الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( ونية استباحة الصلاة ونية أكبر إن كان ، ولو تكررت )

                                                                                                                            ش : أي : ولزم المتيمم أن ينوي بتيممه استباحة الصلاة التي يريدها ، أو الفعل الممنوع منه قال ابن عبد السلام : فإذا نوى استباحة الصلاة فلا بد أن يتعرض مع ذلك إلى الحدث الأصغر ، أو الأكبر ، فإن نسي وهو جنب أن يتعرض لذلك لم يجزه خلافا لابن وهب ، انتهى .

                                                                                                                            ويفهم منه أنه إذا نسي أن يتعرض لذلك وهو غير جنب أجزأه تيممه وصرح بذلك البساطي قال : وحاصل كلامه أن الحدث الأصغر لا يلزمه استحضاره حال التيمم بل يكفي فيه استباحة الصلاة من غير ذكر المتعلق وفي الأكبر لا بد من استحضار المتعلق [ ص: 346 ] فإن ترك عامدا أعاد أبدا ، أو ناسيا أعاد في الوقت هذا هو المشهور ، وقيل : يعيد في الوقت ، وقيل : لا إعادة ، انتهى .

                                                                                                                            وما ذكره في نية الحدث الأصغر هو ظاهر كلامهم ، وأما ما ذكره أنه هو المشهور في الإعادة فخلاف المشهور قال ابن الحاجب : فإن نسي الجنابة لم يجزه على المشهور ويعيد أبدا ، انتهى .

                                                                                                                            قال ابن ناجي في شرح المدونة : وتعليله فيها بأن التيمم إنما كان للوضوء لا للغسل يدل على أن الإعادة أبدا وهو قول مالك في الواضحة ، انتهى .

                                                                                                                            وعزاه ابن عرفة للمدونة واستظهره ابن رشد في سماع أبي زيد ، والله أعلم . ولفظ الأم قال مالك في المجدور والمحصوب إذا خافا على أنفسهما ، وقد أصابتهما جنابة أنهما يتيممان لكل صلاة أحدثا في ذلك ، أو لم يحدثا يتيمم للجنابة ثم قال فيها : أرأيت الجنب إذا نام ، وقد تيمم قبل ذلك وأحدث بعد ما تيمم للجنابة ومعه قدر ما يتوضأ به هل يتوضأ به ، أو يتيمم ؟ قال قال مالك : يتيمم ولا يتوضأ بما معه من الماء إلا أنه يغسل به ما أصابه من الأذى ، وأما الوضوء فليس يراه على الجنب لا في المرة الأولى ، ولا في الثانية وهو ينتقض بتيممه لكل صلاة ويعود إلى حال الجنابة كلما صلى ، ولا يجزئه الوضوء ولكن ينتقض جميع التيمم ويتيمم للجنابة كلما صلى ، انتهى .

                                                                                                                            وقال بعد ذلك قال مالك في رجل تيمم وهو جنب ومعه قدر ما يتوضأ به قال : يجزئه التيمم ، ولا يتوضأ قال : وإن أحدث بعد ذلك فأراد أن يتنفل فليتيمم ، ولا يتوضأ ; لأنه حين أحدث انتقض تيممه الذي كان تيمم للجنابة ، ولم ينتقض موضع الوضوء وحده فإذا جاء وقت صلاة أخرى مكتوبة فكذلك ينتقض تيممه ، أحدث أو لم يحدث .

                                                                                                                            ( فرع ) قال سند لو نوى استباحة الصلاة من نجاسة كان قد مسها بيده فإن ذلك لا يجزئه من تيمم الحدث ، انتهى .

                                                                                                                            وهو ظاهر ، ولا يعارض هذا ما تقدم في كلام البساطي ; لأن هذا لم ينو استباحة الصلاة من الحدث أصلا والأول نوى استباحة الصلاة وهي تنصرف عند الإطلاق للاستباحة من الحدث إما الأكبر أو الأصغر ، والله أعلم .

