الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                2603 ص: ومما يدل على ذلك أيضا : أن ربيعا المؤذن حدثنا ، قال : ثنا شعيب بن الليث ، قال : ثنا الليث ، عن يزيد بن أبي حبيب ، أن سويد بن قيس أخبره ، عن معاوية بن خديج : " أن رسول الله - عليه السلام - صلى يوما وانصرف ، وقد بقيت من الصلاة ركعة ، فأدركه رجل فقال : بقيت من الصلاة ركعة ، فرجع إلى المسجد فأمر بلالا فأقام الصلاة ، فصلى للناس ركعة ، فأخبرت بذلك الناس ، فقالوا : أتعرف الرجل ؟ فقلت : لا إلا أن أراه ، فمر بي فقلت : هو هذا ; فقالوا : هذا طلحة بن عبيد الله " .

                                                ففي هذا الحديث أن رسول الله - عليه السلام - أمر بلالا فأذن وأقام الصلاة ، ثم صلى ما كان ترك من صلاته ، ولم يكن أمره بلالا بالأذان والإقامة قاطعا لصلاته ، ولم يكن أيضا ما كان من بلال من أذانه وإقامته قاطعا لصلاته ، وقد أجمعوا أن فاعلا لو فعل هذا الآن وهو في الصلاة كان به قاطعا للصلاة ; فدل ذلك أن جميع ما كان من رسول الله - عليه السلام - في صلاته في حديث معاوية بن خديج هذا ، وفي حديث ابن عمر [ ص: 62 ] وعمران 5 وأبي هريرة - رضي الله عنهم - كان والكلام مباح في الصلاة ، ثم نسخ الكلام فيها ، فعلم رسول الله - عليه السلام - الناس بعد ذلك ما ذكره عنه معاوية بن الحكم 5 وأبو هريرة 5 وسهل بن سعد - رضي الله عنهم - .

                                                التالي السابق


                                                ش: أي ومن الذي يدل على أن كلام ذي اليدين لرسول الله - عليه السلام - بما كلمه به في حديث عمران بن حصين وعبد الله بن عمر وأبي هريرة كان قبل تحريم الكلام في الصلاة .

                                                بيان ذلك : أنه - عليه السلام - أمر بلالا بالآذان والإقامة للصلاة في حديث معاوية بن خديج ، فأذن وأقام ، ثم صلى رسول الله - عليه السلام - ما تركه من صلاته ، فلم يكن أمره بذلك قاطعا لصلاته ، ولا ما كان من بلال من الأذان والإقامة قاطعا لصلاته فدل ذلك على أن جميع ما كان من النبي - عليه السلام - في أحاديث هؤلاء قد كان والحال أن الكلام مباح في الصلاة ، ثم نسخ الكلام في الصلاة فعلم رسول الله - عليه السلام - الناس بعد هذا الأمر أنهم إذا نزل بهم أمر من النوائب يقولون : سبحان الله ، على ما ذكره في حديث معاوية بن الحكم وأبي هريرة وسهل بن سعد - رضي الله عنهم - ، ثم إن الأمة قد أجمعت على أن السنة أن الإمام إذا نابه شيء في صلاته أن يسبح به القوم ، ولم يسبح ذو اليدين برسول الله - عليه السلام - ، ولا أنكره - عليه السلام - عليه ، فدل على أن ما أمر به - عليه السلام - من التسبيح للنائبة في الصلاة متأخر عما كان من حديث ذي اليدين ، والله أعلم .

                                                ثم إنه أخرج حديث معاوية بن حديج ، عن ربيع بن سليمان المؤذن صاحب الشافعي ، عن شعيب بن الليث ، عن الليث بن سعد ، عن يزيد بن أبي حبيب سويد المصري -كل هؤلاء ثقات- عن سويد بن قيس التجيبي المصري -فيه مقال وقد ذكرناه عن قريب- عن معاوية بن حديج -بضم الحاء وفتح الدال المهملتين وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره جيم- قيل : لا صحبة له ، والأصح أن له صحبة والله أعلم . [ ص: 63 ] وأخرجه أبو داود : ثنا قتيبة بن سعيد ، نا الليث ، عن يزيد بن أبي حبيب أن سويد بن قيس أخبره ، عن معاوية بن حديج : "أن رسول الله - عليه السلام - صلى يوما فسلم وقد بقيت من الصلاة ركعة ، فأدركه رجل فقال : نسيت من الصلاة ركعة ; فرجع فدخل المسجد ، وأمر بلالا فأقام الصلاة ، فصلى للناس ركعة ، فأخبرت بذلك الناس ، فقالوا لي : أتعرف الرجل ؟ قلت : لا إلا أن أراه ، فمر بي ، فقلت : هذا هو ; فقالوا : هذا طلحة بن عبيد الله .

                                                وأخرجه النسائي : عن قتيبة . . . إلى آخره نحو رواية الطحاوي متنا .

                                                وأخرجه الحاكم في "مستدركه " : ولفظه : "صليت مع النبي - عليه السلام - المغرب ، فسلم في ركعتين ، ثم انصرف ، فقال له رجل -يعني طلحة بن عبيد الله - إنك سهوت فسلمت في ركعتين ، فأمر بلالا فأقام الصلاة ، ثم أتم تلك الركعة " .

                                                قال الحاكم : صحيح الإسناد ، وقال أبو سعيد بن يونس : هذا أصح حديث معاوية بن حديج .

                                                قوله : "ففي هذا الحديث " أراد به حديث معاوية بن حديج .

                                                فإن قيل : الأخبار التي وردت من حديث أبي هريرة وعمران بن حصين وعبد الله بن عمر ومعاوية بن حديج هل هي قضية واحدة أو قضيتان أو أكثر ؟ .

                                                قلت : الذي يظهر من كلام البخاري أن حديث أبي هريرة وعمران واحد ; لقوله في إثر حديث أبي هريرة : فربما سألوه -يعني محمد بن سيرين - ثم سلم ؟! قال : نبئت أن عمران قال : "ثم سلم " والذي يقوله ابن حبان إنه غيره ، قال : لأن في حديث أبي هريرة الذي أعلم النبي - عليه السلام - : ذو اليدين ، وفي خبر عمران الخرباق ، وفي [ ص: 64 ] خبر معاوية بن حديج طلحة بن عبيد الله ، قال : وخبر الخرباق : "سلم في الركعة الثالثة " وخبر ذي اليدين : "من ركعتين " وخبر معاوية : "من الركعتين في صلاة المغرب " فدل أنها ثلاثة أحوال متباينة في ثلاث صلوات لا واحدة ، فافهم .




                                                الخدمات العلمية