الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                2401 [ ص: 333 ] ص: حدثنا فهد، قال: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: ثنا أبو أسامة ، عن عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: "صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمنى ركعتين وأبو بكر - رضي الله عنه - ركعتين، وعثمان ركعتين صدرا من خلافته، ثم إن عثمان صلاها بعد أربعا، فكان ابن عمر إذا صلى مع الإمام صلى أربعا، وإذا صلى وحده صلى ركعتين".

                                                حدثنا سليمان بن شعيب، قال: ثنا عبد الرحمن بن زياد ، قال: ثنا شعبة ، عن خبيب بن عبد الرحمن قال: سمعت حفص بن عاصم يحدث عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: "صليت مع رسول الله بمنى ركعتين ومع أبي بكر - رضي الله عنه - ركعتين، ومع عمر - رضي الله عنه - ركعتين، ومع عثمان - رضي الله عنه - ركعتين ست سنين -أو ثمان- ثم أتمها بعد ذلك".

                                                التالي السابق


                                                ش: هذان طريقان صحيحان:

                                                أحدهما: عن فهد بن سليمان ، عن أبي بكر عبد الله بن أبي شيبة شيخ الشيخين، عن أبي أسامة حماد بن أسامة بن زيد القرشي الكوفي روى له الجماعة، عن عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب روى له الجماعة، عن نافع ، عن عبد الله بن عمر . . . إلى آخره.

                                                وأخرجه مسلم : ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: نا أبو أسامة ، نا عبيد الله ، عن نافع ، عن ابن عمر قال: "صلى رسول الله - عليه السلام - بمنى ركعتين، وأبو بكر بعده، وعمر بعد أبي بكر ، وعثمان صدرا من خلافته، ثم إن عثمان صلى بعد أربعا، فكان ابن عمر - رضي الله عنهما - إذا صلى مع الإمام صلى أربعا، وإذا صلاها وحده صلى ركعتين".

                                                [ ص: 334 ] وأخرجه البخاري والنسائي أيضا.

                                                الثاني: عن سليمان بن شعيب الكيساني ، عن عبد الرحمن بن زياد الرصاصي الثقفي وثقه ابن حبان ، عن شعبة ، عن خبيب -بضم الخاء المعجمة- بن عبد الرحمن بن خبيب بن يساف الأنصاري المدني، روى له الجماعة، عن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب ، روى له الجماعة، عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما -.

                                                وأخرجه مسلم : نا عبيد الله بن معاذ ، قال: ثنا أبي، قال: ثنا شعبة ، عن خبيب بن عبد الرحمن ، سمع حفص بن عاصم ، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: "صلى النبي - عليه السلام - بمنى صلاة المسافر، وأبو بكر وعمر وعثمان ثمان سنين، أو قال: ست سنين".

                                                قوله: "صدرا" نصب على الظروف، وأراد به في أول خلافته، قال الجوهري: صدر كل شيء: أوله.

                                                قوله: "بعد" مبني على الضم، وأصله: بعد ذلك، فلما قطع عن الإضافة بني على الضم.

                                                ثم اعلم أن صلاة عثمان - رضي الله عنه - بعد ذلك أربعا كان اجتهادا منه، وأخذ بالأفضل في زعمه ; لأنه اعتقد واجبا وفرضا.

                                                وقال عمران بن حصين : "حججت مع عثمان سبعا من إمارته لا يصلي إلا ركعتين، ثم صلى بمنى أربعا، ولا خلاف أن هذا حكم الحاج من غير أهل مكة بمنى وعرفة يقصرون".

                                                وكذلك عند مالك حكم الحاج من أهل مكة يقصرون بعرفة ومنى كتقصيرهم مع النبي - عليه السلام -، وكذلك أهل عرفة ومنى بمكة، ولخطبة عمر - رضي الله عنه - أهل مكة بالتمام دونهم.

                                                [ ص: 335 ] وذهب أبو حنيفة والشافعي وجماعة من العلماء إلى أن أهل مكة بمنى وعرفة، وأهل عرفة ومنى بمكة يتمون كغير الحاج منهم ; إذ ليس في المسافة مدة قصر الصلاة.

                                                وقال ابن بطال: اتفق العلماء على أن الحاج القادم مكة شرفها الله تعالى يقصر الصلاة بها وبمنى وسائر المشاهدة لأنه عندهم في سفر ; لأن مكة ليست دار الإقامة إلا لأهلها أو لمن أراد الإقامة بها، وكان المهاجرون قد فرض عليهم ترك المقام بها، فلذلك لم ينو رسول الله - عليه السلام - الإقامة بها ولا بمنى.

                                                قال: واختلف العلماء في صلاة المكي بمنى.

                                                فقال مالك : يتم بمكة، ويقصر بمنى، وكذلك أهل منى يتمون بمنى ويقصرون بمكة وعرفات.

                                                قال: وهذه المواضع مخصوصة بذلك ; لأن النبي - عليه السلام - لما قصر بعرفة لم يميز من وراءه ولا قال: يا أهل مكة، أتموا وهذا موضع بيان ; ولذلك قال عمر - رضي الله عنه - بعده لأهل مكة: يا أهل مكة أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر.

                                                قال: وممن روى عنه أن المكي يقصر بمنى طاوس والأوزاعي وإسحاق، قالوا: القصر سنة المواضع، وأتم بمنى ومكة من كان مقيما بهما.

                                                وقال أكثر أهل العلم -منهم عطاء والزهري ، وهو قول الثوري ، والكوفيين، وأبي حنيفة ، وأصحابه، والشافعي ، وأحمد ، وأبي ثور -: لا يقصر الصلاة أهل مكة بمنى وعرفات ; لأنه ليس بينهما مسافة القصر.

