الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ولو ترك سورة أوليي العشاء ) مثلا ولو عمدا ( قرأها وجوبا ) وقيل ندبا [ ص: 536 ] ( مع الفاتحة جهرا في الأخريين ) لأن الجمع بين جهر ومخافتة في ركعة شنيع ، ولو تذكرها في ركوعه قرأها وأعاد الركوع ( ولو ترك الفاتحة ) في الأوليين ( لا ) يقضيها في الأخريين للزوم تكرارها ، [ ص: 537 ] ولو تذكرها قبل الركوع قرأها وأعاد السورة

التالي السابق


( قوله مثلا ) زاده ليعم ما لو تركها في ركعة واحدة ، وهل يأتي بها في الثالثة أو الرابعة ؟ يحرر ، وليعم غير العشاء كالمغرب فإنه لو تركها في إحدى أولييها يأتي بها في الثالثة ، ولو فيهما معا أتى في الثالثة بفاتحة وسورة وفاتت الأخرى ، ويسجد للسهو لو ساهيا ; وليعم الرباعية السرية فإنه يأتي بها في الأخريين أيضا أفاده ط ، وإنما خص المصنف العشاء بالذكر لمكان قوله جهرا في الأخريين لا للاحتراز عن غيره ، فلذا أشار الشارح إلى التعميم فافهم .

( قوله ولو عمدا ) هذا ظاهر إطلاق المتون ، وبه صرح في النهر ، ولم يعزه إلى أحد ، كأنه أخذه من الإطلاق ، وإلا فصنيع الفتاوى والشروح يقتضي أن وضع المسألة في النسيان تأمل ، أفاده الخير الرملي ( قوله وجوبا وقيل ندبا ) أشار إلى أن الأصح الوجوب ، وذلك لأن محمدا أشار إليه في الجامع الصغير ، حيث عبر بقوله قرأها بلفظ الخبر ، وهو آكد من الأمر في الوجوب ، وصرح في الأصل بالاستحباب . قال في غاية البيان : والأصح ما في الجامع الصغير لأنه آخر التصنيفين . ورده في الفتح بأن ما في الأصل أصرح فيجب التعويل عليه في الرواية ، وكون الإخبار آكد رده في البحر بأنه في إخبار الشارع لا في غيره ، فكان المذهب الاستحباب . قال في النهر : ولا يخفى أن أمر المجتهد ناشئ عن أمر الشارع فكذا إخباره ، نعم قال في الحواشي السعدية إنما يكون دليلا إذا كان مستعملا في الأمر الإيجابي وهو ممنوع . وأقول : لم [ ص: 536 ] لا يجوز أن يكون المراد الاستحباب وتكون القرينة عليه ما في الأصل كما أريد بما مر من قوله افترش رجله اليسرى ووضع يديه على فخذيه وأمثال ذلك . ا هـ . والحاصل أن اختيار صاحب الفتح والبحر والنهر الندب لأنه صريح كلام محمد ( قوله مع الفاتحة ) أشار به إلى شيئين :

الأول أنه يقدم الفاتحة لأن مع تدخل على المتبوع وهو أحد قولين وينبغي ترجيحه : والثاني أن الفاتحة واجبة أيضا ، وفيه قولان أيضا ، وينبغي ترجيح عدم الوجوب كما هو الأصل فيها ، أفاده في البحر والنهر ( قوله لأن الجمع إلخ ) أشار به إلى أن قول المصنف جهرا راجع إلى الفاتحة والسورة معا ، وجعله الزيلعي ظاهر الرواية وصححه في الهداية لما ذكره الشارح وصحح التمرتاشي أنه يجهر بالسورة فقط ، وجعله شيخ الإسلام الظاهر من الجواب وفخر الإسلام الصواب ، ولا يلزم الجمع الشنيع لأن السورة تلتحق بموضعها تقديرا بحر ، ومفاده أن الجمع بين الجهر والمخافتة في ركعة مكروه اتفاقا إذا كانت القراءة في محلها غير ملتحقة بما قبلها . ويرد عليه ما قدمناه من الفروع أول الفصل فتأمل . مطلب تحقيق مهم فيما لو تذكر في ركوعه أنه لم يقرأ فعاد تقع القراءة فرضا وفي معنى كون القراءة فرضا وواجبا وسنة

