الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          وحدثني عن مالك عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الناس في سفره عام الفتح بالفطر وقال تقووا لعدوكم وصام رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو بكر قال الذي حدثني لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعرج يصب الماء على رأسه من العطش أو من الحر ثم قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله إن طائفة من الناس قد صاموا حين صمت قال فلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكديد دعا بقدح فشرب فأفطر الناس

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          654 652 - ( مالك ، عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن عن ) مولاه ( أبي بكر [ ص: 247 ] بن عبد الرحمن عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ) وإبهام الصحابي لا يضر لأنهم كلهم عدول باتفاق أصحاب الحديث ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الناس في سفره عام الفتح ) بمكة وكانوا عشرة آلاف ، وقيل : اثني عشر ألفا ، وجمع بأن العشرة خرج بهم من المدينة ثم تلاحق به الألفان ( بالفطر وقال : تقووا لعدوكم ) بمنزلة التعليل للأمر ، كأنه قيل لأجل أن تقووا لملاقاة عدوكم ( وصام رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ففيه أن الصوم في السفر أفضل لقوله تعالى : وأن تصوموا خير لكم ( سورة البقرة : الآية 184 ) ( قال أبو بكر ) بن عبد الرحمن ( قال الذي حدثني : فقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعرج ) بفتح العين وسكون الراء المهملتين وبالجيم ، قرية جامعة على نحو ثلاث مراحل من المدينة ( يصب الماء على رأسه من العطش أو من الحر ) ، تحتمل " أو " الشك والتنويع ، فتحمل المشقة في نفسه ؛ لأنه لا يبالي بها في عبادة ربه ، ألا ترى إلى قيامه حتى تورمت قدماه ؟ ( ثم قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله إن طائفة من الناس قد صاموا حين صمت ) لأنهم فهموا أن أمره بالفطر ليس على الوجوب بدليل صيامه هو ، أو اختصاصه بمن شق عليه الصوم جدا ، والذين صاموا لم يكونوا كذلك .

                                                                                                          ( فلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكديد دعا بقدح ) من ماء ( فشرب فأفطر الناس ) زاد مسلم والترمذي عن جابر : " فقيل له بعد ذلك : إن بعض الناس قد صام ، قال : " أولئك العصاة أولئك العصاة مرتين " .

                                                                                                          قال عياض : وصفهم بذلك ؛ لأنه أمرهم بالفطر لمصلحة التقوي على العدو فلم يفعلوا حتى عزم عليهم بعد .

                                                                                                          قال النووي : أو يحمل على من تضرر بالصوم . قال غيرهما : أو عبر به مبالغة في حثهم على الفطر رفقا بهم .

                                                                                                          وفي مسلم عن أبي سعيد : " سافرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن صيام فقال : إنكم قد دنوتم من عدوكم والفطر أقوى لكم فكانت رخصة ، فمنا من صام ومنا من أفطر ، ثم نزلنا منزلا آخر فقال : إنكم مصبحو عدوكم والفطر أقوى لكم فأفطروا فكانت عزيمة " .

                                                                                                          وأخرج ابن عبد البر عن أبي سعيد : " خرجنا عام الفتح صواما حتى بلغنا الكديد فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفطر ، وأصبح الناس منهم الصائم ومنهم المفطر ، حتى إذا بلغنا الظهران آذننا بلقاء العدو وأمرنا بالفطر فأفطرنا أجمعين " ، ثم لا تعارض بين حديثي الباب أنه أفطر بالكديد ، وهو بين عسفان وقديد ، وبين حديث ابن عباس في [ ص: 248 ] الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم أفطر في عسفان .

                                                                                                          وحديث جابر في مسلم بكراع الغميم بفتح المعجمة ، واد أمام عسفان مع أن القصة واحدة ، وهذه أماكن مختلفة ؛ لأنها كما قال عياض : أماكن متقاربة ، وعسفان يصدق عليها ؛ لأن الجميع من عملها ، أو أنه أخبر بحال الناس ومشقتهم بعسفان ، وكان فطره بالكديد لحديث الموطأ هذا ، وجمعه الثاني إنما يستقيم على المشهود المعروف أن عسفان على ثمانية وأربعين ميلا من مكة ، والكديد على اثنين وأربعين منها ، لا على ما نقله هو أن عسفان على ستة وثلاثين ميلا من مكة .




                                                                                                          الخدمات العلمية