                                                                                                                            ( فرع ) قال في سماع أبي زيد : لو تيمم للجنابة أجزأه عن تيمم لوضوء ، انتهى .

                                                                                                                            وقال سند إذا تيمم بنية أنه جنب ثم ظهر أنه غير جنب يختلف فيه ومقتضى ما تقدم من سماع أبي زيد أنه يجزئه ثم وجه ذلك ( فرع ) قال في التوضيح في فرائض الوضوء لا يلزم في الوضوء والغسل أن يعين بنيته الفعل المستباح ويلزم ذلك في التيمم وحكى ابن حبيب أن ذلك في التيمم مشترط على سبيل الوجوب والمشهور أن ذلك على سبيل الاستحباب لا على معنى الإيجاب فانظر الفرق قاله ابن بزيزة ، انتهى .

                                                                                                                            ونقله ابن عرفة هنا عن الباجي وهو في المنتقى في ترجمة وضوء النائم إذا قام إلى الصلاة إلا أن ابن عرفة عزا القول بالاستحباب لابن القاسم عن مالك وظاهره أنه نص عنهما والذي في المنتقى ويتخرج على قول مالك وابن القاسم أن ذلك على الاستحباب وفي المدونة ، ومن تيمم لفريضة فصلاها ثم ذكر أنه نسيها يتيمم لها أيضا قال ابن ناجي قال بعض فضلاء أصحابنا : وكذلك لو ذكرها قبل الصلاة أعاده لها ، انتهى .

                                                                                                                            وما ذكره عن بعض أصحابه جزم به سند على أنه المذهب قال في شرح المسألة المذكورة : فلو أنه لما فرغ من تيممه للأولى ذكر الثانية قبل أن يصلي الأولى ، فإن كانت الثانية حكمها في الترتيب بعد الأولى صلى الأولى ثم تيمم للثانية فصلاها ، وإن كانت الثانية حكمها في الترتيب قبل الأولى لم يجزه أن يصليها بذلك التيمم ; لأنه لم يقصدها به ، فإن فعل أعاد أبدا وقاله ابن حبيب ، انتهى .

                                                                                                                            ونقله ابن يونس ونحوه لابن رشد في المقدمات قال فيها : من ذهب إلى أن الأصل إيجاب الوضوء لكل صلاة أو التيمم عند عدم الماء ، أو عدم القدرة على استعماله بظاهر الآية ، وأن السنة خصصت من ذلك الوضوء وبقي التيمم على الأصل ، ولا يصح عنده صلاتان بتيمم واحد ، وإن اتصلتا ونواه لهما ، ولا صلاة بتيمم نواه لغيرها ، ولا صلاة بتيمم نواه لها [ ص: 347 ] إذا صلى به غيرها ، أو تراخى عن الصلاة به اشتغالا بما سواها ، فإن فعل شيئا من ذلك وجبت عليه الإعادة في الوقت وغيره وهو ظاهر ما في المدونة ونص رواية مطرف وابن الماجشون عن مالك ويجيء على هذا المذهب أن طلب الماء ، أو طلب القدرة على استعماله شرط في صحة التيمم لكل صلاة عند القيام إليها ، انتهى .

                                                                                                                            ولا معارضة بين ما ذكره في المدونة وشروحها وفي المقدمات وبين ما قاله في التوضيح ونقله الباجي وابن عرفة ; لأن كلام المدونة وشروحها فيما إذا تيمم لفعل معين فلا يفعل به فرضا ; لأن التيمم للفرض لا يكون إلا بعد دخول وقته متصلا به ودخول وقت الفائتة إنما يكون بتذكرها كما صرح به في الجواهر في هذا الباب ، ولا يكون إلا عند الحاجة إلى فعلها وذلك عند تذكرها والقيام إلى فعلها كما تقدم في كلام ابن رشد وكلام صاحب التوضيح ومن معه فيما ينويه المتيمم فالمشهور أنه يستحب له تعيين الفعل المستباح ، فإن لم يعين فعلا أصلا وذلك بأن ينوي استباحة ما يمنعه الحدث فله أن يفعل به ما شاء بشرط أن يكون متصلا ، وإن أراد فرضا قدمه على غيره ، وهذا في الحقيقة كمن عين لما نوى استباحة الجميع ، ولا يصح أن يكون المراد بكلامهم أن ينوي استباحة بعض ما يمنعه الحدث من غير تعيين ثم يفعل واحدا منها ، وهذا واضح ، والله أعلم .

