الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                2321 ص: فالنظر عندنا يدل على أن من صلى خلف الصف فصلاته جائزة ; وذلك أنهم لا يختلفون في رجل كان يصلي وراء الإمام في صف فخلا موضع رجل أمامه أنه ينبغي له أن يمشي إليه حتى يقوم فيه، وكذلك روي عن عبد الله ابن عمر - رضي الله عنها -.

                                                [ ص: 210 ] حدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا أبو الوليد، قال: ثنا شعبة ، قال: ثنا عمرو بن مرة ، قال: سمعت خيثمة بن عبد الرحمن يقول: "صليت إلى جنب ابن عمر - رضي الله عنها -، فرأى في الصف خللا، فجعل يغمزني أن أتقدم إليه وجعلت إنما يمنعني أن أتقدم الضن بمكاني إذا جلس أن أبعد منه، فلما أن رأى ذلك تقدم هو".

                                                والذي يتقدم من صف إلى صف على ما ذكرنا هو فيما بين الصفين في غير صف فلم يضره ذلك ولم يخرجه من الصلاة، فلو كانت الصلاة لا تجوز إلا لقائم في صف لفسدت على هذا صلاته لما صار في غير صف، وإن كان ذلك أقل القليل، كما أن من وقف على مكان نجس وهو يصلي أقل القليل أفسد ذلك عليه صلاته، فلما أجمعوا أنهم يأمرون هذا الرجل بالتقدم إلى ما قد خلا أمامه من الصف ولا يفسد عليه صلاته كونه فيما بين الصفين في غير صف ; دل ذلك أن من صلى دون الصف أن صلاته مجزئة عنه.

                                                التالي السابق


                                                ش: تقرير وجه النظر: أن الأخصام كلهم اتفقوا على أن الرجل الذي يصلي وراء الإمام في صف إذا رأى موضع رجل قد خلا من بين يديه ينبغي له أن يتقدم إلى ذلك الموضع ويقف فيه، ويسد ذلك الخلل، فهذا بالاتفاق لا يضره ذلك ولا يفسد صلاته، فهذا في حالة تقدمه يكون بين الصفين لا في صف بعينه، ومع هذا لا تفسد صلاته، فلو كانت الصلاة لا تجوز إلا لمن يقوم في صف ; لكان ينبغي أن تفسد صلاة هذا الرجل حين صار في غير صف في حالة تقدمه، وإن كان ذلك في مدة يسيرة لما كان تفسد صلاة من وقف على مكان نجس وإن كان وقوفه عليه في مدة يسيرة، فلما أجمعوا أن هذا الرجل متقدم إلى الموضع الذي خلا بين يديه، وأن كونه بين الصفين في حال تقدمه لا يفسد عليه صلاته لكونه صار في غير صف، دل ذلك أن من صلى دون الصف أن صلاته لا تفسد وإن كان في غير صف قياسا على ما ذكرنا.

                                                قوله: "أمامه" بفتح الهمزة بمعنى قدامه.

                                                [ ص: 211 ] قوله: "ينبغي له أن يمشي إليه" عام يتناول الخطوة والخطوتين وأكثر، ولكن قدره بعض أصحابنا بخطوة حتى لو مشى خطوتين أو أكثر فسدت صلاته، وقدره بعضهم بموضع السجود، كذا في "المحيط"، ولكن كلام الطحاوي يدل على أن صلاته لا تفسد وإن كان بين الصفين أكثر من خطوة مطلقا.

                                                قوله: "وكذلك روي" أي كما ذكرنا أن المصلي إذا رأى موضعا خاليا بين يديه ينبغي له أن يتقدم ; روي عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنها -.

                                                أخرجه بإسناد صحيح، عن إبراهيم بن مرزوق ، عن أبي الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي شيخ البخاري ، عن شعبة ، عن عمرو بن مرة المرادي الجملي الكوفي الأعمى روى له الجماعة، عن خيثمة بن عبد الرحمن بن أبي سبرة الكوفي، لأبيه صحبة ولجده أيضا روى له الجماعة.

                                                وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه": ثنا وكيع ، عن الأعمش ، عن خيثمة قال: "صليت إلى [جنب] ابن عمر - رضي الله عنهما - فرأى في الصف فرجة، فأومأ إلي فلم أتقدم، قال: فتقدم هو فسدها".

                                                قوله: "خللا" أي فرجة في الصف، وأصل الخلل: من التخلل بين الشيئين وهي الفرجة والثلمة التي بينهما، وخلال الشيء: وسطه.

                                                قوله: "يغمزني" من غمزت الشيء بيدي وغمزته بعيني، والغمز الإشارة.

                                                قوله: "أن أتقدم" مفعول لقوله: "إنما يمنعني" و "أن" مصدرية.

                                                وقوله: "الضن" مرفوع ; لأنه فاعل لقوله: "يمنعني"، والمعنى إنما يمنعني الضن التقدم، والضن -بكسر الضاد المعجمة- يقال: ضننت بالشيء أضن به ضنا وضنانة إذا بخلت به، وهو ضنين به من باب علم يعلم، قال الفراء : ضننت بالفتح أضن لغة يعني من باب ضرب يضرب.

                                                [ ص: 212 ] قوله: "أن أبعد منه" أي لأن أبعد منه، أي لأجل البعد.




                                                الخدمات العلمية