز ، عن أبي هريرة ، عن النبي - عليه السلام - قال: "إذا صلى أحدكم في ثوب فليجعل على عاتقه منه شيئا".

                                                فنهى - صلى الله عليه وسلم - في حديث أبي الزناد عن الصلاة في الثوب الواحد متزرا به، وقد جاء عنه - صلى الله عليه وسلم - أيضا أنه نهى أن يصلي الرجل في السراويل وحده ليس عليه غيره.

                                                حدثنا عيسى بن إبراهيم الغافقي، قال: ثنا عبد الله بن وهب، قال: أخبرني زيد بن الحباب ، عن أبي المنيب ، عن عبد الله بن بريدة ، عن أبيه، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذلك.

                                                فهذا مثل ذلك، وهذا عندنا على الوجود معه لغيره، وإن كان لا يجد غيره فلا بأس بالصلاة فيه كما لا بأس بالصلاة في الثوب الصغير متزرا به، فهذا تصحيح معاني هذه الآثار المروية عن رسول الله - عليه السلام - في هذا الباب.

                                                التالي السابق


                                                ش: لما بين إباحة الصلاة في الثوب الواحد مطلقا -يعني في حال قدرته على غيره، وفي حالة عدم قدرته- وبين أن المراد من ذلك الاشتمال به لورود الأحاديث المتكاثرة بصلاة النبي - عليه السلام - في الثوب الواحد متوشحا، وبين أيضا أن ذلك يجوز أن يكون في حق الثياب مطلقا يعني سواء كانت واسعة أو ضيقة، ويجوز أن يكون في حق الثياب الواسعة، ثم بين التفصيل فيه بأنه إذا كان الثوب واسعا يتعطف به يعني يشتمل به، وإذا كان ضيقا يتزر به ; شرع يبين حكم الثوب الواسع الذي يمكن الاشتمال والاتزار به كلاهما، هل يقتصر على الاشتمال به أو على الاتزار به؟

                                                [ ص: 125 ] فأخرج عن أبي هريرة ما يدل على النهي عن الصلاة في الثوب الواحد متزرا به كما جاء النهي أيضا عن الصلاة في السراويل وحده، ثم ذكر أن هذا محمول على ما إذا وجد معه غيره، فإذا وجد غيره فإنه يكره له أن يصلي فيه متزرا، وأما إذا لم يجد غيره فإنه لا بأس بالصلاة فيه كما لا بأس بالصلاة في الثوب الصغير متزرا به، والله أعلم.

                                                ثم إنه أخرج حديث أبي هريرة من أربع طرق صحاح:

                                                الأول: عن يونس بن عبد الأعلى ، عن سفيان بن عيينة ، عن أبي الزناد -بالنون- عبد الله ابن ذكوان ، عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج ، عن أبي هريرة .

                                                وأخرجه مسلم: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعمرو الناقد وزهير بن حرب ، عن ابن عيينة -قال زهير-: ونا سفيان ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ... إلى آخره نحوه.

                                                وأخرجه البخاري: عن أبي عاصم ، عن مالك ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج نحوه.

                                                الثاني: عن فهد بن سليمان ، عن أبي نعيم الفضل بن دكين ، عن سفيان الثوري ، عن أبي الزناد ... إلى آخره.

                                                وأخرجه أبو داود: ثنا مسدد، نا سفيان ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - عليه السلام -: "لا يصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على منكبيه منه شيء".

                                                الثالث: عن أبي بكرة بكار ، عن مؤمل بن إسماعيل ، عن سفيان ، عن أبي الزناد ... إلى آخره.

                                                [ ص: 126 ] وأخرجه النسائي: أنا محمد بن منصور، قال: ثنا سفيان، قال: ثنا أبو الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - عليه السلام -: "لا يصلين أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء".

                                                الرابع: عن إبراهيم بن منقذ العصفري ، عن إدريس بن يحيى الخولاني ، عن عبد الله بن عياش -بالياء آخر الحروف المشددة، وفي آخره شين معجمة- القتباني المصري روى له مسلم وابن ماجه ، عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج ، عن أبي هريرة .

                                                أخرجه أحمد في "مسنده".

                                                وأما حديث بريدة بن الحصيب - رضي الله عنه -: فأخرجه عن عيسى بن إبراهيم الغافقي أبي موسى المصري شيخ أبي داود والنسائي أيضا، عن عبد الله بن وهب المصري ، عن زيد بن الحباب -بضم الحاء المهملة وتخفيف الباء الموحدة وفي آخره باء أخرى- بن الريان الكوفي روى له الجماعة سوى البخاري ، عن أبي المنيب عبيد الله بن عبد الله العتكي المروزي السنجي، فعن يحيى: ثقة، وقال البخاري: عنده مناكير. وقال العقيلي: لا يتابع على حديثه، روى له أبو داود والنسائي وابن ماجه .

                                                عن عبد الله بن بريدة بن الحصيب الأسلمي روى له الجماعة، عن أبيه بريدة .

                                                وأخرجه أبو داود: ثنا محمد بن يحيى بن فارس، نا سعيد بن محمد، نا أبو تميلة، نا أبو المنيب عبد الله العتكي ، عن عبد الله بن بريدة ، عن أبيه قال: "نهى رسول الله - عليه السلام - أن تصلي في لحاف ولا توشح به، والآخر أن تصلي في سراويل ليس عليك رداء".

                                                [ ص: 127 ] قوله: "في السراويل" زعم ابن سيده أنه فارسي معرب يذكر ويؤنث، ولم يعرف الأصمعي فيها إلا التأنيث، وجمعه: سراويلات.

                                                وقال سيبويه: لا يكسر ; لأنه لو كسر لم يرجع إلا إلى لفظ الواحد فترك.

                                                وقد قيل: سراويل جمع واحده سروالة.

                                                ويقال فيه: السراوين، زعم يعقوب أن النون فيها بدل من اللام.

                                                وفي "الجامع" للقزاز: سراويل وسروال وسرويل ثلاث لغات، وفي "الصحاح": وهي مصروفة في النكرة، والعمل على هذا القول، وعدم الصرف أقوى منه.

                                                وقال أبو حاتم السجستاني: السراويل مؤنثة لا يذكرها أحد علمناه، وبعض العرب يظن السراويل جماعة، وسمعت من الأعراب من يقول: الشروال، بالشين المعجمة.

                                                قلت: الشروال مثل السراويل ولكنه يلبس فوق القماش كله لأجل حفظه عن نحو الطين والوسخ، ولأجل التشمير وحفظ القماش وجمعه، وغالبا يلبسه المسافرون ركاب الخيل، والعجم تقول للسراويل: شلوار.

                                                وبظاهر هذا الحديث أخذ بعض أصحابنا وكرهوا الصلاة في السراويل وحدها، والصحيح أنه إذا ستر عورته لا تكره الصلاة فيه وحده.




                                                الخدمات العلمية