الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( ولا تنجس قلتا الماء ) ولو احتمالا كأن شك في ماء أبلغهما أم لا وإن تيقنت قلته قبل ( بملاقاة نجس ) للخبر الصحيح { إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث } أي لم يقبله كما صرحت به رواية لم ينجس وهي صحيحة أيضا ، وخرج بقلتا الماء الصريح في أنهما كلهما من محض الماء ما لو وقع في ماء ينقص عن قلتين مائع يوافقه فبلغهما به ، ولم يغيره فرضا لو قدر مخالفا فإنه ينجس بمجرد الملاقاة ولا يدفع الاستعمال عن نفسه ، وإنما نزل ذلك المائع منزلة الماء في جواز الطهر بالكل ؛ لأنه أخف إذ هو رفع وذاك دفع وهو أقوى غالبا ألا ترى أن الماء القليل الوارد يرفع الحدث والخبث ولا يدفعهما لو وردا عليه ومن ثم اختلفوا في مستعمل كثر انتهاء [ ص: 84 ] هل ترفع كثرته استعماله أو لا واتفقوا في كثير ابتداء على أنه يدفع الاستعمال عن نفسه ، وخرج ب غالبا نحو الطلاق فإنه يرفع النكاح ، ولا يدفعه لحل ارتجاع المطلقة وعكسه الإحرام وعدة الشبهة فهو أقوى تأثيرا منهما ، فعلم أن الشيء قد يدفع فقط كهذين ، وقد يرفع فقط كالطلاق والماء هنا وأن الرفع التأثر بما يصلح له لولا ذلك الدافع من ذلك قولهم يسن لمن دعا برفع بلاء واقع أن يجعل ظهر كفيه للسماء ، ويدفعه أن يقع به بعد عكسه ولو كان القلتان في محلين بينهما اتصال وبأحدهما نجس نجس الآخر إن ضاق ما بينهما وإلا طهر النجس كما يأتي .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله وإن تيقنت قلته قبل ) أي بأن زاد القليل واحتمل بلوغه وعدمه ( قوله وخرج بقلتا الماء إلخ ) بقي ما لو خلط قلة من المائع بقلتين من الماء ولم تغيرهما حسا ولا تقديرا ثم أخذ قلة من المجتمع ثم وقع في الباقي نجاسة فلم تغيره فهل يحكم بطهارته لاحتمال أن الباقي محض الماء وأن المأخوذ هو المائع والأصل طهارة الماء أو بنجاسته ؛ لأن كون القلة المأخوذة هي محض المائع دون الماء حتى يكون الباقي محض الماء إن لم يكن محالا عادة كان في حكمه فيه نظر ( قوله وهو ) أي الدفع وقوله أقوى فيحتاج لقوة الدافع ( قوله ومن ثم إلخ ) لا يقال [ ص: 84 ] قضية ما قرره أن المترتب عليه عكس هذا وهو الاتفاق في الأول والاختلاف في الثاني ، وقوله نحو الطلاق إلخ قد يقال هذا من الغالب ؛ لأن عدم تأثير الطلاق الدفع يدل على أن الدفع أقوى فليتأمل ؛ لأنا نقول هو مبني على أن ضمير وهو أقوى للدفع ( قوله هل ترفع كثرته استعماله ) أي فقيل لا ؛ لأن استعماله كان حين قلته فلم يقو على رفعه لضعفه بالقلة والرفع قوي فلا يكون لضعيف هكذا يحتمل أنه المراد ، وقوله واتفقوا إلخ أي لقوته بكثرته ( قوله ولا يدفعه ) أي فكان الرفع هنا أقوى ( قوله وعكسه الإحرام وعدة الشبهة ) قد يتوهم أن معناه أنهما لا يرفعان النكاح ويدفعانه لامتناع الارتجاع في الإحرام وعدة الشبهة ، وليس كذلك لجواز الارتجاع في الإحرام وعدة الشبهة كما سيأتي في باب النكاح والرجعة فلعل معناه أنهما لا يرفعان النكاح ويدفعانه بمعنى امتناع ابتداء النكاح في الإحرام وعدة الشبهة ( قوله فهو أقوى ) ؛ لأنه يرفع دونهما .



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله ولو احتمالا ) إلى قوله ؛ لأنه أخف في النهاية وإلى قوله وخرج ب غالبا في المغني إلا قوله غالبا قول المتن ( ولا تنجس قلتا الماء إلخ ) قضية إطلاقه النجاسة أنه لا فرق بين كونها جامدة أو مائعة ، وهو كذلك ولا يجب التباعد عنها حال الاغتراف من الماء بقدر قلتين على الصحيح بل له أن يغترف من حيث شاء حتى من أقرب موضع إلى النجاسة نهاية أي وإن كان الباقي ينجس بالانفصال عميرة ، ويأتي عن المغني ما يوافقه بزيادة ( قوله وإن تيقنت إلخ ) أي بأن زاد القليل واحتمل بلوغه وعدمه سم . ( قوله الخبث ) كذا في المحلى والنهاية والمغني بأل وعبارة شرح المنهج خبثا بدون أل ( قوله إن لم يقبله ) عبارة المحلى والمغني وشرح المنهج أي يدفع النجس ولا يقبله ا هـ زاد النهاية كما يقال فلان لا يحمل الظلم أي يدفعه ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله به ) أي بذلك التفسير ( قوله وخرج إلخ ) وفارق كثير الماء كثير غيره فإنه ينجس بمجرد ملاقاة النجاسة بأن كثيره قوي ويشق حفظه عن النجس بخلاف غيره وإن كثر مغني ( قوله ما لو وقع في ماء ينقص إلخ ) بقي ما لو خلط قلة من المائع بقلتين من الماء ، ولم تغيرهما حسا ولا تقديرا ، ثم أخذ قلة من المجتمع ، ثم وقع في الباقي نجاسة ولم تغيره فهل يحكم بطهارته لاحتمال أن الباقي محض الماء ، وأن المأخوذ هو المائع والأصل طهارة الماء أو بنجاسته ؛ لأن كون القلة المأخوذة هي محض المائع دون الماء حتى يكون الباقي محض الماء إن لم يكن محالا عادة كان في حكمه فيه نظر سم على حج .