( قوله ولو تذكرها ) أي السورة ( قوله قرأها ) أي بعد عوده إلى القيام ( قوله وأعاد الركوع ) لأن ما يقع من القراءة في الصلاة يكون فرضا فيرتفض الركوع ويلزمه إعادته لأن الترتيب بين القراءة والركوع فرض كما مر بيانه في الواجبات ، حتى لو لم يعده تفسد صلاته ، بل لو قام لأجل القراءة ثم بدا له فسجد ولم يقرأ ولم يعد الركوع ، قيل تفسد ، وقيل لا .

والفرق بين القراءة وبين القنوت حيث لا يعود لأجله لو تذكره في ركوعه ، ولو عاد لا يرتفض هو ما ذكرنا من أن القراءة تقع فرضا ، أما القنوت إذا أعيد يقع واجبا .

وبيان ذلك أن القراءة وإن انقسمت إلى فرض وواجب وسنة إلا أنه مهما أطال يقع فرضا ، وكذا إذا أطال الركوع والسجود على ما هو قول الأكثر والأصح لأن قوله تعالى { - فاقرءوا ما تيسر - } لوجوب أحد الأمرين الآية ، فما فوقها مطلقا ، لصدق ما تيسر على كل فرض ، فمهما قرأ يكون الفرض ، ومعنى الأقسام المذكورة أن جعل الفرض مقدار كذا واجب ، وجعله دون ذلك مكروه ، وجعله فوق ذلك إلى حد كذا سنة ، لا أنه يقع أول آية يقرؤها فرضا وما بعدها إلى حد كذا واجبا وما بعد ذلك إلى حد كذا سنة . لأنا إن اعتبرنا الواجب ما بعد الآية الأولى منضما إليها انقلب الفرض واجبا ، وإن اعتبرناه منفردا كان الواجب بعض الفاتحة . وقالوا : الفاتحة واجب ، وكذا الكلام فيما بعد الواجب إلى حد السنة فليتأمل ، كذا في شرح المنية من باب سجود السهو ، ونحوه في الفتح ، وهو تحقيق دقيق فاغتنمه ( قوله للزوم تكرارها ) أي وهو غير مشروع ، وهذا لو قرأها مرتين ، فلو مرة لا تكون قضاء كما في النهاية لأنها في محلها ، لكن كتب على ما في النهاية شيخ الإسلام المفتي أبو السعود .

قلت : لا يخفى أن قراءة الفاتحة في الشفع الثاني ليست بواجبة ، بل ذاك على وجه الدعاء في ظاهر الرواية وإن كانت واجبة على رواية الحسن بن زياد ، فعلى هذا إذا قرأ الفاتحة مرة لم يتعين انصرافها إلى تلك الركعة ; [ ص: 537 ] وأنت خبير بأن بناء ظاهر الرواية : أي الذي هو عدم إعادة الفاتحة في مسألتنا على رواية الحسن غير حسن ا هـ أي بخلاف السورة فإن الشفع ليس بمحل لأداء السورة ، فجاز أن يكون محلا للقضاء ، وتمامه في شرح الشيخ إسماعيل ( قوله ولو تذكرها ) أي الفاتحة ( قوله قبل الركوع ) الظاهر أنه ليس بقيد ، حتى لو تذكرها في الركوع فكذلك لأنه قدم أنه لو تذكر السورة في الركوع أعادها وأعاد الركوع فالفاتحة أولى لأنها آكد رحمتي ( قول وأعاد السورة ) لأنها شرعت تابعة للفاتحة رحمتي




الخدمات العلمية