الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
7224 - لتركبن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع ، حتى لو أن أحدهم دخل جحر ضب لدخلتم ، وحتى لو أن أحدهم جامع امرأته بالطريق لفعلتموه (ك) عن ابن عباس. (صح)

التالي السابق


(لتركبن) في رواية للشيخين: لتتبعن (سنن) بفتح السين: طريق (من كان قبلكم) سبيلهم ومناهجهم ، قيل: يا رسول الله ، اليهود والنصارى؟ قال: فمن إذن؟ هكذا هو ثابت عند الحاكم (شبرا بشبر وذراعا بذراع) بذال معجمة ، و "شبرا" نصب بنزع الخافض ، أي لتتبعن سنن من قبلكم اتباعا: شبرا متلبسا بشبر ، وذراعا متلبسا بذراع ، وهو كناية عن شدة الموافقة لهم في المخالفات والمعاصي ، لا الكفر ، ثم إن هذا لفظ خبر معناه النهي عن اتباعهم ، ومنعهم من الالتفات لغير دين الإسلام ، لأن نوره قد بهر الأنوار ، وشرعته نسخت الشرائع ، وذا من معجزاته ، فقد اتبع كثير من أمته سنن فارس في شيمهم ومراكبهم وملابسهم وإقامة شعارهم في الحروب وغيرها ، وأهل الكتابين في زخرفة المساجد ، وتعظيم القبور ، حتى كاد أن يعبدها العوام ، وقبول الرشا ، وإقامة الحدود على الضعفاء دون الأقوياء ، وترك العمل يوم الجمعة ، والتسليم بالأصابع ، وعدم عيادة المريض يوم السبت ، والسرور بخميس البيض ، وأن الحائض لا تمس عجينا ، إلى غير ذلك مما هو أشنع وأبشع (حتى لو أن أحدهم دخل جحر ضب لدخلتم) مبالغة في الاتباع ، فإذا اقتصروا في الذي ابتدعوه فستقتصرون ، وإن بسطوا فستبسطوا ، حتى لو بلغوا إلى غاية لبلغتموها ، حتى كانت تقتل أنبياءها ، فلما عصم الله رسوله قتلوا خلفاءهم تحقيقا لصدق الرسول صلى الله عليه وسلم ، وهو بضم الجيم وسكون الحاء المهملة ، والضب حيوان معروف يشبه الورل ، قال ابن خالويه: يعيش سبعمائة سنة فأكثر ، ولا يشرب ماء ، وخص جحر الضب لشدة ضيقه ، ومع ذلك فإنهم لاقتفائهم آثارهم واتباعهم مناهجهم لو دخلوا في مثل ذلك الضيق الرديء لوافقوهم ، وفي التنقيح أخذ من المعارضة: إنما خص الضب لأن العرب يقولون: هو قاضي الطير والبهائم ، وإنما اجتمعت إليه لما خلق الإنسان فوصفوه له ، فقال الضب: تصفون خلقا ينزل الطائر من السماء ويخرج الحوت من البحر ، فمن كان ذا جناح فليطر ، ومن كان ذا مخلب فليختفي (وحتى لو أن أحدهم جامع امرأته بالطريق لفعلتموه) قال ابن تيمية: هذا خرج مخرج الخبر عن وقوع ذلك والذم لمن يفعله ، كما كان يخبر عما يفعل الناس بين يدي الساعة من الأشراط والأمور المحرمة ، قال الحرالي: وجمع ذلك أن كفر اليهود أضل من جهة عدم العمل بعلمهم ، فهم يعلمون الحق ولا يتبعونه عملا ولا قولا ، وكفر النصارى من جهة عملهم بلا علم ، يجتهدون في أصناف العبادة بلا شريعة من الله ، ويقولون ما لا يعلمون ، ففي هذه الأمة من يحذو حذو الفريقين ، ولهذا كان السلف - كسفيان بن عيينة – يقولون: من فسد من علمائنا ففيه شبه من اليهود ، ومن فسد من عبادنا ففيه شبه من النصارى . قضاء الله نافذ بما أخبر رسوله صلى الله عليه وسلم بما سبق في علمه ، لكن ليس الحديث إخبارا عن جميع الأمة ، لما تواتر [ ص: 262 ] عنه أنها لا تجتمع على ضلالة ، ثم إنه فسر هنا باليهود والنصارى ، وفي خبر البخاري بفارس والروم ، ولا تعارض لاختلاف الجواب بحسب اختلاف المقام ، فحيث قيل فارس والروم ، كان ثم قرينة تتعلق بالحكم بين الناس وسياسة الرعية ، وحيث قيل اليهود والنصارى ، كان هناك قرينة تتعلق بأمر الديانات: أصولها وفروعها

(ك) في الإيمان (عن ابن عباس) وقال: على شرط مسلم ، وأقره الذهبي ، ورواه عنه أيضا البزار ، قال الهيثمي: ورجاله ثقات ، ورواه البخاري ومسلم بدون قوله "حتى لو أن أحدهم جامع امرأته...... إلخ



الخدمات العلمية