الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                2250 [ ص: 118 ] ص: فقد تواترت هذه الآثار عن النبي - عليه السلام - بالصلاة في الثوب الواحد متوشحا به في حال وجود غيره، قد ذكرنا ذلك في بعض هذه الأحاديث أنه صلى -وثيابه على المشجب- في ثوب واحد متوشحا به، فقد يجوز أن يكون ذلك على ما اتسع من الثياب خاصة لا على ما ضاق منها، ويجوز أن يكون على كل الثياب، ما ضاق منها وما اتسع.

                                                فنظرنا في ذلك فإذا عبد الرحمن بن عمرو الدمشقي قد حدثنا، قال: ثنا أبو نعيم، قال: ثنا فطر بن خليفة ، عن شرحبيل بن سعد، قال: ثنا جابر، أن رسول الله - عليه السلام - كان يقول: "إذا اتسع الثوب فتعطف به على عاتقك، وإذا ضاق فاتزر به ثم صل".

                                                فثبت بهذا الحديث أن الاشتمال هو المقصود، وأنه هو الذي ينبغي أن يفعل في الثياب التي يصلي فيها، فإذا لم يقدر عليه لضيق الثوب اتزر به.

                                                التالي السابق


                                                ش: أي فقد تكاثرت هذه الأحاديث وتتابعت بجواز الصلاة في الثوب الواحد حال كونه متوشحا به في حال وجود غيره من الثياب.

                                                وهذا كما قد رأيت قد أخرجها عن جماعة من الصحابة - رضي الله عنهم - وهم: أبو هريرة ، وطلق بن علي وجابر بن عبد الله ، وعبد الله بن عمر وعمر بن أبي سلمة وسلمة ابن الأكوع وأم هانئ وعبد الله بن عباس وأبي بن كعب وأبو سعيد الخدري وأنس بن مالك - رضي الله عنهم -.

                                                ولما أخرج الترمذي حديث عمر بن أبي سلمة في الصلاة في ثوب واحد قال: وفي الباب عن أبي هريرة وجابر وسلمة بن الأكوع وأنس وعمرو بن أبي أسد وأبي سعيد وكيسان وابن عباس وعائشة وأم هانئ وعمار بن ياسر وطلق بن علي وعبادة بن الصامت .

                                                [ ص: 119 ] قلت: وفي الباب أيضا عن حذيفة وعبد الله بن أبي أمية وعبد الله بن أنيس وعبد الله بن سرجس وعبد الله بن عبد الله بن المغيرة المخزومي وعلي بن أبي طالب ومعاذ بن جبل ومعاوية بن أبي سفيان وأبي أمامة وأبي عبد الرحمن حاضن عائشة وأم حبيبة وأم الفضل ورجل لم يسم.

                                                أما حديث عمرو بن أبي أسد فأخرجه أبو القاسم البغوي في "معجم الصحابة"، والحسن بن سفيان في "مسنده" من رواية محمد بن بشر العبدي ، عن عبيد الله بن عمر ، عن ابن شهاب الزهري ، عن عمرو بن أبي أسد قال: "رأيت رسول الله - عليه السلام - يصلي في ثوب واحد واضعا طرفيه على عاتقه".

                                                وأما حديث كيسان فأخرجه ابن ماجه: من رواية معروف بن مشكان ، عن عبد الرحمن بن كيسان ، عن أبيه قال: "رأيت رسول الله - عليه السلام - يصلي بالبئر العليا في ثوب" وكيسان هو ابن جرير مولى خالد بن أبي أسيد الأموي .

                                                وأما حديث عائشة فأخرجه أبو داود: من رواية أبي صالح ، عن عائشة: "أن النبي - عليه السلام - صلى في ثوب بعضه علي".

                                                وأما حديث عبادة بن الصامت: فأخرجه الطبراني في "الكبير": من رواية إسحاق بن يحيى ، عن عبادة: "أن رسول الله - عليه السلام - سئل عن الصلاة في الثوب الواحد فقال: إن كان واسعا فليضمه، وإن كان عاجزا فليتزر به".

                                                وإسحاق بن يحيى لم يسمع من جده عبادة .

                                                وأما حديث حذيفة: فأخرجه أحمد في"مسنده": من رواية الوليد بن عيزار، قال: قال حذيفة: "بت بآل رسول الله - عليه السلام - فقام رسول الله - عليه السلام - يصلي وعليه طرف لحاف، وعلى عائشة طرفه وهي حائض لا تصلي".

                                                [ ص: 120 ] وأما حديث عبد الله بن أبي أمية: فأخرجه الطبراني في "الكبير": من رواية عبد الرحمن بن أبي الزناد ، عن أبيه، عن عروة بن الزبير، قال: أخبرني عبد الله ابن أبي أمية: "أنه رأى النبي - عليه السلام - يصلي في بيت أم سلمة في ثوب واحد ملتحفا به مخالفا بين طرفيه".

                                                وأما حديث عبد الله بن أنيس: فأخرجه الطبراني أيضا في "الكبير": من رواية أبي الحسن ، عن عبد الله بن عبد الرحمن ، عن عبد الله بن أنيس قال: "أتيت النبي - عليه السلام - وهو يصلي فقمت عن يساره، فأخذني رسول الله - عليه السلام - فأقامني عن يمينه وعلي ثوب متمزق لا يواري، فجعلت كلما سجدت أمسكته بيدي مخافة أن تنكشف عورتي وخلفي نساء، فلما انصرف رسول الله - عليه السلام - دعا لي بثوب فكسانيه وقال: تدرع بخلقك".

                                                وأما حديث عبد الله بن سرجس: فأخرجه الطبراني أيضا: من رواية مسلم ابن أبي مريم ، عن عبد الله بن سرجس: "أن نبي الله - عليه السلام - صلى يوما وعليه نمرة له. . . " الحديث.

                                                وأما حديث عبد الله بن عبد الله بن المغيرة: فأخرجه أحمد: من طريق محمد بن إسحاق، قال: حدثني هشام بن عروة ، عن أبيه، عن عبد الله بن عبد الله بن المغيرة المخزومي قال: "رأيت رسول الله - عليه السلام - يصلي في بيت أم سلمة زوج النبي - عليه السلام - في ثوب واحد ما عليه غيره".

                                                وقال ابن عبد البر: ذكره جماعة من الصحابة، وفيه نظر قال: ولا يصح له عندي صحبة ; لصغره.

                                                وأما حديث علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: فأخرجه الطبراني: من [ ص: 121 ] رواية إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة ، عن إبراهيم بن عبد الله بن حنين ، عن أبيه، عن ابن عباس ، عن علي، أن النبي - عليه السلام - قال: "إذا كان إزارك ضيقا فاتزر به، وإن كان واسعا فاشتمل به، يعني في الصلاة".

                                                وأما حديث معاذ: فأخرجه الطبراني: من رواية محمد بن صبيح ، عن معاذ قال: "صلى رسول الله - عليه السلام - في ثوب واحد مؤتزرا به".

                                                وأما حديث معاوية بن أبي سفيان: فأخرجه الطبراني: من رواية طلحة ابن يحيى ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن معاوية بن أبي سفيان: "أن النبي - عليه السلام - كان يصلي في الثوب الواحد".

                                                وأخرجه أبو يعلى أيضا.

                                                وأما حديث أبي أمامة: فأخرجه الطبراني أيضا: من رواية سويد بن سعيد ، عن موسى بن عمير ، عن مكحول ، عن أبي أمامة قال: "أمنا رسول الله - عليه السلام - في قطيفة خالف بين طرفيها".

                                                وأما حديث أبي عبد الرحمن حاضن عائشة - رضي الله عنها -: فأخرجه الطبراني في "الأوسط": من رواية يحيى بن أبي محمد ، عن أبي عبد الرحمن حاضن عائشة - رضي الله عنها - قال: "رأيت النبي - عليه السلام - وعائشة يصليان في ثوب واحد نصفه على النبي - عليه السلام - ونصفه على عائشة".

                                                وفي إسناده ضرار بن صرد وهو متروك.

                                                وأما حديث أم حبيبة - رضي الله عنها -: فأخرجه أحمد: قال: نا زيد بن الحباب، ثنا معاوية بن صالح، حدثني ضمرة بن حبيب، أن محمد بن أبي سفيان الثقفي

                                                [ ص: 122 ] حدثه، أنه سمع أم حبيبة زوج النبي - عليه السلام - تقول: "رأيت النبي - عليه السلام - يصلي في ثوب واحد".

                                                وأما حديث أم الفضل: فأخرجه أحمد أيضا: من رواية أنس ، عن أم الفضل بنت الحارث قالت: "صلى بنا رسول الله - عليه السلام - في بيته متوشحا بثوب".

                                                وأما حديث الرجل الذي لم يسم: فأخرجه أحمد أيضا: من رواية أبي مالك الأشجعي ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، قال: "أخبرني من رأى النبي - عليه السلام - يصلي في ثوب واحد وقد خالف بين طرفيه". وإسناده صحيح.

                                                قوله: "فقد يجوز ذلك" أي ما فعله النبي - عليه السلام - من الصلاة في ثوب واحد وثيابه على المشجب، بيانه أن فعل النبي - عليه السلام - يحتمل وجهين:

                                                أحدهما: أن يكون ذلك على شرط أن يكون الثوب واسعا لا ضيقا.

                                                والآخر: أن يكون ذلك مطلقا سواء كان الثوب واسعا أو ضيقا.

                                                فإذا احتمل الوجهين المذكورين نحتاج أن ننظر هل ورد شيء من الأحاديث يدل على معنى معين؟

                                                فنظرنا في ذلك فوجدنا جابر بن عبد الله قد روى عن النبي - عليه السلام - أنه كان يقول: "إذا اتسع الثوب فتعطف به على عاتقك" أي: فاشتمل به، والعاتق موضع الرداء من المنكب وإذا ضاق -أي الثوب- فاتزر به ثم صل، فدل هذا أن المعنى المقصود هو الاشتمال، وأنه ينبغي أن يفعل به في الثوب الذي يصلي فيه وإذا لم يقدر عليه لضيق الثوب فإنه يتزر به.

                                                وأخرجه بإسناد حسن جيد: عن عبد الرحمن بن عمرو أبي زرعة الدمشقي الحافظ ، عن أبي نعيم الفضل بن دكين شيخ البخاري ، عن فطر بن خليفة القرشي الكوفي الحناط -بالنون- روى له البخاري مقرونا بغيره والأربعة، عن [ ص: 123 ] شرحبيل بن سعد المدني، فهو وإن ضعفه يحيى والدارقطني فقد وثقه ابن حبان وروى له أبو داود وابن ماجه .

                                                وأخرجه البزار في "مسنده": ثنا الحسن بن أحمد، نا محمد بن مسلمة ، عن أبي عبد الرحيم ، عن زيد ، عن شرحبيل ، عن جابر قال: "رأيت رسول الله - عليه السلام - في إزار مؤتزرا به، فقلت: يا رسول الله. تصلى في إزار؟ فقال: نعم، إذا كان واسعا فخالف بين طرفيه، فإن عجز أو ضاق فاتزر به".

                                                وأخرج البخاري: ثنا يحيى بن صالح، قال: ثنا فليح بن سليمان ، عن سعيد بن الحارث، قال: "سألنا جابر بن عبد الله عن الصلاة في الثوب الواحد، فقال: خرجت مع رسول الله - عليه السلام - في بعض أسفاره، فجئت ليلة لبعض أمري فوجدته يصلي، وعلي ثوب واحد فاشتملت به وصليت إلى جانبه، فلما انصرف قال: ما السرى يا جابر؟ فأخبرته بحاجتي، فلما فرغت قال: ما هذا الاشتمال الذي رأيت؟ قلت: كان ثوب - يعني ضاق-. قال: فإن كان واسعا فالتحف به، وإن كان ضيقا فاتزر به".

                                                وأخرج أبو داود: من حديث عبادة بن الصامت ، عن جابر حديثا طويلا، وفي آخره قال: "يا جابر. قلت: لبيك يا رسول الله. قال: إذا كان واسعا فخالف بين طرفيه، وإذا كان ضيقا فاشدده على حقوك".

                                                الحقو: موضع عقد الإزار، ويجمع على أحق وأحقاء.




                                                الخدمات العلمية