                                                                                                                              أقول قياس ما في الأيمان فيما لو حلف لا يأكل من طعام اشتراه زيد فأكل مما اشتراه زيد وعمرو حيث قالوا إن أكل منه حبتين لم يحنث لاحتمال أنهما من محض ما اشتراه عمرو أو أكثر نحو حفنة حنث ؛ لأن الظاهر أن ما أكله مختلط من كل منهما ، ونقل عن شيخنا الحلبي في الدرس أنه اعتمد ذلك القياس ، وحينئذ يحتاج للفرق بينه وبين الرضاع ومع ذلك فالظاهر إلحاقه بما في الأيمان ؛ لأن مسألة الرضاع خارجة عن نظائرها فلا يقاس عليها ا هـ ع ش .

                                                                                                                              ( قوله ولا يدفع الاستعمال عن نفسه ) فلو انغمس فيه جنب ناويا صار مستعملا نهاية ومغني ( قوله : لأنه ) وقوله ( إذ هو ) أي الطهر ( قوله وذاك ) أي عدم التنجس كردي ( قوله وهو أقوى ) أي والدفع أقوى من الرفع ، فالدافع لا بد أن يكون أقوى من الرافع مغني وسم ( قوله ولا يدفعهما إلخ ) عبارة المغني ولا يدفع عن نفسه النجاسة إذا وقعت فيه ا هـ ( قوله ومن ثم إلخ ) لا يقال قضية ما قرره أن المترتب عليه عكس هذا .

                                                                                                                              وهو الاتفاق في الأول والاختلاف في الثاني ؛ لأنا نقول هذا أي ذلك القول مبني على أن ضمير وهو أقوى للرفع سم [ ص: 84 ] وفيه نظر ( قوله واتفقوا في كثير ابتداء إلخ ) زاد المغني عقب ذلك مبينا لوجه التأييد بما ذكر ما نصه ؛ لأن الماء إذا استعمل وهو قلتان كان دافعا للاستعمال ، وإذا جمع كان رافعا والدفع أقوى من الرفع كما مر ا هـ ( قوله على أنه يدفع إلخ ) أي لقوته بكثرته سم ( قوله وخرج ب غالبا نحو الطلاق ) قد يتخيل أن الطلاق من الغالب ؛ لأنه قوي على الرفع ، ولم يقو على الدفع بصري ( قوله ولا يدفعه ) أي فكان الرفع هنا أقوى قاله سم وفيه تأمل ( قوله وعكسه ) أي الطلاق ( الإحرام وعدة الشبهة إلخ ) قد يتوهم أن معناه أنهما لا يرفعان النكاح ، ويدفعانه لامتناع الارتجاع في الإحرام وعدة الشبهة ، وليس كذلك لجواز الارتجاع في الإحرام وعدة الشبهة كما سيأتي في باب النكاح والرجعة ، فلعل معناه أنهما لا يرفعان النكاح ويدفعانه بمعنى امتناع ابتداء النكاح في الإحرام وعدة الشبهة سم .

                                                                                                                              ( قوله فهو أقوى إلخ ) أي ؛ لأنه يرفع دونهما سم ( قوله بما يصلح له ) قد يقال الأولى للتأثير بصري ( قوله أن يقع به ) بدل من ضمير يدفعه ( قوله إن ضاق ما بينهما ) أي بأن يكون بحيث لو حرك ما في أحد المحلين لا يتحرك الآخر ، ومنه يعلم حكم حياض الأخلية إذا وقع في واحد منها نجاسة فإنه إن كان لو حرك واحد منها تحرك مجاوره ، وهكذا إلى الآخر يحكم بالتنجيس على ما وقعت فيه النجاسة ولا على غيره ، وإلا حكم بنجاسة الجميع كما يصرح بذلك سم على ابن حجر وينبغي الاكتفاء بتحرك المجاور ولو كان غير عنيف وإن خالف عميرة في حواشي شرح البهجة واشتراط التحرك العنيف في كل من المحرك وما يجاوره ع ش اعتمده البجيرمي ، ثم قال واعتمده شيخنا الحنفي خلافا للقليوبي الحلبي حيث اشترطا تبعا لعميرة التحرك العنيف في المحرك وما يليه ا هـ .

                                                                                                                              وكذلك اعتمده شيخنا عبارته الماء الكثير لا ينجس بمجرد الملاقاة سواء كان بمحل واحد أو في محال مع قوة الاتصال بحيث لو حرك واحد منها تحركا عنيفا يتحرك الآخر ولو ضعيفا ، ومنه يعلم حكم حيضان بيوت الأخلية فإذا وقع في واحد منها نجاسة ولم تغيره فإن كان بحيث لو حرك الواحد منها تحركا عنيفا لتحرك مجاوره ، وهكذا وكان المجموع قلتين فأكثر لم يحكم بالتنجيس على الجميع ، وإلا حكم بالتنجيس على الجميع إن كان ما وقعت فيه النجاسة متصلا بالباقي ، وإلا تنجس هو فقط ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله كما يأتي ) أي في شرح ولا تغير فطهور .




                                                                                                                              الخدمات العلمية