الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
956 [ ص: 4 ] حديث أول لعطاء الخراساني

مالك ، عن عطاء بن عبد الله الخراساني ، أنه قال : حدثني شيخ بسوق البرم بالكوفة ، عن كعب بن عجرة ، أنه قال جاءني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا أنفخ تحت قدر لأصحابي ، وقد امتلأ رأسي ولحيتي قملا ، فأخذ بجبهتي ، ثم قال : احلق هذا الشعر ، وصم ثلاثة أيام ، أو أطعم ستة مساكين ، وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علم أنه ليس عندي ما أنسك به .

التالي السابق


لم يختلف الرواة عن مالك في هذا الحديث ، ويقولون : إن الشيخ الذي روى عنه عطاء الخراساني هذا الحديث عبد الرحمن بن أبي ليلى ، وهذا بعيد ، لأن عبد الرحمن بن أبي ليلى أشهر في التابعين من أن يقول فيه عطاء : حدثني شيخ ، وأظن القائل بأنه عبد الرحمن بن أبي ليلى لما عرف أنه كوفي ، وأنه ( الذي ) يروي الحديث عن كعب بن عجرة ، ظن أنه هو - والله أعلم .

وقد روى هذا الحديث عن ابن أبي ليلى ، عن كعب بن عجرة - جماعة ، منهم : الشعبي ، وأبو قلابة ، ومجاهد ، والحكم بن عتيبة ، وغيرهم ، وكلهم قال فيه : انسك بشاة ، أو صم ثلاثة أيام ، أو أطعم .

[ ص: 5 ] وقد ذكرنا كثيرا من ألفاظ المحدثين في هذا الحديث ، والحكم في ذلك عند العلماء في باب حميد بن قيس من كتابنا هذا ، وقال في هذا الحديث بعضهم عن داود ، عن الشعبي : أمعك دم ؟ قال : لا ، وقال بعضهم فيه عن الحكم بن عتيبة : فحلقت رأسي ونسكت ، وهذا متعارض ، وأصح ما فيه التخيير في النسك والإطعام والصيام .

وقد روى هذا الحديث عبد الله بن معقل ، عن كعب بن عجرة ، وقد يكون ذلك الشيخ الذي ذكره عطاء الخراساني ، فهو كوفي ، لا يبعد أن يلقاه عطاء ، وهو أشبه - عندي - والله أعلم .

حدثنا أحمد بن قاسم بن عيسى ، قال : حدثنا عبيد الله بن محمد بن حبابة ببغداد ، قال : حدثنا عبد الله بن محمد البغوي ، قال : حدثنا علي بن الجعد ، قال : أخبرنا شعبة ، قال : أخبرني عبد الرحمن بن الأصبهاني ، قال : سمعت عبد الله بن معقل ، قال : جلست إلى كعب بن عجرة في هذا المسجد - يعني مسجد الكوفة - فسألته عن هذه الآية ففدية من صيام أو صدقة أو نسك فقال حملت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والقمل يتناثر على وجهي ، فقال : ما كنت أرى الجهد بلغ بك هذا ، ما عندك شاة ؟ قال : قلت : لا ، فنزلت هذه الآية : ففدية من صيام أو صدقة أو نسك ، فقال : صم ثلاثة أيام ، أو أطعم ستة مساكين ، لكل مسكين نصف صاع من طعام ، قال : فنزلت هذه الآية في - خاصة ، وهي لكم عامة .

[ ص: 6 ] أخبرنا محمد بن إبراهيم ، قال : حدثنا محمد بن معاوية ، قال : حدثنا أحمد بن شعيب ، قال : أخبرنا محمد بن المثنى ، ومحمد بن بشار ، قالا : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن عبد الرحمن بن الأصبهاني ، عن عبد الله بن معقل ، قال : قعدت في هذا المسجد إلى كعب بن عجرة ، فسألته عن هذه الآية ففدية من صيام أو صدقة أو نسك ، فقال كعب : في نزلت ، وكان في أذى من رأسي ، فحملت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والقمل يتناثر على وجهي ، فقال : ما كنت أرى أن الجهد بلغ منك ما أرى ، أتجد شاة ؟ قلت : لا ، قال : فنزلت هذه الآية : ففدية من صيام أو صدقة أو نسك ، فالصوم ثلاثة أيام ، والصدقة على ستة مساكين ، لكل مسكين نصف صاع من طعام ، والنسك شاة .

حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا بكر بن حماد ، قال : حدثنا مسدد ، قال : حدثنا أبو عوانة ، عن عبد الرحمن بن الأصبهاني ، عن عبد الله بن معقل ، قال : كنا في المسجد جلوسا : فجلس إلينا كعب بن عجرة ، فقال : في أنزلت هذه الآية : فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك ، قال : قلت : كيف كان شأنك ؟ قال : خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - محرمين ، فوقع القمل في رأسي ولحيتي وشاربي حتى تقع في حاجبي ، فذكرت ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : ما كنت أرى بلغ منك هذا ، ادع الحلاق ، فدعا الحلاق ، فحلق رأسي ، قال : هل تجد من نسيكة ؟ قال : لا ، قال : فصم ثلاثة أيام ، أو أطعم ستة مساكين ، بين كل مسكينين صاع ، فنزلت في خاصة وللناس عامة .

[ ص: 7 ] قال أبو عمر :

أما الشيخ الذي روى عنه عطاء الخراساني بالكوفة هذا الحديث ، فيمكن أن يكون ابن أبي ليلى ، وممكن أن يكون عبد الله بن معقل الكوفي ، ولا يبعد أن يلقاه عطاء - وهو الأشبه عندي - والله أعلم .

وقد مضى القول في معنى هذا الحديث ممهدا مبسوطا في باب حميد بن قيس من هذا الكتاب ، والحمد لله ، وبه التوفيق .




الخدمات العلمية