الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( وصحتهما بإسلام )

                                                                                                                            ش : يعني أن شرط صحة الحج والعمرة الإسلام فلا يصحان من غير مسلم وهذا متفق عليه وفهم من كلام المصنف هنا ومما ذكر في شروط وجوب الحج أن الإسلام ليس شرطا في وجوبه ، بناء على أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة وهذا هو المشهور صرح بمشهوريته في الذخيرة ونقله عنه في التوضيح وقال في التنقيح أجمعت الأمة على خطابهم بالإيمان واختلفوا في خطابهم بالفروع قال الباجي : وظاهر مذهب مالك خطابهم بها خلافا لجمهور الحنفية وأبي حامد الإسفراييني انتهى وقال القرطبي في تفسيره في سورة آل عمران : الكفار عندنا مخاطبون بفروع الشريعة ولا خلاف فيه في قول مالك انتهى . والظاهر أن مراد القرطبي نفي الخلاف فيه في قول مالك نفسه لا بين أصحابه فقد نقل جماعة فيه الخلاف منهم ابن رشد كما سيأتي وقيل : إن الإسلام شرط في وجوب الحج ، بناء على أن الكفار غير مخاطبين بفروع الشريعة . قال ابن رشد في شرح المسألة الثالثة من سماع عبد الملك من كتاب الجامع : وهو الصحيح من الأقوال ، وقال في كتاب الصلاة من المقدمات : الظاهر من مذهب مالك أنه يرى أن الكفار مخاطبون بشرائع الإسلام وحكى في الزكاة والحج القولين من غير ترجيح وفي كلامه في الصيام ميل إلى عدم الخطاب ، وكأنه والله أعلم يرجح القول بعدم الخطاب من حيث الدليل . ويرجح القول بالخطاب بالنظر إلى مسائل مذهب مالك والله أعلم .

                                                                                                                            وإذا قلنا : إنه شرط في الوجوب فيكون شرطا في الصحة أيضا إذ لم يقل أحد : إن العبادة تصح من الكفار ، وعلى هذا فما ذكره الشارح في الكبير وفي الشامل وتبعه عليه غيره من حكاية ثلاثة أقوال : قول بأنه شرط في الصحة وقول بأنه شرط في الوجوب وقول بأنه شرط فيهما يوهم أن الثاني يقول بصحته من الكافر ولم يقل به أحد ، وقد قال ابن عرفة في باب الجمعة : ما هو شرط في الوجوب فهو شرط في الأداء ، وإلا أجزأ الفعل قبل وجوبه عنه بعده ، ولا ينقض بإجزاء الزكاة قبل الحول بيسير ; لأنه بناء على أن ما قارب الشيء مثله وإلا أجزأت قبله مطلقا ا هـ .

                                                                                                                            ونص كلامه في الشامل وهل الإسلام شرط في صحته ورجح أو في وجوبه أو فيهما خلاف وممن تبعه الشيخ زروق في شرحه فقال : يعني أن الإسلام شرط في صحة الحج والعمرة ، وقيل : شرط في الوجوب ، وقيل : شرط فيهما ، انتهى .

                                                                                                                            [ ص: 475 ] وكان الحامل للشيخ بهرام على ذلك أنه وقع في عبارة أهل المذهب أنه شرط في الوجوب وفي عبارة بعضهم أنه شرط في الصحة وفي عبارة بعضهم أنه شرط فيهما فحملها على ظاهرها يظهر ذلك من كلامه في الشرح الكبير ونصه وقد اختلف في الإسلام هل هو شرط في الوجوب وإليه ذهب ابن يونس والجزولي وغيرهما بناء على عدم الخطاب أو من شروط الصحة وإليه ذهب ابن شاس وصاحب الذخيرة وهو ظاهر ما في التبصرة وجعله عبد الوهاب في المعونة من شروط الصحة والوجوب معا وحكى الأولى في المقدمات ولم يرجح شيئا ، انتهى فتأمله .

                                                                                                                            وفائدة الخلاف في خطاب الكفار بفروع الشريعة إنما هي في تضعيف العذاب فقط وذكر البساطي عن بعضهم أن لذلك فائدة أخرى وهي وجوب الاستنابة عنه من ماله إذا أسلم ومات في الحال على القول بأن الإسلام ليس شرطا في الوجوب وعلى القول بصحة النيابة في الحج ، وإنما تجزئ عن الفرض وأما على القول بأنه شرط وجوب فلا يؤخذ من ماله شيء ( ( قلت ) ) : وهذا لا يصح ; لأن الاستنابة عن الميت من ماله إذا لم يوص بذلك لا تجب عندنا ولو كان الميت مسلما مستطيعا ولا أعلم في ذلك خلافا وقد اعترض المصنف على ابن الحاجب في كون كلامه يقتضي الخلاف في ذلك ، وكذلك ابن عرفة كما سيأتي بيانه إن شاء الله ، واعترض البساطي على ما ذكره بأن ذلك يلزم أيضا على القول بأنه شرط في الوجوب ; لأنه لما أسلم تعلق به الوجوب وإن كان لا يستطيع الحج فإنه يستطيعه بالنيابة وهو ظاهر والأولى رده بما ذكرناه ، والله أعلم .

                                                                                                                            وفهم من كلام المصنف أيضا أنه لا يشترط في صحته غير الإسلام وهو المعروف ، وحكى ابن عرفة عن الباجي أن العقل شرط في صحته أيضا واعترضه بأنه خلاف النص يعني نص المدونة وجعل ابن الحاج الاستطاعة أيضا من شروط الصحة ونقله عن التادلي وجعله في الشامل مقابل الأصح وتبعه الشيخ زروق ونص كلام ابن الحاج في مناسكه وشروط وجوبه ثلاثة : البلوغ والعقل والحرية ، ولأدائه شرط واحد وهو الاستطاعة ثم قال : ولا خلاف أن الاستطاعة شرط في أداء الحج وإنما الخلاف في تعيينها انتهى .

                                                                                                                            وهو كلام غير ظاهر ولم أره لغيره أعني نفي الخلاف والله أعلم . وقد بسطت الكلام على ذلك أيضا في شرح المناسك فمن أحب فليراجعه والله أعلم .

                                                                                                                            ( تنبيه ) قال ابن جماعة في منسكه الكبير : لو اعتقد الصبي الكفر لم يكفر عند الشافعية فلو حج أو اعتمر في تلك الحال فقال أبو القاسم الروياني : لا يصح . وقال والده : يصح بخلاف الصلاة . ومذهب الثلاثة أن ارتداده ارتداد فلا يصح منه ، انتهى والله أعلم .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية