الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                ص: فإن قال قائل: فما معنى قوله: "ولا تعد"؟

                                                قيل له: ذلك عندنا يحتمل معنيين: يحتمل ولا تعد أن تركع دون الصف حتى تقوم في الصف كما قد روى عنه أبو هريرة.

                                                حدثنا ابن أبي داود، قال: ثنا المقدمي، قال: ثنا عمر بن علي، قال: حدثني ابن عجلان ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أتى أحدكم الصلاة فلا يركع دون الصف حتى يأخذ مكانه من الصف".

                                                ويحتمل قوله: "ولا تعد" أي ولا تعد أن تسعى إلى الصف سعيا يحفزك فيه النفس كما جاء عنه في غير هذا الحديث.

                                                حدثنا أحمد بن عبد الرحمن، قال: ثنا عمي، قال: حدثني إبراهيم بن سعد ، عن أبيه (ح).

                                                وحدثنا إبراهيم بن مرزوق، قال: ثنا وهب، قال: ثنا شعبة ، عن سعد بن إبراهيم ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون وائتوها وأنتم تمشون وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا".

                                                [ ص: 200 ] حدثنا محمد بن خزيمة وفهد، قالا: ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثنا الليث ، عن ابن الهاد ، عن ابن شهاب ، عن أبي سلمة ... فذكر بإسناده مثله، غير أنه قال: "فاقضوا".

                                                حدثنا أبو بكرة، قال: ثنا محمد بن عبد الله الأنصاري ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ... فذكر بإسناده مثله.

                                                حدثنا محمد بن خزيمة، قال: ثنا سعيد بن منصور، قال: ثنا سفيان ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة ، عن النبي - عليه السلام - مثله.

                                                حدثنا إسماعيل بن يحيى، قال: ثنا محمد بن إدريس، قال: ثنا ابن أبي ذئب ، عن الزهري ، عن سعيد وأبي سلمة ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله - عليه السلام - مثله.

                                                حدثنا سليمان بن شعيب، قال: ثنا الخصيب، قال: ثنا همام ، عن هشام ، عن ابن سيرين ، عن أبي هريرة ، عن النبي - عليه السلام - مثله.

                                                حدثنا ربيع المؤذن، قال: ثنا أسد، قال: ثنا حماد بن سلمة ، عن أيوب ، عن محمد ... فذكر بإسناده مثله.

                                                حدثنا صالح بن عبد الرحمن، قال: ثنا القعنبي، قال: ثنا مالك ، عن العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - عليه السلام -: "إذا ثوب بالصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون وائتوها وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا".

                                                حدثنا يونس بن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن وهب، أن مالكا حدثه، عن العلاء ، عن أبيه، وعن إسحاق بن عبد الله، أنهما سمعا أبا هريرة يقول: قال رسول الله - عليه السلام -. . . ثم ذكر مثله، وزاد: "فإن أحدكم في صلاة ما كان يعمد إلى الصلاة".

                                                التالي السابق


                                                ش: تقرير السؤال أن يقال: لو كانت صلاة المنفرد خلف الصف صحيحة بهذا الحديث لما كان لقوله: "ولا تعد" معنى.

                                                [ ص: 201 ] وتقرير الجواب: أن قوله: "ولا تعد" يحتمل معنيين:

                                                أحدهما: أن يكون معناه: ولا تعد أن تركع دون الصف حتى تقوم في الصف، فيكون هذا الكلام إرشادا له في المستقبل إلى ما هو الأفضل.

                                                والدليل عليه: حديث أبي هريرة الذي أخرجه بإسناد صحيح: عن إبراهيم ابن داود البرلسي ، عن محمد بن أبي بكر بن علي بن عطاء بن مقدم المقدمي البصري شيخ البخاري ومسلم ، عن محمد بن عجلان المدني ، عن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج ، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - عليه السلام -: "إذا أتى أحدكم الصلاة. . . " الحديث.

                                                وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه": عن يحيى بن سعيد ، عن ابن عجلان ... إلى آخره.

                                                وكذا قال ابن أبي شيبة في معنى هذا الحديث: وإليه ذهب إبراهيم النخعي والحسن البصري .

                                                وعن الزهري: " أنه يركع قبل أن يصل إلى الصف، ثم يمشي راكعا" وهكذا روى أبو أمامة عن زيد بن ثابت - رضي الله عنه -.

                                                والمعنى الآخر: أن يكون معناه ولا تعد أن تسعى إلى الصف بحيث أن يحفزك النفس ويتوالى عليك مع النفخ.

                                                والدليل عليه حديث أبي هريرة أيضا الذي أخرجه من عشر طرق صحاح:

                                                الأول: عن أحمد بن عبد الرحمن بن وهب أبي عبد الله المصري بحشل بن أخي عبد الله بن وهب، وثقه عبد الله بن عبد الحكم ، عن عمه عبد الله بن وهب ، عن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف القرشي المدني

                                                [ ص: 202 ] روى له الجماعة، عن أبيه سعد بن إبراهيم روى له الجماعة، عن أبي سلمة عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف ، عن أبي هريرة .

                                                وأخرجه الطيالسي في "مسنده": من حديث سعد بن إبراهيم، قال: سمعت أبا سلمة يحدث، عن أبي هريرة، أن النبي - عليه السلام - قال: "ائتوا وعليكم السكينة فما أدركتم فصلوا وما سبقتم فاقضوا".

                                                الثاني: عن إبراهيم بن مرزوق ، عن وهب بن جرير ، عن شعبة ، عن سعد بن إبراهيم ... إلى آخره.

                                                وأخرجه أحمد في "مسنده": ثنا محمد بن جعفر، نا شعبة ، عن سعد بن إبراهيم، سمعت أبا سلمة يحدث، عن أبي هريرة ، عن النبي - عليه السلام - أنه قال: "ائتوا الصلاة وعليكم السكينة فصلوا ما أدركتم واقضوا ما سبقتم".

                                                قوله: "وأنتم تسعون" جملة اسمية حالية من الضمير المرفوع الذي في "فلا تأتوها" وكذلك "تمشون" حال، والمعنى: لا تأتوا الصلاة حال كونكم ساعين يعني جارين، وائتوها حال كونكم ماشين مستكنين يقال: سعيت في كذا وإلى كذا: إذا ذهبت إليه وعملت فيه، ومنه قوله تعالى: وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وفي "الصحاح": سعى الرجل يسعى سعيا أي عمدا، والحكمة في إتيانها بسكينة والنهي عن السعي: أن الذاهب إلى الصلاة عامل في تحصيلها ومتوصل إليها، فينبغي أن يكون متأدبا بآدابها، ويكون على أكمل الأحوال.

                                                قوله: "عليكم السكينة" أي التأني والوقار، ومعنى "عليكم": الزموا.

                                                الثالث: عن محمد بن خزيمة وفهد بن سليمان، كلاهما عن عبد الله بن صالح كاتب الليث ، عن الليث بن سعد ، عن يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد الليثي المدني ، عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري ، عن أبي سلمة . . . إلى آخره.

                                                [ ص: 203 ] وأخرجه أحمد : عن ابن عيينة ، عن الزهري ، عن سعيد ، عن أبي هريرة : "وما فاتكم فاقضوا".

                                                وأخرج من حديث ليث ، عن يزيد بن الهاد ، عن ابن شهاب ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة : "وما فاتكم فأتموا".

                                                وقال أبو داود : قال الزبيدي وابن أبي ذئب وإبراهيم بن سعد ومعمر وشعيب بن أبي حمزة ، عن الزهري : "وما فاتكم فأتموا".

                                                وقال ابن عيينة عن الزهري وحده: "فاقضوا".

                                                وفي رواية أبي نعيم الأصبهاني: "وما فاتكم فاقضوا"، وكذا ذكره الإسماعيلي من حديث سيار ، عن يحيى .

                                                فإن قيل: حكى البيهقي ، عن مسلم أنه قال: لا أعلم هذه اللفظة رواها عن الزهري غير ابن عيينة وأخطأ.

                                                قلت: تابعه ابن أبي ذئب فرواها عن الزهري كذلك، وكذا أخرج هذا الحديث أبو نعيم في "المستخرج على الصحيحين"، وفي مسند أبي قرة: عن ابن جريج ، أخبرت عن أبي سلمة ، عن أبيه، عنه بلفظ: "وليقض ما سبقه"، وكذا في رواية مسلم : "واقض ما سبقك".

                                                الرابع: عن أبي بكرة بكار القاضي ، عن محمد بن عبد الله الأنصاري ... إلى آخره.

                                                وأخرجه أبو داود معلقا ; وقال: قال محمد بن عمرو : عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة .

                                                وجعفر بن ربيعة ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة : "فأتموا".

                                                [ ص: 204 ] وابن مسعود ، عن النبي - عليه السلام -.

                                                وأبو قتادة وأنس عن النبي - عليه السلام - كلهم: "فأتموا".

                                                الخامس: عن محمد بن خزيمة ، عن سعيد بن منصور الخراساني ، عن سفيان ابن عيينة ، عن محمد بن مسلم الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة ، عن النبي - عليه السلام - نحوه.

                                                وأخرجه النسائي : أنا عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن ، قال: ثنا سفيان ، أبنا الزهري ، عن سعيد ، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - عليه السلام -: "إذا أتيتم الصلاة فلا تأتوها تسعون، وائتوها تمشون وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فاقضوا".

                                                السادس: عن إسماعيل بن يحيى المزني ، عن محمد بن إدريس الشافعي ، عن محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث بن أبي ذئب المدني ، عن محمد بن مسلم الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، وأبي سلمة عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف ، عن أبي هريرة ، عن النبي - عليه السلام -.

                                                وأخرجه البخاري : ثنا آدم، قال: ثنا ابن أبي ذئب ، قال: ثنا الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة ، عن النبي - عليه السلام -.

                                                وعن الزهري ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة ، عن النبي - عليه السلام - قال: "إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم بالسكينة والوقار، ولا تسرعوا، فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا".

                                                السابع: عن سليمان بن شعيب الكيساني ، عن الخصيب بن ناصح ، عن همام بن يحيى ، عن هشام بن حسان ، عن محمد بن سيرين ، عن أبي هريرة ، عن النبي - عليه السلام -.

                                                [ ص: 205 ] وأخرجه مسلم : ثنا قتيبة بن سعيد ، قال: ثنا الفضيل -يعني ابن عياض - عن هشام (ح).

                                                وحدثني زهير بن حرب -واللفظ له- قال: ثنا إسماعيل بن إبراهيم، قال: نا هشام بن حسان ، عن محمد بن سيرين ، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا ثوب بالصلاة فلا يسعى إليها أحدكم، ولكن ليمش وعليه السكينة والوقار، صل ما أدركت واقض ما سبقك".

                                                الثامن: عن ربيع بن سليمان المؤذن صاحب الشافعي ، عن أسد بن موسى ، عن حماد بن سلمة ، عن أيوب السختياني ، عن محمد بن سيرين ، عن أبي هريرة ، عن النبي - عليه السلام -.

                                                وأخرجه البزار في "مسنده": ثنا الحسين بن مهدي، قال: أنا عبد الرزاق ، أنا معمر ، عن أيوب ، عن محمد بن سيرين ، قال: قال رسول الله - عليه السلام -: "إذا أتى أحدكم -يعني الصلاة- فلا يسع إليها، وليمش عليه السكينة والوقار، فليصل ما أدرك، وليقض ما سبقه".

                                                التاسع: عن صالح بن عبد الرحمن بن عمرو بن الحارث ، عن عبد الله بن مسلمة القعنبي شيخ البخاري وأبي داود ، عن مالك بن أنس ، عن العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه عبد الرحمن بن يعقوب الحرقي ، عن أبي هريرة . . . إلى آخره.

                                                وأخرجه مالك في "موطئه".

                                                قوله: "إذا ثوب" من التثويب وهو إقامة الصلاة، والأصل في التثويب: أن يجيء الرجل مستصرخا فيلوح بثوبه ليرى ويشتهر فسمي الدعاء تثويبا لذلك، وكل داع مثوب.

                                                [ ص: 206 ] وقيل: إنما سمي تثويبا من ثاب يثوب إذا رجع، فهو رجوع إلى الأمر بالمبادرة إلى الصلاة، فإن المؤذن إذا قال: حي على الصلاة. فقد دعاهم إليها، فإذا قال بعده: الصلاة خير من النوم. فقد رجع إلى كلام معناه المبادرة إليها.

                                                العاشر: عن يونس بن عبد الأعلى ، عن عبد الله بن وهب ، عن مالك . . . إلى آخره.

                                                وأخرجه أحمد : ثنا عبد الله بن عمير، أنا مالك ، عن العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه، عن أبي هريرة ، أن رسول الله - عليه السلام - قال: "إذا ثوب بالصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون وائتوها وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا، فإن أحدكم في صلاة ما كان يعمد إلى الصلاة".

                                                وأخرجه مسلم : ثنا يحيى بن [أيوب] ، وقتيبة بن سعيد وابن حجر ، عن إسماعيل بن جعفر -قال ابن أيوب: نا إسماعيل- قال: أخبرني العلاء ، عن أبيه، عن أبي هريرة . . . إلى آخره نحوه.

                                                قوله: "ما كان يعمد" أي يقصد إلى الصلاة.

                                                ويستفاد منه أحكام:

                                                استحباب السكينة والتأني عند التوجه إلى الصلاة، وترك الجري والعدو.

                                                جواز قول الرجل: فاتتنا الصلاة، وأنه لا كراهة فيه عند جمهور العلماء، وكرهه ابن سيرين وقال: يقال: إنما لم ندركها، والحديث حجة عليه.

