الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          [ ص: 31 ] المسألة الثالثة

          هل يجب أن يكون البيان مساويا للمبين في القوة ، أو يجوز أن يكون أدنى منه ، قال الكرخي : لا بد من المساواة ، وقال أبو الحسين البصري : يجوز أن يكون أدنى منه .

          وهل يجب أن يكون مساويا للمبين في الحكم ؟ فمنهم من قال به ، ومنهم من نفاه .

          والمختار في ذلك أن يقال : أما المساواة في القوة ، فالواجب أن يقال : إن كان المبين مجملا ، كفى في تعيين أحد احتماليه أدنى ما يفيد الترجيح ، وإن كان عاما أو مطلقا ، فلا بد وأن يكون المخصص والمقيد في دلالته أقوى من دلالة العام على صورة التخصيص ، ودلالة المطلق على صورة التقييد ، وإلا فلو كان مساويا لزم الوقف [1] ولو كان مرجوحا لزم منه إلغاء الراجح بالمرجوح ، وهو ممتنع .

          وأما المساواة بينهما في الحكم فغير واجب ، وذلك لأنه لو كان ما دل عليه البيان من الحكم هو ما دل عليه المبين ، لم يكن أحدهما بيانا للآخر .

          وإنما يكون أحد الأمرين بيانا للآخر ، إذا كان دالا على صفة مدلول الآخر ، لا على مدلوله ، ومع ذلك فلا اتحاد في الحكم .

          فإن قيل : المراد من الاتحاد في الحكم أنه إن كان حكم المبين واجبا كان بيانه واجبا ، وإن لم يكن واجبا لم يكن البيان واجبا .

          قلنا : لا يخلو إما أن لا تكون الحاجة داعية إلى البيان في الحال ، أو هي داعية فإن كان الأول : فالبيان غير واجب على ما سيأتي ، وسواء كان حكم المبين واجبا أو لم يكن .

          وإن كان الثاني فعلى قولنا بجواز التكليف بما لا يطاق على ما تقرر .

          [2] فالبيان أيضا لا يكون واجبا ، وإن كان الحكم المبين واجبا .

          [ ص: 32 ] وأما إذا قلنا بامتناع التكليف بما لا يطاق فالحق ما قالوه ، وذلك لأنه إذا كان المبين واجبا ، فلو لم يكن البيان واجبا لجاز تركه ، ويلزم من ذلك التكليف بما لا يطاق ، وهو خلاف الفرض .

          وإذا كان المبين غير واجب ، فالقول بعدم إيجاب البيان لا يفضي إلى التكليف بما لا يطاق إذ لا تكليف فيما ليس بواجب ، لأن ما لا يكون واجب الفعل ، ولا واجب الترك ، فهو إما مندوب ، أو مباح ، أو مكروه .

          وكل واحد من هذه الأقسام الثلاثة لا تكليف فيه على ما تقدم .

          [3] ولا يلزم من القول بالوجوب حذرا من تكليف ما لا يطاق الوجوب مع عدم التكليف أصلا ، اللهم إلا أن ينظر إلى التكليف بوجوب اعتقاده على ما هو عليه من إباحة أو ندب أو كراهة ، فيكون من القسم الأول .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية