الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                      ( ويسن أن يقنت فيها ) أي في الركعة الأخيرة من الوتر ( جميع السنة ) ; لأنه صلى الله عليه وسلم كان يقول في وتره أشياء ، يأتي ذكرها وكان للدوام ولأن ما شرع في رمضان شرع في غيره كعدده وأما ما رواه أبو داود والبيهقي أن أبيا كان يقنت في النصف الأخير من رمضان حين يصلي التراويح ففيه انقطاع ثم هو رأي أبي ( بعد الركوع ) روي عن الخلفاء الراشدين لحديث أبي هريرة وأنس { أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت بعد الركوع } متفق عليه ( وإن كبر ورفع يديه ، ثم قنت قبله ) أي قبل الركوع ( جاز ) ; لأنه روي عن جمع من [ ص: 418 ] الصحابة قال الخطيب : الأحاديث التي جاء فيها قبل الركوع كلها معلولة ( فيرفع يديه إلى صدره ويبسطهما وبطونهما نحو السماء ) نص على ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم { إذا دعوت الله فادع ببطون كفيك ، ولا تدع بظهورهما فإذا فرغت فامسح بهما وجهك } رواه أبو داود وابن ماجه .

                                                                                                                      ( ومن أدرك مع الإمام منها ) أي من الثلاث ركعات ( ركعة فإن كان الإمام سلم من اثنتين أجزأه ) ما أدركه ; لأن أقل الوتر ركعة ( وإلا ) أي وإن لم يكن الإمام سلم من اثنتين ( قضى ، كصلاة الإمام ) لحديث " { ما أدركتم فصلوا ، وما فاتكم فاقضوا } " ولأن القضاء يحكي الأداء ( ويقول في قنوته جهرا إن كان إماما أو منفردا نصا وقياس المذهب يخير المنفرد في الجهر ) بالقنوت ( وعدمه كالقراءة ) وظاهر كلام جماعة أن الجهر يختص بالإمام فقط قال في الخلاف : وهو أظهر ( اللهم ) أصله يا الله كما تقدم حذفت " يا " من أوله وعوض عنها الميم في آخره ولذلك لا يجمع بينهما إلا في ضرورة الشعر .

                                                                                                                      ولحظوا في ذلك أن يكون الابتداء بلفظ اسم الله تعالى ، تبركا وتعظيما أو طلبا للتخفيف بتصيير اللفظين لفظا واحدا ( إنا نستعينك ونستهديك ونستغفرك ) أي نطلب منك المعونة والهداية والمغفرة ( ونتوب إليك ) التوبة : الرجوع عن الذنب ، وشرعا : الندم على ما مضى من الذنب والإقلاع في الحال والعزم على ترك العود في المستقبل ، تعظيما لله فإن كان الحق لآدمي فلا بد أن يحلله ذكره في المبدع ( ونؤمن بك ) أي نصدق بوحدانيتك ( ونتوكل عليك ) قال الجوهري : التوكل إظهار العجز والاعتماد على الغير والاسم التكلان وقال ذو النون المصري : هو ترك تدبير النفس والانخلاع من الحول والقوة وقال سهل بن عبد الله هو الاسترسال مع الله على ما يريد ( ونثني عليك الخير كله ) أي نمدحك ونصفك بالخير .

                                                                                                                      والثناء في الخير خاصة والثناء بتقديم النون في الخير والشر ( ونشكرك ولا نكفرك ) أصل الكفر الجحود والستر قال في المطالع : والمراد هنا كفر النعمة ، لاقترانه بالشكر ( اللهم إياك نعبد ) قال الجوهري : معنى العبادة : الطاعة والخضوع والتذلل و لا يستحقه إلا الله تعالى قال الفخر إسماعيل وأبو البقاء : العبادة ما أمر به شرعا من غير اطراد عرفي ولا اقتضاء عقلي وسمي العبد عبدا لذله وانقياده لمولاة ( ولك نصلي ونسجد ) لا لغيرك ( وإليك نسعى ) يقال : سعى يسعى سعيا إذا عدا .

                                                                                                                      وقيل : إذا كان بمعنى الجري عدي بإلى ، وإذا كان بمعنى العمل فباللام لقوله تعالى [ ص: 419 ] { وسعى لها سعيها } ( ونحفد ) بفتح النون ويجوز ضمها يقال : حفد بمعنى أسرع ، وأحفد لغة فيه فمعنى نحفد نسرع ، أي نبادر بالعمل والخدمة ( نرجو ) أي نؤمل ( رحمتك ) سعة عطائك ( ونخشى ) نخاف ( عذابك ) أي عقوبتك لقوله تعالى { نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم وأن عذابي هو العذاب الأليم } ( إن عذابك الجد ) بكسر الجيم : الحق لا اللعب ( بالكفار ملحق ) بكسر الحاء أي لاحق بهم ويجوز فتحها لغة على معنى : أن الله تعالى يلحقه بهم وهو معنى صحيح قال في الشرح والمبدع : غير أن الرواية هي الأولى .

