الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( دفع المار ) بينه وبينها ، وتعبيرهم بالمصلي جري على الغالب ، [ ص: 54 ] والمراد بالمصلي والخط منهما أعلاهما ، ويدفع بالتدريج كالصائل ، وإن أدى دفعه إلى قتله ، ومحله إذا لم يأت بأفعال كثيرة متوالية ، وإلا بطلت ، وعليه يحمل قولهم ولا يحل المشي إليه لدفعه لأمره صلى الله عليه وسلم بذلك ، وإنما لم يجب ، وإن كان من باب النهي عن المنكر ; لأن المرور مختلف في تحريمه ولا ينكر إلا ما أجمع على تحريمه ، وأنه إنما يجب الإنكار حيث لم يؤد إلى فوات مصلحة أخرى ، فإن أدى إلى فواتها أو الوقوع في مفسدة أخرى لم يجب كما قرروه في محله ، وهنا لو اشتغل بالدفع لفاتت مصلحة أخرى ، وهي الخشوع في الصلاة وترك العبث فيها ، وأنه إنما يجب النهي عن المنكر بالأسهل فالأسهل ، والأسهل هو الكلام ، وهو ممنوع منه ، فلما انتفى سقط ولم يجب بالفعل ، وأن النهي عن المنكر إنما يجب عند تحقق ارتكاب المفسدة لا الإثم ، وههنا لم يتحقق ذلك لاحتمال كونه ساهيا أو جاهلا أو غافلا أو أعمى ، ولأن إزالة المنكر إنما تجب إذا كان لا يزول إلا بالنهي ، والمنكر هنا يزول بانقضاء مروره ( والصحيح تحريم المرور ) بينه وبين سترته حينئذ : أي عند سن دفعه ، وهو في صلاة صحيحة في اعتقاد المصلي فيما يظهر فرضا كانت أو نفلا .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : دفع المار ) قال م ر لا فرق بين البهيمة والصبي والمجنون وغيرهم ; لأن هذا من باب دفع الصائل ، والصائل يدفع مطلقا ا هـ سم على منهج . أقول : قوله : مطلقا : أي ولو رقيقا . وعبارة سم على حج .

                                                                                                                            فرع : حيث ساغ الدفع فتلف المدفوع لم يضمنه ، وإن كان رقيقا ; لأنه لم يدخل في يده بمجرد الدفع ، فلو توقف دفعه على دخوله في يده بأن لم يندفع إلا بقبضه عليه وتحويله في مكان إلى آخر فهل له الدفع ، ويدخل في ضمانه أو لا ؟ والقياس أنه حيث عد مستوليا عليه ضمنه أخذا مما يأتي في الجر في صلاة الجماعة . ا هـ . وقد يتوقف في الضمان حيث عد من دفع الصائل ، فإن دفعه يكون بما يمكنه ، وإن أدى إلى استيلاء عليه حيث تعين طريقا في الدفع . ويفرق بينه وبين مسألة الجر فإن الجر لنفع الجار لا لدفع ضرر المجرور ( قوله : جري على الغالب ) شمل ذلك ما لو كان الدافع مصليا وأراد دفع من يمر بين يدي غيره ; ومنه ما لو اقتدى شخص بإمام استتر بما لا يكون سترة للمأموم كعصا مغروزة بين يدي الإمام والمأموم لا يحاذي بدنه شيء منها فله دفع من أراد المرور بين يدي إمامه ، وليس له دفع من مر بين يديه دون إمامه لكونه لم يصل إلى سترة ، وإن كان إمامه مصليا إليها ، وتقدم [ ص: 54 ] أن حج قيد الغير بغير المصلي .

                                                                                                                            ( قوله : والمراد بالمصلي والخط منهما أعلاهما ) أي وعلى هذا لو صلى على فروة مثلا وكان إذا سجد يسجد على ما وراءها من الأرض لا يحرم المرور بين يديه على الأرض لتقصيره بعدم تقديم الفروة المذكورة إلى موضع جبهته ويحرم المرور على الفروة فقط ، وقوله أعلاهما كذا في المحلي وغيره ، وقضية أنه لو طال المصلي أو الخط فكان بين قدم المصلي وأعلاه أكثر من ثلاثة أذرع لم تكن سترة معتبرة حتى لا يحرم المرور بين يديه ، فإنه لا يقال يعتبر منها مقدار ثلاثة أذرع إلى قدمه ويجعله سترة ويلغى حكم الزائد ، وقد توقف م ر فيه ، ومال بالفهم إلى أنه يقال ما ذكر ، لكن ظاهر المتقول الأول فليحرر . ا هـ سم على منهج . أقول : ثم ما ذكره من التردد ظاهر فيما لو بسط نحو بساط طويل للصلاة عليه . أما ما جرت به العادة من الحصر المفروشة في المساجد فينبغي القطع بأنه لا يعد شيء منها سترة حتى لو وقف في وسط حصير وكان الذي أمامه منها ثلاثة أذرع لم يكف ; لأن المقصود من السترة تنبيه المار على احترام المحل بوضعها ، وهذه لجريان العادة بدوام فرشها في المحل لم يحصل بها التنبيه المذكور ( قوله : إلا ما أجمع على تحريمه ) فيه نظر لما في السير من أنه يجب إنكار ما أجمع على تحريمه أو يرى الفاعل تحريمه والمار هنا يرى حرمة المرور .

                                                                                                                            ( قوله : يزول بانقضاء مروره ) يتأمل معنى هذا الكلام فإنه قد يقال : هذا جار في غير ما ذكر من المحرمات ، فإن من أراد ضرب غيره ضربة تعديا المنكر يزول بالفراغ من تلك الضربة ، كما أن الحرمة هنا تزول بانتهاء المرور ، وقد يقال : الضرب ونحوه من المعاصي لا يكتفي فاعله بمرة كالسيد إذا ضرب عبده على فعل خالف غرضه فيه لا يكتفي بضربة واحدة بل ولا ثنتين وكذلك بقية المعاصي ، بخلاف المار بين يدي المصلي فإنه لم تجر العادة بأنه يتكرر معه المرور وبالنظر لذلك ، فالمعاصي كلها كأنها لا تنقضي بفعلة واحدة .

                                                                                                                            اللهم إلا أن يقال : إن المعصية من شأنها أن الفاعل لها لا يقتصر على مرة ، فالمرور من شأنه أن يتكرر من فاعله ، بخلاف فاعل الضربة الواحدة فإنه لا يكررها وقد يتعدى فيزيد عليها ( قوله : والصحيح تحريم المرور ) قال سم على حج : ويلحق بالمرور جلوسه بين يديه ومده رجليه واضطجاعه . ا هـ بالمعنى . وقوله ومده رجليه ومثله مد يده ليأخذ من خزانته متاعا ; لأنه يشغله وربما شوش عليه في صلاته ( قوله : في اعتقاد المصلي ) سيأتي له فيما لو اختلف اعتقاد المصلي والمار [ ص: 55 ] في السترة أنه لو قيل باعتقاد المصلي في جواز الدفع وفي تحريم المرور باعتقاد المار لم يكن بعيدا فهلا قال بمثله هنا .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 53 - 54 ] ( قوله : والمراد بالمصلي والخط منهما أعلاهما ) لعل الباء فيه بمعنى في ليتأتى قوله منهما ويكون في الكلام مضاف محذوف والتقدير والمراد في مسألتي المصلي والخط إلخ ، وينحل الكلام إلى قولنا والمراد من المصلي والخط في مسألتيهما أعلاهما ( قوله : في اعتقاد المصلي ) هو ظاهر فيما إذا كان المصلي غير شافعي والمار شافعي ، كأن كان المصلي حنفيا مس امرأة مثلا وصلى فيحرم على الشافعي المرور بين يديه حيث كان له سترة ، بخلاف عكسه كأن [ ص: 55 ] كان المصلي شافعيا افتصد فلا يحرم على الحنفي المرور بين يديه إلا إن كانت الحرمة مذهبه ; لأنا لا نحكم عليه بحرمة لم يرها مقلده ، ثم رأيت الشهاب حج أشار إلى ذلك ، وكذا يقال فيما يأتي في قوله : وقياسه أن من استتر بسترة يراها مقلده إلخ .




                                                                                                                            الخدمات العلمية