الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        [ ص: 14 ] ( ولا يقرأ المؤتم خلف الإمام ) خلافا للشافعي رحمه الله في الفاتحة ، له أن القراءة ركن من الأركان فيشتركان فيه ولنا قوله عليه الصلاة والسلام : { من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة }وعليه إجماع الصحابة رضي الله عنهم ، وهو ركن مشترك بينهما ، لكن حظ المقتدي الإنصات والاستماع .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        الحديث السابع والخمسون : قال النبي صلى الله عليه وسلم : { من كان له إمام ، فقراءة الإمام له قراءة } ، قلت : روي من حديث جابر بن عبد الله ، ومن حديث ابن عمر ، ومن حديث الخدري ، ومن حديث أبي هريرة ، ومن حديث ابن عباس . [ ص: 15 ] فحديث جابر ، أخرجه ابن ماجه في " سننه " عن جابر الجعفي عن أبي الزبير عن جابر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من كان له إمام ، فإن قراءة الإمام له قراءة }انتهى . وجابر الجعفي مجروح ، روي عن أبي حنيفة أنه قال : ما رأيت أكذب من جابر الجعفي ، ولكن له طرق أخرى ، وهي وإن كانت مدخولة ، ولكن يشد بعضها بعضا ، فمنها ما رواه محمد بن الحسن في " موطئه " ، أخبرنا الإمام أبو حنيفة ثنا أبو الحسن موسى بن أبي عائشة عن عبد الله بن شداد عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { من صلى خلف الإمام ، فإن قراءة الإمام له قراءة }انتهى .

                                                                                                        ورواه الدارقطني في " سننه " وأخرجه هو ، ثم البيهقي عن أبي حنيفة مقرونا بالحسن بن عمارة .

                                                                                                        وعن الحسن بن عمارة ، وحده بالإسناد المذكور ، قال الدارقطني : وهذا الحديث لم يسنده عن جابر بن عبد الله غير أبي حنيفة . والحسن بن عمارة ، وهما ضعيفان ، وقد رواه سفيان الثوري . وأبو الأحوص . وشعبة . وإسرائيل . وشريك . وأبو خالد الدالاني . وسفيان بن عيينة . وجرير بن عبد الحميد . وغيرهم عن موسى بن أبي عائشة عن عبد الله بن شداد عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا ، وهو الصواب . انتهى .

                                                                                                        وقال البيهقي في " المعرفة " : وقد روى السفيانان هذا الحديث ، وأبو عوانة . وشعبة . وجماعة من الحفاظ عن موسى بن أبي عائشة ، فلم يسندوه عن جابر ، ورواه عبد الله بن المبارك أيضا عن أبي حنيفة مرسلا وقد رواه جابر الجعفي ، وهو متروك ، وليث بن أبي سليم ، وهو ضعيف عن أبي الزبير عن جابر مرفوعا ، ولم يتابعهما عليه إلا من هو أضعف منهما ، ثم قال : أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، قال : سمعت سلمة بن محمد الفقيه ، يقول : سألت أبا موسى الرازي الحافظ عن حديث : { من كان له إمام ، فقراءة الإمام له قراءة }فقال : لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه شيء ، إنما اعتمد مشايخنا فيه على الروايات عن علي . وابن مسعود . وغيرهما من الصحابة ، قال أبو عبد الله الحافظ : أعجبني هذا لما سمعته ، فإن أبا موسى أحفظ من رأينا من أصحاب الرأي على أديم الأرض . انتهى .

