الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( وإن كان ) على العليل ساتر ( كجبيرة ) وهي نحو ألواح تشد لانجبار نحو الكسر أو لصوق بفتح أوله أو طلاء أو عصابة فصد ( لا ) عبارة أصله ولا قيل وهي أولى لإيهام تلك أن ما يمكن نزعه لا يسمى ساترا ا هـ ويرد بأن من الواضح أن هذا قيد للحكم لا لتسميتها ساترا فلم يحتج للواو ( يمكن نزعها ) عنه لخوف محذور مما مر .

                                                                                                                              [ ص: 349 ] ( غسل الصحيح ) ويتلطف بغسل ما أخذته الجبيرة من الصحيح بحسب الإمكان وما تعذر غسله مما تحتها وأمكنه مسه الماء بلا إفاضة لزمه وإن لم توجد فيه حقيقة الغسل ؛ لأنه أقرب إليها من المسح فتعين وحرف مسه بمسحه ، ثم استشكل وليس في محله للفرق الظاهر بينهما ، ومن ثم لم يجب المسح هنا وفارق المس بأنه أقرب للغسل كما تقرر ( وتيمم ) لرواية سندها جيد عند غير البيهقي في المحتلم السابق إنما يكفيه أن يتيمم ويعصب على جرحه خرقة ، ثم يمسح عليهما ويغسل سائر جسده ( كما سبق ) في مراعاة المحدث للترتيب وتعدد التيمم بتعدد العضو العليل أما إذا أمكن نزعها بلا خوف محذور مما مر فيجب ويظهر أن محله إن أمكن غسل الجرح أو أخذت بعض الصحيح أو كانت بمحل التيمم وأمكن مسح العليل بالتراب وإلا فلا فائدة لوجوب النزع وسيأتي آخر الباب بقية من أحكامها ، ومنها أنه يجب عليه وضعها على طهر ( ويجب مع ذلك ) السابق ( مسح كل جبيرته ) أو نحوها وقت غسل عليله ( بماء ) أما أصل المسح فلخبر المشجوج السابق . وأما تعميمه فلأنه مسح أبيح للعجز عن الأصل كالمسح في التيمم وبه فارقت الخف ، ومن ثم لم تتأقت ولو نفذ إليها نحو دم الجرح وعمها عفي عن مخالطة ماء مسحها له أخذا مما يأتي في شروط الصلاة أنه يعفى عن اختلاط المعفو عنه بأجنبي يحتاج إلى مماسته له ( وقيل ) يكفي مسح ( بعضها ) [ ص: 350 ] كالخف وهو يدل عما أخذته من الصحيح ، ومن ثم لو لم تأخذ منه شيئا أو أخذت شيئا أو غسله لم يجب مسحها وكان قياسه أنه لا يجب مسح الزائد على ما أخذته من الصحيح لما تقرر أن مسحها إنما هو بدل عما أخذته منه لا عن محل الجرح ؛ لأن بدله التيمم لا غير فوجوب مسح كلها مستشكل إلا أن يجاب بأن تحديد ذلك لما شق أعرضوا عنه وأوجبوا الكل احتياطا وخرج بالماء مسحها بالتراب إذا كان بعضو التيمم فلا يجب ؛ لأنه ضعيف فلا يؤثر من فوق حائل نعم يسن كستر الجرح يمسح عليه خروجا من الخلاف .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله لإيهام تلك ) [ ص: 349 ] قد يقال الإيهام مع الواو أيضا فتأمله . ( قوله غسل الصحيح وتيمم كما سبق ويجب مع ذلك مسح كل جبيرته بماء ) لا يخفى أن وجوب الجمع بين هذه الأمور الثلاثة لا يتأتى في الرأس ، إذ لا يجب تعميمه بالطهر فيجب الاقتصار على مسح الصحيح منه ولا إشكال في ذلك ، وكذا الاقتصار على مسح جميع الجبيرة أو التيمم إذا عمت الجبيرة الرأس ولا يجب الجمع بينهما فيما يظهر ؛ لأن مسح الجبيرة هو طهر ما تحتها من الصحيح