                                                وأن الإتمام والقضاء المذكور في قوله: "أتموا واقضوا" هل هما بمعنى واحد أو بمعنيين؟ وترتب على ذلك خلاف فيما يدركه الداخل مع الإمام هل هو أول صلاته أو آخرها على أربعة أقوال:

                                                [ ص: 207 ] أحدها: أنه أول صلاته، وأنه يكون بانيا عليه في الأفعال والأقوال، وهو قول الشافعي وإسحاق والأوزاعي وهو مروي عن علي وابن المسيب والحسن وعطاء ومكحول ورواية عن مالك وأحمد ، واستدلوا بقوله: "وما فاتكم فأتموا" ; لأن لفظ الإتمام واقع على باق من شيء قد تقدم سائره.

                                                وروى البيهقي : من حديث عبد الوهاب بن عطاء ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن الحارث ، عن علي - رضي الله عنه -: "ما أدركت فهو أول صلاتك".

                                                وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - بسند جيد مثله.

                                                الثاني: أنه أول صلاته بالنسبة إلى الأفعال فيبني عليها، وآخرها بالنسبة إلى الأقوال فيقضيها، وهو قول مالك .

                                                قال ابن بطال عنه: ما أدرك فهو أول صلاته إلا أنه يقضي مثل الذي فاته من القراءة بأم القرآن وسورة.

                                                وقال سحنون: هذا الذي لم نعرف خلافه، دليله: ما رواه البيهقي من حديث قتادة ، أن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: قال: "ما أدركت مع الإمام فهو أول صلاتك، واقض ما سبقك به من القرآن".

                                                الثالث: أن ما أدرك فهو أول صلاته إلا أنه يقرأ فيها بالحمد وسورة مع الإمام، وإذا قام للقضاء قضى بالحمد وحدها ; لأنه آخر صلاته. وهو قول المزني وإسحاق وأهل الظاهر.

                                                الرابع: أنه آخر صلاته وأنه يكون قاضيا في الأفعال والأقوال، وهو قول أبي حنيفة وأحمد في رواية، وسفيان ومجاهد وابن سيرين .

                                                وقال ابن الجوزي : الأشبه بمذهبنا ومذهب أبي حنيفة أنه آخر صلاته.

                                                [ ص: 208 ] قال ابن بطال: روي ذلك عن ابن مسعود وابن عمر وإبراهيم النخعي والشعبي وأبي قلابة ، ورواه القاسم عن مالك ، وهو قول أشهب وابن الماجشون واختاره ابن حبيب ، واستدلوا على ذلك بقوله - عليه السلام -: "وما فاتكم فاقضوا".

                                                ورواه ابن أبي شيبة بسند صحيح عن أبي ذر .

                                                وابن حزم بسند مثله عن أبي هريرة .

                                                والبيهقي بسند لا بأس به على رأي جماعة عن معاذ بن جبل - رضي الله عنه -.

                                                والجواب عما استدل به الشافعي ومن معه وهو قوله: "فأتموا" أن صلاة المأموم مرتبطة بصلاة الإمام، فحمل قوله: "فأتموا" على أن من قضى ما فاته فقد أتم ; لأن الصلاة تنقص بما فات، فقضاؤه إتمام لما نقص.

                                                وقال الشيخ محيي الدين: وحجة الجمهور أن أكثر الروايات "وما فاتكم فأتموا"، وأجابوا عن رواية "فاقض ما سبقك" أن المراد بالقضاء الفعل لا القضاء المصطلح عليه عند الفقهاء، وقد كثر استعمال القضاء بمعنى الفعل، فمنه قوله تعالي: فقضاهن سبع سماوات وقوله تعالى: فإذا قضيتم مناسككم و فإذا قضيت الصلاة ويقال: قضيت حق فلان، ومعنى الجميع الفعل.

                                                قلنا: أما الجواب عن قوله: "فأتموا" فقد ذكرناه آنفا.

                                                وأما قوله: المراد بالقضاء الفعل فمشترك الدلالة ; لأن الفعل يطلق على الأداء والقضاء جميعا، ومعنى فقضاهن سبع سماوات قدرهن، ومعنى

                                                [ ص: 209 ] قضيتم مناسككم فرغتم عنها، وكذا معنى قوله: فإذا قضيت الصلاة ومعنى قضيت حق فلان: أنهيت إليه حقه، ولئن سلمنا أن القضاء بمعنى الأداء فيكون مجازا، والحقيقة أولى من المجاز ولا سيما على أصلهم: المجاز ضروري لا يصار إليه إلا عند الضرورة والتعذر.




                                                الخدمات العلمية