الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت له ياابن أختي إنما هي عشر ليال فإن تخلج في نفسك شيء فدعه تعني أكل لحم الصيد

                                                                                                          قال مالك في الرجل المحرم يصاد من أجله صيد فيصنع له ذلك الصيد فيأكل منه وهو يعلم أنه من أجله صيد فإن عليه جزاء ذلك الصيد كله

                                                                                                          وسئل مالك عن الرجل يضطر إلى أكل الميتة وهو محرم أيصيد الصيد فيأكله أم يأكل الميتة فقال بل يأكل الميتة وذلك أن الله تبارك وتعالى لم يرخص للمحرم في أكل الصيد ولا في أخذه في حال من الأحوال وقد أرخص في الميتة على حال الضرورة

                                                                                                          قال مالك وأما ما قتل المحرم أو ذبح من الصيد فلا يحل أكله لحلال ولا لمحرم لأنه ليس بذكي كان خطأ أو عمدا فأكله لا يحل وقد سمعت ذلك من غير واحد والذي يقتل الصيد ثم يأكله إنما عليه كفارة واحدة مثل من قتله ولم يأكل منه

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          795 785 [ ص: 424 ] - ( مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة - أم المؤمنين - أنها قالت له : يا ابن أختي ) أسماء ذات النطاقين ، ( إنما هي ) ، أي مدة الإحرام ( عشر ليال ، فإن تخلج ) - بفتح الفوقية ، والخاء المعجمة ، واللام المشددة ، وجيم - أي تحرك ، ويروى بالحاء المهملة ، أي : دخل ( في نفسك شيء ) شككت فيه ، ( فدعه ) مخافة أن يكون إثما ، أو خطأ ( تعني ) عائشة : ( أكل لحم الصيد ) بقولها المذكور ، قال أبو عمر : إنما خاطبت بهذا من أحرم قبل يوم التروية أن يكف عن لحم الصيد جملة ما صاده حلال لنفسه ، أو لغيره ، فيدع ما يريبه إلى ما لا يريبه ، ويترك ما شك فيه ، وحاك في صدره .

                                                                                                          ( قال مالك في الرجل المحرم : يصاد من أجله صيد ، فيصنع له ذلك الصيد ، فيأكل منه وهو يعلم أن من أجله صيد ، فإن عليه جزاء ذلك الصيد كله ) ، لا بقدر أكله ، لأن الجزاء لا يتبعض ، وقيل : بقدر أكله ، وقيل : لا جزاء ، لأن الله إنما جعله على قاتل الصيد وهذا لم يقتله .

                                                                                                          ( وسئل مالك عن الرجل يضطر إلى أكل الميتة وهو محرم ، أيصيد الصيد ، فيأكله ، أم يأكل الميتة ؟ فقال : بل يأكل الميتة ، و ) دليل ( ذلك أن الله تبارك وتعالى لم يرخص للمحرم في أكل الصيد ، ولا في أخذه على حال من الأحوال ) ، بل أطلق المنع ، فقال : لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ( سورة المائدة : الآية 95 ) ، وقال : وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما ( سورة المائدة : الآية 96 ) ، ( وقد أرخص في الميتة على حال الضرورة ) بنحو قوله تعالى : فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه ( سورة البقرة : الآية 173 ) .

                                                                                                          ( قال مالك : وأما ما قتل المحرم ) [ ص: 425 ] نفسه ، ( أو ذبح من الصيد ، فلا يحل أكله لحلال ، ولا لمحرم ، لأنه ليس بذكي ) ، أي مذكى ، بل ميتة سواء ( كان خطأ ، أو عمدا ، فأكله لا يحل ) لأحد ، ( وقد سمعت ذلك من غير واحد ) من العلماء إشارة إلى أنه لم ينفرد بذلك ، لا تقليدا لهم ، وزيادة أشهب عن مالك ممن كنت أقتدي به ، وأتعلم منه ، فمراده أنهم من شيوخه إذ لا يقلد غيره .

                                                                                                          ( والذي يقتل الصيد ، ثم يأكله ، إنما عليه كفارة ) ، أي جزاء ( واحدة ، مثل من قتله ولم يأكله ) ، فلا يتعدد الجزاء ، وبهذا قال الجمهور ، خلافا لقول عطاء وطائفة : إن ذبحه المحرم ، ثم أكله ، فكفارتان ، ولا خلاف أن من زنى مرارا قبل الحد ، إنما عليه حد واحد ، وكذا المحرم يقتل الصيد في الحرم ، فيجتمع عليه حرمة الإحرام ، وحرمة الحرم إنما عليه جزاء واحد ، عند الجمهور ، قاله أبو عمر .




                                                                                                          الخدمات العلمية