                                                                                                        . وأخرجه ابن عدي . والدارقطني عن الحسن بن صالح عن ليث بن أبي سليم [ ص: 16 ] وجابر عن أبي الزبير مرفوعا نحوه ، قال ابن عدي : وهذا معروف بجابر الجعفي ، ولكن الحسن بن صالح قرنه بالليث ، والليث ضعفه أحمد . والنسائي . وابن معين . والسعدي ، ولكنه مع ضعفه يكتب حديثه ، فإن الثقات رووا عنه ، كشعبة . والثوري . وغيرهما ، وأخرجه ابن عدي أيضا عن أبي حنيفة في " ترجمته " بسنده المتقدم ، وذكر فيه قصة ، ولفظه : { أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ، ورجل خلفه يقرأ ، فجعل رجل من الصحابة ينهاه عن القراءة في الصلاة ، فقال له : أتنهاني عن القراءة خلف نبي الله ؟ ، فتنازعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال عليه السلام : من صلى خلف إمام فإن قراءة الإمام له قراءة }. انتهى .

                                                                                                        قال ابن عدي : وهذا الحديث زاد فيه أبو حنيفة : جابر بن عبد الله ، وقد رواه جرير . والسفيانان . وأبو الأحوص . وشعبة . وزائدة وزهير . وأبو عوانة . وابن أبي ليلى . وقيس . وشريك . وغيرهم ، فأرسلوه ، ورواه الحسن بن عمارة ، كما رواه أبو حنيفة ، وهو أضعف .

                                                                                                        طريق آخر أخرجه الدارقطني في " سننه " . والطبراني في " معجمه الأوسط " عن سهل بن العباس الترمذي ثنا إسماعيل ابن علية عن أيوب عن أبي الزبير عن جابر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من كان له إمام ، فقراءة الإمام له قراءة }. انتهى .

                                                                                                        قال الدارقطني : هذا حديث منكر ، وسهل بن العباس متروك ، ليس بثقة ، وقال الطبراني : لم يرفعه أحد عن ابن علية إلا سهل بن العباس ، ورواه غيره موقوفا انتهى .

                                                                                                        طريق آخر أخرجه الدارقطني في " غرائب مالك " من طريق مالك عن وهب بن كيسان عن جابر بن عبد الله مرفوعا نحوه ، سواء ، قال الدارقطني : هذا باطل لا يصح عن مالك . ولا عن وهب بن كيسان ، وفيه ابن عصام لا يعرف . انتهى .

                                                                                                        طريق آخر ، رواه الإمام أحمد في " مسنده " عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم { من كان له إمام ، فقراءة الإمام له قراءة } ، ولكن في إسناده ضعف ، ورواه مالك عن [ ص: 17 ] وهب بن كيسان عن جابر من كلامه ، ذكره ابن كثير في " تفسيره " . وأما حديث ابن عمر ، فأخرجه الدارقطني في " سننه " عن محمد بن الفضل بن عطية عن أبيه عن سالم بن عبد الله عن أبيه عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { من كان له إمام فقراءته له قراءة }. انتهى .

                                                                                                        قال الدارقطني : محمد بن الفضل متروك ، ثم أخرجه عن خارجة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر مرفوعا ، ثم قال : رفعه وهم ، ثم أخرجه عن أحمد بن حنبل ثنا إسماعيل ابن علية عن أيوب عن نافع عن ابن عمر ، أنه قال { في القراءة خلف الإمام : يكفيك قراءة الإمام }انتهى .

                                                                                                        قال : وهو الصواب . انتهى . قلت : وكذلك رواه مالك في " الموطإ " عن نافع عن ابن عمر ، قال : إذا صلى أحدكم خلف الإمام ، فحسبه قراءة الإمام ، وإذا صلى وحده ، فليقرأ ، قال : وكان عبد الله بن عمر لا يقرأ خلف الإمام . انتهى .

                                                                                                        وأما حديث الخدري ، فرواه الطبراني في " معجمه الأوسط " حدثنا محمد بن إبراهيم بن عامر بن إبراهيم الأصبهاني حدثني أبي عن جدي عن النضر بن عبد الله ثنا الحسن بن صالح عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة }انتهى .

                                                                                                        وأخرجه ابن عدي في " الكامل " عن إسماعيل بن عمرو بن نجيح أبي إسحاق البجلي عن الحسن بن صالح ، به سندا ومتنا ، قال ابن عدي : هذا لا يتابع عليه إسماعيل ، وهو ضعيف ، قلت : قد تابعه النضر بن عبد الله ، كما تقدم عند الطبراني .