                                                                                                                            ( تنبيه ) قال ابن فرحون قال الشيخ تقي الدين قول ابن الحاجب ينوي استباحة الصلاة يحتمل أن يريد الصلاة التي يريد فعلها من فرض ، أو نفل ويحتمل أن يريد استباحة مطلق الصلاة والأول هو الذي ينبغي أن يحمل عليه ; لأنه إذا نوى مطلق استباحة الصلاة فيه نظر وهو أن مطلق الصلاة محمول على الفرض والنفل والفرض يحتاج إلى نية تخصه فيكون كمن نوى النفل فلا يجزئه الفرض بذلك التيمم فلا يحمل اللفظ عليه بل يحمل على معنى صحيح بلا شبهة ولا خلاف ، وهو ما تقدم ، انتهى .

                                                                                                                            وهو ظاهر إذا كانت نيته استباحة مطلق الصلاة إما فرضا أو نفلا . أما لو نوى استباحة الصلاة فرضها ونفلها صح كما تقدم ، والله أعلم .

                                                                                                                            ( فرع ) قال ابن فرحون أيضا عن الشيخ تقي الدين : ذكر ابن الحاجب في نية الوضوء ثلاثة أمور رفع الحدث واستباحة ما لا يستباح إلا برفع الحدث والفريضة وذكر هنا استباحة الصلاة وأخرج نية رفع الحدث وبقيت نية الفريضة مسكوتا عنها من جهته والظاهر عندي أنها تكفي ههنا كما في الوضوء ، ولا يكون قول ابن الحاجب وينوي استباحة الصلاة ، لا رفع الحدث للحصر كما يوهمه لفظه ، انتهى .

                                                                                                                            ويأتي مثله في كلام المصنف وأشار المصنف بقوله ، ولو تكررت إلى أن الجنب ينوي استباحة الصلاة من الحدث الأكبر ولو تكررت أي : الصلاة على ظاهر المذهب قاله اللخمي وخرج على قول ابن شعبان أن له أن يصيب الحائض إذا طهرت بالتيمم أن ينوي الأصغر ويجزئه وعلى هذا المعنى حمله أكثر الشراح وقال البساطي الأحسن أن يقول : ولو تكرر أي : التيمم ويعني به إذا نوى الأكبر ثم احتاج إلى تيمم فلا بد من نيته أيضا ، وإن لم يحصل منه حدث أصغر ، انتهى .

                                                                                                                            وتقدم أن الضمير عائد على الصلاة وقال الشارح في الصغير : أي نية التيمم وقال في الكبير والوسط : يحتمل أن يكون راجعا لقوله : وطلبه لكل صلاة أي يطلب الماء لكل صلاة ولو تكررت الصلاة ، انتهى .

                                                                                                                            والأول أقرب إلى لفظه ويحتمل عوده إلى الجميع .

                                                                                                                            ( فرع ) قال ابن عرفة بعد ذكره هذا الفرع ابن العربي : لو بال بعد تيممه لجنابة جاز أن يقرأ ; لأن الحدث الأصغر إنما يبطل التيمم في أحكامه كما لا يبطل الطهارة الكبرى قال ابن عرفة قلت هذا مخالف لنقل اللخمي عن المذهب موافق لأخذه ، انتهى .