                                                                                                                      وهذا الدعاء قنت به عمر رضي الله عنه وفي أوله بسم الله الرحمن الرحيم وفي آخره " اللهم عذب كفرة أهل الكتاب الذين يصدون عن سبيلك " وهاتان سورتان في مصحف أبي قال ابن سيرين كتبهما أبي في مصحفه إلى قوله " ملحق " زاد غير واحد " ونخلع ونترك من يكفرك " ( اللهم اهدنا فيمن هديت ) أصل الهدى : الرشاد والبيان : قال تعالى " { وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم } " فأما قوله تعالى { إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء } فهي من الله تعالى : التوفيق والإرشاد وطلب الهداية من المؤمنين مع كونهم مهتدين بمعنى طلب التثبيت عليها ، وبمعنى المزيد منها ( وعافنا فيمن عافيت ) من الأسقام والبلايا والمعافاة أن يعافيك الله من الناس ويعافيهم منك ( وتولنا فيمن توليت ) الولي : ضد العدو من تليت الشيء إذا عنيت به ونظرت إليه كما ينظر الولي في مال اليتيم ; لأنه تعالى ينظر في أمر وليه بالعناية ويجوز أن يكون من وليت الشيء ، إذا لم يكن بينك وبينه واسطة ، بمعنى أن الولي يقطع الوسائط بينه وبين الله تعالى ، حتى يصير في مقام المراقبة والمشاهدة وهو مقام الإحسان ( وبارك لنا ) البركة الزيادة ، وقيل : هي حلول الخير الإلهي في الشيء ( فيما أعطيت ) أي أنعمت به ( وقنا شر ما قضيت ، إنك سبحانك تقضي ولا يقضى عليك ) سبحانه لا راد لأمره ، ولا معقب لحكمه فإنه يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ( إنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت تباركت ربنا وتعاليت ) رواه أحمد ولفظه له وتكلم فيه ، وأبو داود والترمذي وحسنه من حديث { الحسن بن علي قال علمني النبي صلى الله عليه وسلم كلمات أقولهن في قنوت الوتر : اللهم اهدني - إلى - وتعاليت وليس فيه ولا يعز من عاديت } ورواه البيهقي وأثبتها [ ص: 420 ] فيه وتبعه المؤلف وغيره والرواية إفراد الضمير وجمعها المؤلف ; لأن الإمام يستحب له أن يشارك المأموم في الدعاء .

                                                                                                                      وفي الرعاية : " لك الحمد على ما قضيت نستغفرك اللهم ونتوب إليك لا لجأ ولا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك " " اللهم إنا نعوذ برضاك من سخطك ، وبعفوك من عقوبتك ، وبك منك " قال الخطابي : في هذا معنى لطيف وذلك أنه سأل الله أن يجيره برضاه من سخطه وهما ضدان ومتقابلان وكذلك المعافاة والمؤاخذة بالعقوبة ، لجأ إلى من لا ضد له وهو الله أظهر العجز ، والانقطاع وفزع منه إليه فاستعاذ به منه قال ابن عقيل : لا ينبغي أن يقول في دعائه : أعوذ بك منك إذ حاصله أعوذ بالله من الله وفيه نظر إذ هو ثابت في الخبر ( لا نحصي ثناء عليك ) أي لا نحصي نعمك والثناء بها عليك ولا نبلغه ولا نطيقه ولا منتهى غايته .

                                                                                                                      والإحصاء : العد والضبط والحفظ قال تعالى { علم أن لن تحصوه } أي تطيقوه ( أنت كما أثنيت على نفسك ) اعتراف بالعجز عن تفصيل الثناء ورد إلى المحيط علمه بكل شيء جملة وتفصيلا كما أنه تعالى لا نهاية لسلطانه وعظمته ، لا نهاية للثناء عليه ; لأنه تابع للمثنى عليه روي { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في آخر وتره اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك ، وبمعافاتك من عقوبتك ، وأعوذ بك منك ، لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك } رواه الخمسة ورواته ثقات قال في الشرح : ويقول في قنوت الوتر ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهو معنى ما نقله أبو الحارث يدعو بما شاء ، واقتصر جماعة على دعاء اللهم اهدنا وظاهره : أنه يستحب ، وإن لم يتعين واختاره أحمد ونقل المروزي : أنه يستحب بالسورتين وأنه لا توقيت ( ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ) نص عليه ( ولا بأس ) أن يقول ( وعلى آله ولا بأس أن يدعو في قنوته بما شاء غير ما تقدم نصا قال أبو بكر مهما دعا به جاز ) .

                                                                                                                      وتقدم ما فيه ( ويرفع يديه إذا أراد السجود ) نص عليه ; ; لأنه مقصود في القيام فهو كالقراءة ( ويمسح وجهه بيديه ) لما روى السائب بن يزيد عن أبيه { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دعا رفع يديه ومسح بهما وجهه } رواه أبو داود من رواية ابن لهيعة و ( كخارج الصلاة والمأموم يؤمن بلا قنوت ) إن سمع وإن لم يسمع دعا نص عليه ( ويفرد المنفرد الضمير ) لما تقدم ( وإذا سلم ) من [ ص: 421 ] الوتر ( سن قوله سبحان الملك القدوس ثلاثا يرفع صوته في الثالثة ) للخبر رواه أحمد عن عبد الرحمن بن أبزى .

                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                      الخدمات العلمية