                                                                                                                              والتيمم هو طهر ما تحتها من الجريح ففي الاقتصار على أحدهما تطهير بعض الرأس وتطهير بعضه كاف ، إذ لا يجب تعميمه بالطهر كما تقرر نعم هذا ظاهر بالنسبة لعدم وجوب الجمع بينهما ويتردد النظر في أنه هل يتعين الاقتصار على مسح الجبيرة إذا أراد الاقتصار على أحدهما ؛ لأنه أقوى من التيمم بدليل أنه لا يجب إعادته لفرض آخر قبل الحدث بخلاف التيمم ، ويجري هذا التردد فيما إذا لم تعم الجبيرة الرأس بل بقي بعض الصحيح مكشوفا فهل يكفي مسح الجبيرة أو يتعين غسل الصحيح ؛ لأنه أقوى ؛ لأنه يرفع الحدث مطلقا بخلاف المسح فإنه يرفعه إلى البرء وقد يدل على التعين فيما ذكر أن كلا من التيمم والمسح طهارة ضرورة ولا ضرورة مع وجود الأقوى فليتأمل وبالجملة فالمتجه تعين غسل الصحيح حيث أمكن وإلا فمسح جميع الجبيرة ولا يجب التيمم معها ( قوله إن أمكن غسل الجرح ) أي ولم يمكن غسله إلا بالنزع

                                                                                                                              ( قوله ويجب مع ذلك السابق ) قد يشمل مس ما تحت الجبيرة الماء بلا إفاضة وفيه نظر . ( قوله وعمها ) انظر لو عمها جرم الدم بحيث لا يصل المسح لنفسها . ( قوله [ ص: 350 ] وهو ) أي مسحها ( قوله أو أخذت شيئا وغسله ) سكت عما لو مسه ماء بلا إفاضة كما تقدم فظاهره أنه لا يغني عن مسحها . ( قوله إلا أن يجاب ) هذا حسن وقوله لما شق أي أو كان قد يشق . ( قوله كستر الجرح ) هل ، ولو في عضو التيمم مع منع إيصال التراب للجرح أو لم تأخذ من الصحيح . ( قوله حتى يمسح عليه ) قد يقال قياس أن المسح عليه طهارة ما تحت الساتر من الصحيح أنه إذا أمكنه غسل الصحيح لا يسن الستر المذكور لعدم الحاجة إليه بل لا يجوز إلا أن يكون المخالف المراعى خلافه يرى ذلك

                                                                                                                              .


                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله نحو ألواح ) عبارة غيره خشب أو قصب ا هـ . ( قوله لانجبار نحو الكسر ) أي كالخلع مغني ونهاية . ( قوله أو لصوق إلخ ) وكذا الشقوق التي في الرجل إن احتاج إلى تقطير شيء فيها يمنع من وصول الماء خطيب أي وقطر بالفعل فيكون هذا الشيء بالنسبة لما تحته جبيرة يأتي فيه تفصيلها بجيرمي ( قوله لإيهام تلك إلخ ) قد يقال الإيهام مع الواو أيضا فتأمله سم . ( قوله فلم يحتج إلخ ) ومع ذلك هي [ ص: 349 ] أوضح لاستغنائها عن الجواب ع ش ( قوله لوجوب النزع ) الأولى للنزع قول المتن ( غسل الصحيح وتيمم كما سبق ويجب مع ذلك إلخ ) لا يخفى أن وجوب الجمع بين هذه الأمور الثلاثة لا يتأتى في الرأس إذ لا يجب تعميمه بالطهر فيكفي الاقتصار على مسح الصحيح منه ولا إشكال في ذلك

                                                                                                                              وكذا الاقتصار على جميع الجبيرة أو التيمم إذا عمت الجبيرة الرأس فلا يجب الجمع بينهما فيما يظهر لأن مسح الجبيرة هو طهر ما تحتها من الصحيح والتيمم طهر ما تحتها من الجريح ففي الاقتصار على أحدهما تطهير بعض الرأس وتطهير بعضه كاف إذ لا يجب تعميمه بالطهر كما تقرر ويتردد النظر في أنه هل يتعين الاقتصار على مسح الجبيرة إذا أراد الاقتصار على أحدهما لأنه أقوى من التيمم بدليل أنه لا يجب إعادته لفرض آخر قبل الحدث بخلاف التيمم ويجري هذا التردد فيما إذا لم تعم الجبيرة الرأس فهل يكفي مسح الجبيرة أو يتعين غسل الصحيح المكشوف لأنه أقوى وكل من التيمم والمسح طهارة ضرورة ولا ضرورة مع وجود الأقوى فليتأمل وبالجملة فالمتجه تعين غسل الصحيح حيث أمكن وإلا فمسح جميع الجبيرة ولا يجب التيمم معها سم بحذف .