                                                                                                                            وما قاله ابن عرفة ظاهر فقد تقدم عن المدونة أنه يعود جنبا على ما اختصر أبو محمد بن أبي زيد وقال سند : إذا تيمم من الجنابة لفريضة فصلاها فله أن يصلي بذلك نافلة ، أو يتلو القرآن ، فإن أحدث فلا يتلو حتى يتيمم وقال [ ص: 348 ] بعض الشافعية : يقرأ ; لأن الحدث الطارئ لا يمنع من القراءة وهو فاسد فإن التيمم ، وإن كان من الجنابة فهو يبطل بالحدث بدليل أنه إذا تيمم فلما فرغ من تيممه من الجنابة أحدث لزمه أن يعيد التيمم من الجنابة ، انتهى .

                                                                                                                            ( فرع ) وقال سند أيضا إذا تيمم المريض والمجدور ، ومن في بابه من الجنابة ثم أحدث حدث الوضوء وهو قادر على الوضوء لم يتوضأ ; لأن الجنابة قائمة حتى يغتسل فلا يدخل عليها بالحدث الأصغر فهو يتيمم من الجنابة لكل صلاة .

                                                                                                                            ( تنبيه ) ليس في المختصر ما يؤخذ منه أن الجنب يتيمم إلا قوله هنا ونية أكبر إن كان وما يؤخذ من فصل الجبيرة ، وقد صرح بذلك في المدونة في غير موضع قال فيها : والتيمم من الجنابة ومن الوضوء سواء قال أبو الحسن في الصفة والمشروعية وقال فيها قال مالك : وإذا تيمم الجنب وصلى ثم وجد الماء أعاد الغسل فقط وصلاته الأولى تامة قال أبو محمد : ما لم يكن في بدنه نجاسة قال ابن اللباد : وتكون الجنابة من وطء فيكون ذكره نجسا من رطوبة فرج المرأة قال المشذالي : وإن كانت من احتلام فلا بد أن يبقى على رأس ذكره أثر المني نجس فلا بد من الإعادة وفي الوقت ، انتهى .

                                                                                                                            ( تنبيه ) دخل في قول المصنف ونية أكبر الحائض فلا بد أن تنوي بتيممها ذلك وهو ظاهر ، والله تعالى أعلم . ومن هذا ما ذكره البرزلي في مسائل بعض العصريين من مسائل الصلاة من اغتسل للجنابة ثم سافر فكان يصلي بالتيمم لموجبه ثم ذكر لمعة من غسل تلك الجنابة إن كان الماء قريبا استدرك غسلها وصح غسل الجنابة وأعاد ما صلاه في السفر ، وإن بعد الماء أعاد مع ذلك غسل الجنابة البرزلي هذا بين على أن نية التيمم لا تنوب عن نية الجنابة وعلى القول الآخر يقال إن صلاته تجزئه والمشهور الأول ، انتهى .

                                                                                                                            وأشار بقوله : ص ( ولا يرفع الحدث )

                                                                                                                            ش : إلى ما تقدم عن ابن الحاجب أن المتيمم لا ينوي رفع الحدث ; لأنه لا يرفعه على المشهور ، وقيل : يرفع الحدث قاله في الذخيرة . وفائدة رفع الحدث عند الأصحاب أربعة أحكام : وطء الحائض إذا طهرت به ، ولبس الخفين به ، وعدم وجوب الوضوء إذا وجد الماء بعده ، وإمامة المتيمم للمتوضئين من غير كراهة . زاد ابن بشير التيمم قبل الوقت فتكون خمسة .

                                                                                                                            ( فرع ) قال في النكت : يؤم المتيمم المتوضئين وإمامة المتوضئ بهم أحب إلي ; لأن التيمم لا يرفع الحدث على أصلنا فيكره ; لأنها حالة ضرورة كصاحب السلس ، انتهى .

                                                                                                                            وعلى كل قول لا بد من الغسل إذا وجد الماء ، قاله ابن الحاجب

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية