الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله تعالى : ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد يوجب ظاهره أن يكون لكل واحد منهما السدس مع الولد ذكرا كان الولد أو أنثى ؛ لأن اسم الولد ينتظمهما ، إلا أنه لا خلاف إذا كان الولد بنتا لا تستحق أكثر من النصف لقوله تعالى : وإن كانت واحدة فلها النصف فوجب أن تعطى النصف بحكم النص ، ويكون للأبوين لكل واحد السدس بنص التنزيل ، ويبقى السدس يستحقه الأب بالتعصيب ؛ فاجتمع ههنا للأب الاستحقاق بالتسمية وبالتعصيب جميعا ؛ وإن كان الولد ذكرا فللأبوين السدسان بحكم النص ؛ والباقي للابن ؛ لأنه أقرب تعصيبا من الأب . وقال تعالى : فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث فأثبت الميراث للأبوين بعموم اللفظ ثم فصل نصيب الأم وبين مقداره بقوله : فلأمه الثلث ولم يذكر نصيب الأب فاقتضى ظاهر اللفظ للأب الثلثين ؛ إذ ليس هناك مستحق غيره وقد أثبت الميراث لهما بديا وقد كان ظاهر اللفظ يقتضي المساواة لو اقتصر على قوله تعالى : وورثه أبواه دون تفصيل نصيب الأم ، فلما قصر نصيب الأم على الثلث علم أن المستحق للأب الثلثان . قوله تعالى : فإن كان له إخوة فلأمه السدس قال علي وعبد الله بن مسعود وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وزيد بن ثابت وسائر أهل العلم : " إذا ترك أخوين وأبوين فلأمه السدس وما بقي فلأبيه " وحجبوا الأم عن الثلث إلى السدس كحجبهم لها بثلاثة إخوة . وقال ابن عباس : " للأم الثلث " وكان لا يحجبها إلا بثلاثة من الإخوة والأخوات .

وروى معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس : " إذا ترك أبوين وثلاثة إخوة فللأم السدس وللإخوة السدس الذي حجبوا الأم عنه وما بقي فللأب [ ص: 11 ] " . وروي عنه : " أنه إن كان الإخوة من قبل الأم فالسدس لهم خاصة ، وإن كانوا من قبل الأب والأم أو من قبل الأب لم يكن لهم شيء وكان ما بعد السدس للأب " .

والحجة للقول الأول أن اسم الإخوة قد يقع على الاثنين كما قال تعالى : إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما وهما قلبان ؛ وقال تعالى : وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب ثم قال تعالى : خصمان بغى بعضنا على بعض فأطلق لفظ الجمع على اثنين ؛ وقال تعالى : وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين فلو كان أخا وأختا كان حكم الآية جاريا فيهما وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : اثنان فما فوقهما جماعة ، ولأن الاثنين إلى الثلاثة في حكم الجمع أقرب منهما إلى الواحد ؛ لأن لفظ الجمع موجود فيهما نحو قولك : " قاما وقعدا وقاموا وقعدوا " كل ذلك جائز في الاثنين والثلاثة ولا يجوز مثله في الواحد ، فلما كان الاثنان في حكم اللفظ أقرب إلى الثلاثة منهما إلى الواحد وجب إلحاقهما بالثلاثة دون الواحد . وقد روى عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن خارجة بن زيد عن أبيه ، أنه كان يحجب الأم بالأخوين ، فقالوا له : يا أبا سعيد إن الله تعالى يقول : فإن كان له إخوة وأنت تحجبها بالأخوين فقال : إن العرب تسمي الأخوين إخوة . فإذا كان زيد بن ثابت قد حكى عن العرب أنها تسمي الأخوين إخوة ، فقد ثبت أن ذلك اسم لهما فيتناولهما اللفظ .

وأيضا قد ثبت أن حكم الأختين حكم الثلاث في استحقاق الثلثين بنص التنزيل في قوله تعالى : فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك وكذلك حكم الأختين من الأم حكم الثلاث في استحقاق الثلث دون حكم الواحدة ، فوجب أن يكون حكمهما حكم الثلاث في حجب الأم عن الثلث إلى السدس ؛ إذ كان حكم كل واحد من ذلك حكما متعلقا بالجمع فاستوى فيه حكم الاثنين والثلاث وروي عن قتادة أنه قال : " إنما يحجب الإخوة الأم من غير أن يرثوا مع الأب ؛ لأنه يقوم بنكاحهم والنفقة عليهم دون الأم " وهذه العلة إنما هي مقصورة على الإخوة من الأب والأم والإخوة من الأب ، فأما الإخوة من الأم فليس إلى الأب شيء من أمرهم وهم يحجبون أيضا كما يحجب الإخوة من الأب والأم ، ولا خلاف بين الصحابة في ثلاثة إخوة وأبوين أن للأم السدس وما بقي فللأب ؛ إلا شيئا يروى عن ابن عباس .

وروى عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس : " أن للأم السدس وللإخوة السدس الذي حجبوا الأم عنه وما بقي فللأب ، وكان لا يحجب بمن [ ص: 12 ] لا يرث ، فلما حجب الأم بالإخوة ورثهم " . وهو قول شاذ وظاهر القرآن خلافه ؛ لأنه تعالى قال : وورثه أبواه فلأمه الثلث ثم قال تعالى : فإن كان له إخوة فلأمه السدس عطفا على قوله تعالى : وورثه أبواه تقديره : وورثه أبواه وله إخوة ؛ وذلك يمنع أن يكون للإخوة شيء .

التالي السابق


الخدمات العلمية