                                                قالوا: وفي قول عمر بن الخطاب لأهل مكة: "أتموا صلاتكم" ما أغنى أن يقول ذلك بمنى.

                                                واختلفوا في المسافة التي تقصر فيها الصلاة، فقال أبو حنيفة وأصحابه والكوفيون: المسافة التي تقصر فيها الصلاة ثلاثة أيام ولياليهن بسير الإبل ومشي الأقدام، وقال أبو يوسف: يومان وأكثر.

                                                [ ص: 336 ] الثالث: وهي رواية الحسن ، عن أبي حنيفة ، ورواية أبي سماعة عن محمد، ولم يريدوا به السير ليلا ونهارا ; لأنهم جعلوا النهار للسير والليل للاستراحة، فلو سلك طريقا هي مسيرة ثلاثة أيام وأمكنه أن يصل إليها في يوم من طريق آخر قصر، ثم قدروا ذلك بالفراسخ.

                                                فقيل: إحدى وعشرون فرسخا.

                                                وقيل: ثمانية عشر وعليه الفتوى.

                                                وقيل: خمسة عشر فرسخا إلى ثلاثة أيام، وعلى هذا عثمان بن عفان ، وابن مسعود ، وسويد بن غفلة ، والشعبي ، والنخعي ، والثوري ، والحسن بن حي ، وأبو قلابة ، وشريك بن عبد الله ، وسعيد بن جبير ، ومحمد بن سيرين ، وهو رواية عن عبد الله بن عمر .

                                                وعن مالك : لا يقصر في أقل من ثمانية وأربعين ميلا بالهاشمي وذلك ستة عشر فرسخا، وهو قول أحمد ، والفرسخ: ثلاثة أميال، والميل: ستة آلاف ذراع، والذراع: أربع وعشرون إصبعا معترضة معتدلة، والإصبع: ست شعيرات معترضات معتدلات.

                                                وذلك يومان وهو أربعة برد، هذا هو المشهور عنه، وعنه أيضا: خمسة وأربعون ميلا، وعنه: اثنان وأربعون ميلا، وعنه: أربعون ميلا، وعنه: ستة وثلاثون ميلا.

                                                وقال ابن حزم: ذكر هذه الروايات عنه إسماعيل القاضي، قال: ورأى لأهل مكة خاصة القصر إلى منى، فما فوقها وهي أربعة أميال.

                                                وللشافعي سبعة نصوص في المسافة التي تقصر فيها الصلاة: ثمانية وأربعون ميلا، ستة وأربعون، أكثر من أربعين، أربعون يومان، ليلتان، يوم وليلة.

                                                وهذا الآخر قال به الأوزاعي .

                                                وقال أبو عمر : قال الأوزاعي : عامة العلماء يقولون به.

                                                [ ص: 337 ] وعن داود: يقصر في طويل السفر وقصيره.

                                                زاد ابن حامد: حتى لو خرج إلى بستان له خارج البلد قصر.

                                                وزعم أبو محمد أنه لا يقصر عندهم في أقل من ميل، قال: ولا يجوز لنا أن نوقع اسم سفر وحكم سفر إلا على ما سماه به من هو حجة في اللغة سفرا، فلم نجد ذلك في أقل من ميل.

                                                وروينا الميل أيضا عن ابن عمر ، روي عنه أنه قال: "لو خرجت ميلا لقصرت". قال: وعنه: "إني لأسافر الساعة من النهار فأقصر"، وعنه: "ثلاثة أميال".

                                                وعن ابن مسعود : "أربعة"، وعنه: "ثلاثة أميال".

                                                وفي "المحلى": عن أبي حذيفة : "لا يقصر في نيف وستين ميلا"، وعن شقيق ابن سلمة وسئل عن قصر الصلاة من الكوفة إلى واسط فقال: "لا تقصر الصلاة في ذلك" وبينهما مائة وخمسون ميلا.

                                                وعن الحسن بن حي: "لا يقصر في أقل من اثنين وثمانين ميلا".

                                                وعن ابن عمر : "اثنان وسبعون ميلا".

                                                وعن الثوري : نحو نيف وستين ميلا، يتجاوز ثلاثة وستين ولا ينتقص عن أحد وستين. وعن أبي الشعثاء : ستة أميال.

                                                وعن ابن المسيب : بريد.

                                                وقال ابن حزم: صح عن كلثوم بن هانئ وقبيصة بن ذؤيب وابن محيريز القصر في بضعة عشر ميلا.

                                                وقال أبو بكر بن أبي شيبة في "مصنفه": ثنا هشيم ، عن أبي هارون ، عن أبي سعيد : "أن النبي - عليه السلام - كان إذا سافر فرسخا قصر الصلاة".

                                                [ ص: 338 ] ثنا هشيم ، عن جويبر ، عن الضحاك ، عن النزال: "أن عليا - رضي الله عنه - خرج إلى النخيلة فصلى بها الظهر والعصر ركعتين، ثم رجع من يومه وقال: أردت أن أعلمكم سنة نبيكم".

                                                وكان حذيفة يصلي ركعتين فيما بين الكوفة والمدائن.

                                                وعن ابن عباس : يقصر الصلاة في مسيرة يوم وليلة.

                                                وعن ابن عمر وسويد بن غفلة وعمر بن الخطاب "ثلاثة أميال".

                                                وعن أنس : "كان النبي - عليه السلام - إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ - شعبة الشاك- قصر" رواه مسلم .

                                                وعن الحسن: يقصر في مسيرة ليلتين.

                                                وعن أبي الشعثاء : ستة أميال.




                                                الخدمات العلمية