                                                                                                        وأما حديث أبي هريرة ، فأخرجه الدارقطني في " سننه " عن محمد بن عباد الرازي ثنا إسماعيل بن إبراهيم التيمي عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا نحوه ، سواء ، قال الدارقطني : لا يصح هذا عن سهيل ، تفرد به محمد بن عباد الرازي ، [ ص: 18 ] وهو ضعيف . انتهى .

                                                                                                        وأما حديث ابن عباس فرواه الدارقطني في " سننه " من حديث عاصم بن عبد العزيز المدني عن أبي سهيل عن عون بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { يكفيك قراءة الإمام ، خافت أو جهر }انتهى .

                                                                                                        قال الدارقطني : قال أبو موسى : قلت لأحمد بن حنبل في حديث ابن عباس هذا ، فقال : حديث منكر ، ثم أعاده الدارقطني في موضع آخر قريب منه ، وقال : عاصم بن عبد العزيز ليس بالقوي ، ورفعه وهم . انتهى .

                                                                                                        وأما حديث أنس فرواه ابن حبان في " كتاب الضعفاء " عن غنيم بن سالم عن أنس بن مالك ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من كان له إمام ، فقراءة الإمام له قراءة }انتهى .

                                                                                                        وأعله بغنيم ، وقال : إنه يخالف الثقات في الروايات ، لا يعجبني الرواية عنه ، فكيف الاحتجاج به ؟ روى عنه المجاهيل والضعفاء ، ولا يوجد من رواية أحد من الأثبات . انتهى .

                                                                                                        وحمل البيهقي في " كتاب المعرفة " أحاديث : { من كان له إمام ، فإن قراءة الإمام له قراءة }على ترك الجهر بالقراءة خلف الإمام ، وعلى قراءة الفاتحة دون السورة ، واستدل على ذلك بحديث أخرجه أبو داود في " سننه " عن محمد بن إسحاق عن مكحول عن محمود بن الربيع عن عبادة بن الصامت { أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الفجر ، ثم قال : لعلكم تقرءون خلف إمامكم ؟ قلنا : نعم ، قال : فلا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب }. انتهى .

                                                                                                        قال البيهقي : رواه إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق ، فذكر فيه سماع ابن إسحاق من مكحول ، فصار الحديث موصولا صحيحا ، قال : فهذا الحديث مبين لتلك الأحاديث ، ودال على السبب الذي ورد عليه حديث : { من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة } ، وهو رفع الصوت بالقراءة خلف الإمام ، وقراءة السورة مع الفاتحة . انتهى . [ ص: 19 ]

                                                                                                        قوله : وعليه إجماع الصحابة ، أي : على ترك القراءة خلف الإمام ، قلت : روى محمد بن الحسن في " موطئه " أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر ، أنه كان إذا سئل ، هل يقرأ أحد مع الإمام ؟ فقال : إذا صلى أحدكم مع الإمام فحسبه قراءة الإمام ، وكان ابن عمر لا يقرأ خلف الإمام . انتهى . أثر آخر ، رواه الطحاوي في " شرح الآثار " حدثنا يونس بن عبد الأعلى ثنا عبد الله بن وهب أخبرني حيوة بن شريح عن بكر بن عمرو عن عبيد الله بن مقسم أنه سأل عبد الله بن عمر . وزيد بن ثابت . وجابر بن عبد الله ، فقالوا : لا يقرأ خلف الإمام في شيء من الصلوات . انتهى .

