الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                2380 ص: وكان من الحجة لهم في ذلك أن أبا بكرة وابن مرزوق قد حدثانا، قالا: ثنا أبو عامر العقدي، قال: ثنا فليح بن سليمان ، عن ضمرة بن سعيد ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن أبي واقد قال: "سألني عمر - رضي الله عنه -: بم قرأ رسول الله - عليه السلام - في العيدين؟ قلت: ق و اقتربت الساعة وانشق القمر ".

                                                حدثنا أبو بكرة ، قال: ثنا أبو عاصم ، قال: ثنا مالك بن أنس ، عن ضمرة ، عن عبيد الله بن عبد الله : "أن عمر - رضي الله عنه - سأل أبا واقد. . . " فذكر مثله.

                                                فهذا أبو واقد قد أخبر عن النبي - عليه السلام - أنه قرأ في العيد بغير ما أخبر به من روى الآثار الأول.

                                                التالي السابق


                                                ش: أي وكان من الدليل والبرهان للآخرين فيما ذهبوا إليه من عدم التوقيت في القراءة في صلاة العيدين، حديث أبي واقد الليثي - رضي الله عنه -، قيل: اسمه الحارث بن مالك ، وقيل: الحارث بن عوف ، وقيل: عوف بن الحارث ; وذلك لأن أبا واقد قد أخبر في حديثه أن النبي - عليه السلام - قرأ في العيدين بقاف و اقتربت الساعة وانشق القمر وهذا خلاف ما روي في الأحاديث الأول، فدل ذلك على عدم التوقيت.

                                                واحتج الشافعي لهذا الحديث على تعيين هاتين السورتين في العيدين، فكأنه نظر إلى أن هذا الحديث أصح من الحديث الذي فيه ذكر سبح اسم ربك الأعلى و هل أتاك حديث الغاشية

                                                وإليه ذهب ابن حزم، وقال: لم يصح عن رسول الله - عليه السلام - شيء غير هذا الحديث. وأراد به حديث أبي واقد المذكور، ولكن الذي ذكره ابن حزم غير [ ص: 302 ] صحيح ; لأن حديث النعمان بن بشير قد أخرجه مسلم والأربعة كما ذكرناه، وقال أبو عمر : وليس في هذا الباب أثر مرفوع إلا حديث أبي واقد، وحديث سمرة بن جندب ، وحديث النعمان بن بشير - رضي الله عنهم -، وفي اختلاف الآثار في هذا الباب دليل على أن لا توقيت فيه، والله أعلم.

                                                ثم إنه أخرج هذا الحديث من طريقين رجالهما رجال الصحيح ما خلا مشايخ الطحاوي ، ولكن الأول متصل الإسناد والثاني مرسل.

                                                الأول: عن أبي بكرة بكار وإبراهيم بن مرزوق كلاهما، عن أبي عامر العقدي عبد الملك بن عمرو ، عن فليح بن سليمان بن أبي المغيرة أبي يحيى المدني روى له الجماعة، عن ضمرة بن سعيد بن أبي حنة -بالنون، وقيل: بالباء الموحدة- الأنصاري المدني روى له الجماعة سوى البخاري ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود المدني روى له الجماعة.

                                                وأخرجه مسلم : نا إسحاق بن إبراهيم، قال: نا أبو عامر العقدي، قال: نا فليح ، عن ضمرة بن سعيد ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن أبي واقد الليثي قال: "سألني عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عما قرأ به رسول الله - عليه السلام - في يوم العيد، فقلت: بـ اقتربت الساعة وانشق القمر و ق والقرآن المجيد ".

                                                الثاني: عن أبي بكرة ، عن أبي عاصم النبيل الضحاك بن مخلد ، عن مالك بن أنس . . . إلى آخره.

                                                وهذا مرسل ; لأن عبيد الله لا سماع له من عمر بن الخطاب .

                                                وقال ابن حزم في "المحلى": عبيد الله أدرك أبا واقد الليثي وسمع منه، ولكن لا سماع له من عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -.

                                                [ ص: 303 ] وكذا أخرجه الأربعة مرسلا.

                                                فأبو داود: عن القعنبي ، عن مالك ، عن ضمرة بن سعيد المازني عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود: "أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - سأل أبا واقد الليثي ماذا كان يقرأ به رسول الله - عليه السلام - في الأضحى والفطر؟ قال: كان يقرأ فيهما بـ ق والقرآن المجيد و اقتربت الساعة وانشق القمر ".

                                                والترمذي : عن إسحاق بن موسى الأنصاري ، عن معن بن عيسى ، عن مالك . . . إلى آخره.

                                                والنسائي : عن محمد بن منصور ، عن سفيان ، قال: حدثني ضمرة بن سعيد ، عن عبيد الله بن عبد الله قال: "خرج عمر - رضي الله عنه - يوم عيد، فسأل أبا واقد الليثي: بأي شيء كان النبي - عليه السلام - يقرأ في هذا اليوم؟ فقال: بـ ق و اقتربت ".

                                                وابن ماجه : عن محمد بن الصباح ، عن سفيان ، عن ضمرة بن سعيد ، عن عبيد الله بن عبد الله قال: "خرج عمر يوم عيد، فأرسل إلى أبي واقد الليثي : بأي شيء كان النبي - عليه السلام - يقرأ في مثل هذا اليوم؟ قال: بـ ق و اقتربت ".

                                                فإن قيل: كيف سأل عمر - رضي الله عنه - عن هذا ومثله لا يخفى عليه هذا؟

                                                قلنا: لعله اختبار له هل حفظ ذلك أم لا؟ أو يكون دخل عليه شك أو نازعه غيره ممن سمعه يقرأ في ذلك بـ سبح اسم ربك الأعلى والغاشية، فأراد عمر - رضي الله عنه - الاستشهاد عليه بما سمعه أيضا أبو واقد - رضي الله عنه -.

                                                فإن قيل: ما الحكمة في قراءتهما - عليه السلام - في العيدين؟

                                                [ ص: 304 ] قلت: لكونهما مشتملتين على الإخبار بالبعث، والإخبار عن القرون الماضية وإهلاك المكذبين، وتشبيه بروز الناس للعيد ببروزهم للبعث وخروجهم من الأجداث كأنهم جراد منتشر، والله أعلم.




                                                الخدمات العلمية