الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                2271 ص: ففي هذين الحديثين إباحة الصلاة إلى البعير، فثبت بذلك أن الصلاة إلى البعير جائزة، وأنه لم ينه عن الصلاة في أعطان الإبل. لأنه لا يجوز الصلاة بحذائها، واحتمل أن تكون الكراهة لعلة ما يكون من الإبل في معاطنها من أرواثها وأبوالها.

                                                فنظرنا في ذلك فرأينا مرابض الغنم كل قد أجمع على جواز الصلاة فيها، وبذلك جاءت الروايات التي رويناها عن رسول الله - عليه السلام -، وكان حكم ما يكون من الإبل في أعطانها من أبوالها وغير ذلك حكم ما يكون من الغنم في مرابضها من أبوالها وغير ذلك لا فرق بين شيء من ذلك في نجاسة ولا طهارة ; لأن من جعل أبوال الغنم طاهرة جعل أبوال الإبل كذلك، ومن جعل أبوال الإبل نجسة جعل أبوال الغنم كذلك، فلما كانت الصلاة قد أبيحت في مرابض الغنم في الحديث الذي نهي فيه عن الصلاة في أعطان الإبل ; ثبت أن النهي عن ذلك ليس لعلة نجاسة ما يكون منها ; إذ كان ما يكون من الغنم حكمه مثل ذلك.

                                                ولكن العلة التي لها كان النهي هو ما قال شريك أو ما قال يحيى بن آدم، فإن كان لما قال شريك فإن الصلاة مكروهة حيث يكون الغائط والبول كان عطنا أو غيره، وإن كان لما قال يحيى ابن آدم فإن الصلاة مكروهة حيث يخاف على النفوس كان عطنا أو غيره. فهذا وجه هذا الباب من طريق تصحيح معاني الآثار.

                                                وأما حكم ذلك من طريق النظر، فإنا رأيناهم لا يختلفون في مرابض الغنم أن الصلاة فيها جائزة، وإنما اختلفوا في أعطان الإبل، فقد رأينا حكم لحمان الإبل كحكم لحمان الغنم في طهارتها، ورأينا حكم أبوالها كحكم أبوالها في طهارتها أو نجاستها فكان يجيء في النظر أيضا أن يكون حكم الصلاة في مواضع الإبل كهو [ ص: 150 ] في مواضع الغنم قياسا ونظرا على ما ذكرنا، وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله.

                                                التالي السابق


                                                ش: أراد بهذين الحديثين: حديث ابن عمر وحديث عبادة بن الصامت - رضي الله عنهم -.

                                                قوله: "وأنه" أي: وثبت أنه، أي: أن الشأن.

                                                قوله: "لم ينه" على صيغة المجهول، ويجوز أن يكون على صيغة المعلوم، يعني: وأن النبي - عليه السلام - لم ينه عن الصلاة في أعطان الإبل لكون عدم جواز الصلاة بحذائها.

                                                قوله: "كل قد أجمع" أي كل واحد من الفريقين.

                                                قوله: "لأن من جعل أبوال الغنم طاهرة" وهو قول عطاء والنخعي والثوري ومالك وأحمد ومحمد بن الحسن .

                                                وفي "المغني": قال مالك: لا يرى أهل العلم أبوال ما يؤكل لحمه ويشرب لبنه نجسا، ورخص في أبوال الغنم الزهري ويحيى الأنصاري.

                                                قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على إباحة الصلاة في مرابض الغنم إلا الشافعي فإنه اشترط أن تكون سليمة من أبعارها وأبوالها.

                                                وعن أحمد: أن ذلك نجس. وهو قول الشافعي وأبي ثور، ونحوه عن الحسن ; لأنه دخل في عموم قوله - عليه السلام -: "تنزهوا من البول".

                                                قوله: "ومن جعل أبوال الإبل نجسة" وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف والشافعي وأحمد في رواية، والباقي ظاهر.




                                                الخدمات العلمية