الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
7286 - لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها ، ولقاب قوس أحدكم أو موضع قده في الجنة خير من الدنيا وما فيها ، ولو اطلعت امرأة من نساء أهل الجنة إلى الأرض لملأت ما بينهما ريحا ، ولأضاءت ما بينهما ، ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها (حم ق ت هـ) عن أنس. (صح)

التالي السابق


(لغدوة في سبيل الله) بفتح الغين: المرة الواحدة من الغدو ، وهو الخروج في أي وقت كان من أول النهار إلى انتصافه (أو روحة) بفتح الراء: المرة الواحدة من الرواح ، وهو الخروج أي وقت من الزوال إلى الغروب ، قال الأبي: الغدوة والروحة ذكرا للغالب ، فكذا من خرج في منتصف النهار أو منتصف الليل ، وليس المراد السير في البر ، بل البحر كذلك ، وليس المراد السير من بلد الغازي بل الذهاب إلى الغزو من أي طريق كان ، حتى من محل القتال (خير) أي ثواب ذلك في الجنة أفضل (من الدنيا وما فيها) من المتاع ، يعني أن التنعم بثواب ما رتب على ذلك خير من التنعم بجميع نعيم الدنيا لأنه زائل ، ونعيم الآخرة لا يزول ، والمراد أن ذلك خير من ثواب جميع ما في الدنيا لو ملكه وتصدق به ، قال ابن دقيق العيد: هذا ليس من تمثيل الفاني بالباقي ، بل من تنزيل المغيب منزلة المحسوس تحقيقا له في النفس ، لكون الدنيا محسوسة في النفس مستعظمة في الطباع ، وإلا فجميع ما في الدنيا لا يعدل درهما في الجنة (ولقاب) بالضم ، عطف على "غدوة" (قوس أحدكم) أي قدره ، يقال: بينهما قاب قوسين وقبب قوس بكسر القاف ، أي قدر قوس ، وقيل: القاب من مقبض القوس [ ص: 277 ] إلى سيته ، وقيل: لكل قوس قابان ، قال عياض: ويحتمل أن المراد قدر سيفهما (أو موضع قده) بكسر القاف وتشديد الدال المهملة ، والمراد به السوط ، وهو في الأصل سير يقد من جلد غير مدبوغ ، سمي السوط به لأنه يقد أي يقطع طولا ، والقد: الشق بالطول (في الجنة خير من الدنيا وما فيها) يعني: ما صغر في الجنة من المواضع كلها من بساتينها وغيرها خير من مواضع الدنيا وما فيها من بساتين وغيرها ، فأخبر أن قصير الزمان وصغير المكان في الجنة خير من طويل الزمان كبير المكان في الدنيا ، تزهيدا وتصغيرا لها ، وترغيبا في الجهاد ، فينبغي للمجاهد الاغتباط بغدوته وروحته أكثر مما يغتبط لو حصلت له الدنيا بحذافيرها نعيما محضا غير محاسب عليه لو تصور ، والحاصل أن المراد تعظيم أمر الجهاد (ولو اطلعت امرأة من نساء أهل الجنة إلى الأرض) أي نظرت إليها وأشرقت عليها (لملأت ما فيها) من نور بهائها (ولنصيفها) بفتح النون وكسر الصاد المهملة فتحتية ساكنة: الخمار بكسر الخاء والتخفيف (على رأسها خير من الدنيا وما فيها) لأن الجنة وما فيها باق ، والدنيا وما فيها فانية ، ولا يعارض قوله "خير من الدنيا وما فيها" ونحوه من هذه الروايات قوله في رواية أحمد: خير من الدنيا ومثلها معها ، بل أفادت رواية أحمد أن الخيرية المستفادة من تلك الروايات تزيد على انضمام مثل الدنيا إليها ، وليس في تلك ما ينفيه

(حم ق ت هـ عن أنس) .



الخدمات العلمية