                                                                                                                              ( قوله لزمه ) خبر وما تعذر إلخ . ( قوله وحرف مسه إلخ ) أي الذي في كلام الشافعي وغيره . ( قوله للفرق الظاهر إلخ ) وعبر بعضهم عن الإمساس المذكور بالمسح وبعضهم بالغسل والتحقيق أنه رتبة بينهما كما أوضحته في الأصل كردي . ( قوله في المحتلم السابق ) أي في شرح وكذا البرء أو الشين إلخ . ( قوله إن محله ) أي وجوب النزع . ( قوله إن أمكن غسل الجرح ) أي ولم يمكن غسله إلا بالنزع سم . ( قوله أو أخذت بعض الصحيح ) أي ولم يتأت غسله مع وجودها كما هو ظاهر بصري . ( قوله على طهر ) أي كامل لا طهر ذلك العضو فقط ع ش . ( قوله مع ذلك السابق ) قد يشمل مس ما تحت الجبيرة الماء بلا إفاضة وفيه نظر سم .

                                                                                                                              ( قوله وقت غسل عليله ) أي المحدث دون الجنب أخذا مما مر ( قوله السابق ) أي آنفا بقوله ، ثم يمسح عليها . ( قوله . وأما تعميمه ) إلى قوله نعم في النهاية والمغني إلا قوله وكان قياسه إلى وخرج . ( قوله وبه ) أي بالتعليل المذكور . ( قوله : ومن ثم ) أي لأجل مفارقتها الخف بذلك . ( قوله لم تتأقت ) فله المسح إلى أن يبرأ نهاية ومغني . ( قوله وعمها إلخ ) انظر لو عمها جرم الدم بحيث لا يصل المسح لنفسها سم على حج أي فهل يكفي المسح على الجبيرة التي عمها جرم الدم أم لا فيه نظر والأقرب الأول وفي حاشية شيخنا العلامة الشوبري على المنهج عن مقتضى كلام العباب ما يوافقه ، ثم رأيت قول الشارح م ر في آخر باب التيمم بعد قول المصنف إلا أن يكون بجرحه دم كثير ما نصه والأوجه حمل ما هنا على كثير تجاوز محله أو حصل بفعله أو على ما إذا كان الجرح في عضو التيمم وعليه دم كثير حائل يمنع الماء وإيصال التراب على العضو ا هـ وهو ظاهر في أنه لا يمسح هنا لوجود الحائل فراجعه ع ش أقول وكلامهم هناك في القضاء فيجب مع الدم المذكور لنقصان البدل .

                                                                                                                              [ ص: 350 ] والمبدل وليس الكلام هنا فيه بل في صحة المسح ولا تلازم بينهما كما هو ظاهر بل غاية الدم المذكور أن يكون من وضع جبيرة فوق أخرى وهو لا يمنع صحة المسح . ( قوله كالخف ) أي والرأس وفرق الأول بينه وبين الرأس بأن في تعميمه مشقة النزع وبين الخف بأن فيه ضررا فإن الاستيعاب يبليه نهاية . ( قوله وهو ) أي مسحها سم . ( قوله أو أخذت شيئا إلخ ) سكت عما لو مسه ماء بلا إفاضة كما تقدم فظاهره أنه لا يغني عن مسحها سم يغني وفيه نظر كما مر . ( قوله لم يجب مسحها ) فإطلاقهم وجوب المسح جرى على الغالب من أن الساتر يأخذ زيادة على محل العلة ولا يغسل خطيب . ( قوله قياسه ) أي قياس عدم وجوب المسح فيما ذكر . ( قوله من الصحيح ) بيان لما أخذته . ( قوله أنه لا يجب ) الأسبك حذف الضمير . ( قوله إلا أن يجاب إلخ ) هذا حسن وقوله لما شق أي أو كان قد يشق سم . ( قوله كستر الجرح إلخ ) هل ولو في عضو التيمم مع منع إيصال التراب للجرح أو لم يأخذ من الصحيح شيئا ، وقد يقال قياس أن المسح عليه طهارة ما تحت الساتر من الصحيح أنه إذا أمكنه غسل الصحيح لا يسن الستر المذكور لعدم الحاجة إليه بل لا يجوز إلا أن يكون المخالف المراعى خلافه يرى ذلك سم على حج ، وقد يقال كون المخالف يرى ذلك لا يقتضي وضع الساتر لأن رعاية الخلاف إنما تطلب حيث لم تفوت مطلوبا عندنا وهي هنا تفوت الغسل الواجب لقدرته عليه اللهم إلا أن يقال إن الكلام مفروض فيما إذا تعذر غسل ما حول الجرح من الصحيح فيسن وضع الساتر ليمسحه بدل الصحيح منضما للتيمم بدل الجريح ع ش أي أو مفروض فيما إذا لم يأخذ من الصحيح شيئا ورأى المخالف أن المسح كالتيمم بدل عن محل الجرح .




                                                                                                                              الخدمات العلمية