                                                                                                        أثر آخر رواه محمد بن الحسن أيضا في " موطئه " عن سفيان بن عيينة عن منصور عن أبي وائل ، قال : سئل عبد الله بن مسعود عن القراءة خلف الإمام . قال : أنصت " فإن في الصلاة شغلا ، ويكفيك الإمام ، أخبرنا محمد بن أبان بن صالح القرشي عن حماد عن إبراهيم عن علقمة بن قيس أن عبد الله بن مسعود كان يقرأ خلف الإمام ، لا فيما يجهر . ولا فيما يخافت فيه ، وإذا صلى وحده ، قرأ في الأوليين بفاتحة الكتاب . وسورة ، ولم يقرأ في الأخريين سورة انتهى .

                                                                                                        ورواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " ، أعني الأول ، وكذلك عبد الرزاق في " مصنفه " ، وينظران . أثر آخر ، رواه محمد بن الحسن أيضا عن داود بن قيس الفراء المديني ، قال : أخبرني بعض ولد سعد بن أبي وقاص أن سعدا قال : وددت أن الذي يقرأ خلف الإمام في فيه جمرة ، ورواه عبد الرزاق في " مصنفه " ، إلا أنه قال : في فيه حجر ، وكذلك ابن أبي شيبة . أثر آخر : رواه محمد بن الحسن أيضا عن داود بن قيس عن ابن عجلان ، أن عمر بن الخطاب [ ص: 20 ] قال : ليت في فم الذي يقرأ خلف الإمام حجرا ، وأخرجه أيضا عبد الرزاق .

                                                                                                        أثر آخر أخرجه الطحاوي في " شرح الآثار " عن حماد بن سلمة عن أبي جمرة ، قال : قلت لابن عباس : أقرأ والإمام بين يدي ؟ فقال : لا . انتهى . أثر آخر أخرجه ابن أبي شيبة في " مصنفه " عن جابر ، قال : لا يقرأ خلف الإمام ، إن جهر ، ولا إن خافت انتهى .

                                                                                                        وينظر . أثر آخر رواه ابن أبي شيبة . وعبد الرزاق في " مصنفيهما " من حديث علي ، قال : من قرأ خلف الإمام ، فقد أخطأ الفطرة ، وأخرجه الدارقطني في " سننه " من طرق ، وقال : لا يصح إسناده .

                                                                                                        وقال ابن حبان في " كتاب الضعفاء " : هذا يرويه المختار بن عبد الله بن أبي ليلى الأنصاري عن علي ، وهو باطل ، ويكفي في بطلانه إجماع المسلمين على خلافه ، وأهل الكوفة ، إنما اختاروا ترك القراءة خلف الإمام فقط ، لا أنهم لم يجيزوه ، وابن أبي ليلى هذا رجل مجهول ، . انتهى

                                                                                                        قوله : لأن الاستماع فرض بالنص ، قلت : يريد به قوله تعالى: { وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا } ، وقد وردت أخبار في أن هذه الآية نزلت في القراءة خلف الإمام ، أخرج البيهقي عن مجاهد ، قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الصلاة ، فسمع قراءة فتى من الأنصار ، فنزل { وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا } } ، وأخرج عن الإمام أحمد قال : أجمع الناس على أن هذه الآية في الصلاة .

                                                                                                        أثر آخر أخرجه الدارقطني في " سننه " عن عبد الله بن عامر حدثني زيد بن أسلم عن أبيه عن أبي هريرة في هذه الآية { وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم [ ص: 21 ] ترحمون }قال : نزلت في رفع الأصوات ، وهم خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة انتهى .

                                                                                                        قال : وعبد الله بن عامر ضعيف . انتهى . أثر آخر أخرجه ابن مردويه في " تفسيره " عن موسى بن عبد الرحمن المسروقي ثنا أبو أسامة عن سفيان عن أبي المقدام هشام بن زياد عن معاوية بن قرة ، قال : سألت بعض أشياخنا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال المسروقي : أحسبه قال : عبد الله بن مغفل ، قلت له : كل من سمع القرآن وجب عليه الاستماع والإنصات ، قال : إنما نزلت هذه الآية { وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا }في القراءة خلف الإمام ، إذا قرأ الإمام فاستمع له ، وأنصت . انتهى .




                                                                                                        الخدمات العلمية