الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          المسألة الثامنة

          إذا ورد لفظ الشارع وله مسمى لغوي ، ومسمى شرعي عند المعترف بالأسماء الشرعية قال القاضي أبو بكر تفريعا على القول بالأسماء الشرعية : إنه مجمل .

          وقال بعض أصحابنا وأصحاب أبي حنيفة : إنه محمول على المسمى الشرعي .

          وفصل الغزالي وقال : ما ورد في الإثبات ، فهو للحكم الشرعي ، وما ورد في النهي فهو مجمل ، ومثال ذلك في طرف الإثبات قوله - صلى الله عليه وسلم - حين دخل على عائشة فقال لها : " أعندك شيء ؟ فقالت : لا ، قال : إني إذا أصوم " [1] فهو إن حمل على الصوم الشرعي دل على صحة الصوم بنية من النهار بخلاف حمله على الصوم اللغوي ، ومثاله في طرف النهي نهيه - عليه السلام - عن صوم يوم النحر ، [2] فإنه إن حمل على الصوم الشرعي دل على تصور وقوعه لاستحالة النهي عما لا تصور لوقوعه ، بخلاف ما إذا حمل على الصوم اللغوي .

          والمختار ظهوره في المسمى الشرعي في طرف الإثبات ، وظهوره في المسمى اللغوي في طرف الترك .

          [3] [ ص: 24 ] أما الأول : فبيانه بما تقدم في المسألة التي قبلها ، ويزيد هاهنا وجه آخر في الترجيح ، وهو أن الشارع مهما ثبت له عرف وإن كانت مناطقته لنا بالأمور اللغوية غالبا ، غير أن مناطقته لنا بعرفه في موضع له فيه عرف أغلب .

          وأما إذا ورد في طرف الترك ، كقوله - صلى الله عليه وسلم - دعي الصلاة أيام أقرائك " [4] وكنهيه عن بيع الحر والخمر وحبل الحبلة والملاقيح والمضامين ، فإنه لو كان اللفظ ظاهرا في الصلاة الشرعية والبيع الشرعي ، لزم أن يكون ذلك متصورا لاستحالة النهي عما لا تصور له ، وهو خلاف الإجماع ، وأن يكون الشارع [5] قد نهى عن التصرف الشرعي ، وذلك ممتنع لما فيه من إهمال المصلحة المعتبرة المرعية في التصرف الشرعي [6] أو أن يقال مع ظهوره في المسمى الشرعي بتأويله وصرفه إلى المسمى اللغوي ، وهو على خلاف الأصل ، ولا يلزم من اطراد عرف الشرع في هذه المسميات في طرف الإثبات ، مثله في طرف النهي أو النفي .

          وعلى ما حققناه من تقديم عرف الشرع في خطابه ، على وضع اللغة ، فيقدم ما اشتهر من المجاز الذي صار لا يفهم من اللفظ غيره على الوضع الأصلي الحقيقي ، وسواء كان ذلك التجوز بطريق نفي الكلام من محل الحقيقة إلى ما هو خارج عنه كلفظ الغائط ، أو بطريق تخصيصه ببعض مسمياته في الحقيقة ، كلفظ الدابة لأن العرف الطارئ غالب للوضع الأصلي ولا إجمال فيه .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية