الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
194 مالك ، عن ابن شهاب ، عن ابن أكيمة الليثي ، عن أبي هريرة : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انصرف من صلاة جهر فيها بالقراءة فقال : هل قرأ معي أحد منكم آنفا ؟ فقال رجل : نعم يا رسول الله فقال : إني أقول ما لي أنازع القرآن قال : فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما جهر فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من القراءة في الصلوات حين سمعوا ذلك من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

التالي السابق


هكذا روى هذا الحديث جماعة أصحاب مالك ، وقد أخبرنا محمد حدثنا علي بن عمر الحافظ حدثني عبد العزيز بن محمد الواثق بالله حدثنا القاسم بن زكرياء المقري حدثنا أبو الحسن بن محمد الزعفراني حدثنا عبد الوهاب الخفاف ، عن مالك ، عن ابن شهاب ، عن عباد بن أكيمة ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر نحوه .

قال أبو الحسن : لا أعلم أحدا سماه في حديث مالك ، ولا في حديث ابن شهاب إلا في هذه الرواية ، ورواه جماعة أصحاب ابن شهاب عنه ، عن ابن أكيمة ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 24 ] قال أبو عمر :

( لم يختلف رواة الموطأ فيما علمت في هذا الحديث من أوله إلى آخره ، وزاد فيه روح بن عبادة ، عن مالك ، عن ابن شهاب أنه قال : لا قراءة خلف الإمام فيما يجهر فيه الإمام ) .

وقد رواه بعض أصحاب الأوزاعي ، عن الأوزاعي ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل في موضع ابن أكيمة سعيد بن المسيب ، وذلك وهم وغلط عند جميع أهل العلم بالحديث ، والحديث محفوظ لابن أكيمة .

وإنما دخل الوهم فيه عليه لأن ابن شهاب كان يقول في هذا الحديث : سمعت ابن أكيمة يحدث ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة ، فتوهم أنه لابن شهاب ، عن سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة ، ولا يختلف أهل العلم بالحديث أن هذا الحديث لابن شهاب ، عن ابن أكيمة ، عن أبي هريرة ، وأن ذكر سعيد بن المسيب في إسناد هذا الحديث خطأ لا شك عندهم فيه ، وإنما ذلك عندهم لأنه كان في مجلس سعيد بن المسيب ، فهذا وجه ذكر سعيد بن المسيب لا أنه في الإسناد .

حدثنا أحمد بن محمد بن أحمد قال : حدثنا وهب بن مسرة قال : حدثنا محمد بن وضاح قال : حدثنا حامد بن يحيى قال : حدثنا سفيان قال : حدثنا الزهري قال : سمعت ابن أكيمة يحدث سعيد بن المسيب قال : سمعت أبا هريرة يقول : صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الصبح ، فلما فرغ من [ ص: 25 ] صلاته قال : هل قرأ منكم معي أحد قال رجل : نعم أنا فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : إني أقول ما بالي أنازع القرآن .

حدثنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا مسدد ، وأحمد بن محمد المروزي ، ومحمد بن أحمد بن أبي خلف ، وعبد الله بن محمد الزهري ، وابن السراج ، قالوا : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن الزهري قال : سمعت ابن أكيمة يحدث سعيد بن المسيب قال : سمعت أبا هريرة يقول : صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة نظن أنها الصبح فذكر مثله سواء إلى قوله : ما لي أنازع القرآن قال أبو داود : قال مسدد في حديثه هذا : قال سفيان : قال معمر : قال الزهري : فانتهى الناس عن القراءة فيما جهر فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وقال ابن السراج في حديثه : قال معمر ، عن الزهري قال أبو هريرة : فانتهى الناس ، وقال عبد الله بن محمد من بينهم قال سفيان ، وتكلم الزهري بكلمة لم أسمعها فقال معمر : إنه قال : فانتهى الناس قال أبو داود ، ورواه عبد الرحمن بن إسحاق ، عن الزهري ، وانتهى حديثه إلى قوله : ما لي أنازع القرآن قال : ورواه الأوزاعي ، عن أبي هريرة قال فيه : قال الزهري : واتعظ المسلمون فلم يكونوا يقرءون معه فيما جهر به قال أبو داود : وسمعت محمد بن يحيى بن فارس قال : قوله فانتهى الناس من كلام الزهري [ ص: 26 ] قال أبو عمر :

رواه ابن جريج قال : أخبرني ابن شهاب قال : سمعت ابن أكيمة يحدث عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل حديث مالك سواء إلى قوله : ما لي أنازع القرآن لم يزد على ذلك .

ورواه معمر ، وأبو أويس ، ويونس بن يزيد ، وأسامة بن زيد ، عن ابن شهاب أنه سمع ابن أكيمة يحدث عن أبي هريرة بمثل حديث مالك سواء .

وذلك دليل على ما قال محمد بن يحيى الذهلي أن قوله : فانتهى الناس إلى آخر الكلام من كلام الزهري ، وذكر عبد الرازق ، عن معمر ، عن الزهري قال : سمعت ابن أكيمة يحدث عن أبي هريرة : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى صلاة جهر فيها بالقراءة ثم أقبل على الناس بعد ما سلم فقال لهم : هل قرأ معي أحد منكم آنفا ؟ قالوا : نعم يا رسول الله قال : إني أقول ما لي أنازع القراءة ، فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما يجهر به من القرآن حين سمعوا ذلك من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا إبراهيم بن عبد الرحيم قال : حدثنا إبراهيم بن أبي العباس قال : حدثنا أبو أويس ، عن الزهري ، عن ابن أكيمة الكناني ثم الليثي ، عن أبي هريرة : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى صلاة جهر فيها بالقراءة ثم أقبل على الناس [ ص: 27 ] بعد ما سلم فقال : هل قرأ أحد منكم معي آنفا ؟ قالوا : نعم يا رسول الله فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إني أقول ما لي أنازع القرآن ؟ ، فانتهى الناس عن قراءة القرآن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما جهر به من القراءة في الصلاة حين سمعوا ذلك من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

قال أبو عمر :

يقولون : إن سماع أبي أويس ، ومالك بن أنس من الزهري كان واحدا بعرض واحد ، كذلك قال محمد بن يحيى النيسابوري وغيره ، - والله أعلم - .

وفقه هذا الحديث الذي من أجله نقل ، وجاء الناس به ترك القراءة مع الإمام في كل صلاة يجهر فيها الإمام بالقراءة .

ففي هذا الحديث دليل واضح على أنه لا يجوز للمأموم فيما جهر فيه إمامه بالقراءة من الصلوات أن يقرأ معه لا بأم القرآن ، ولا بغيرها ; لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يستثن فيه شيئا من القرآن .

وهذا موضوع اختلفت فيه الآثار عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، واختلف فيه العلماء من الصحابة ، والتابعين ، وفقهاء المسلمين على ثلاثة أقوال ( نذكرها ، ونبين وجوهها بعون الله إن شاء الله ) .

[ ص: 28 ] فقال : منهم قائلون : لا يقرأ لا فيما أسر ، ولا فيما جهر ، وقال آخرون : يقرأ معه فيما أسر فيه ، ولا يقرأ فيما جهر فيه إلا بأم القرآن خاصة دون غيرها ، وسنبين أقوالهم ، واعتلالهم في هذا الباب إن شاء الله ، ونبين الحجة لكلا الفريقين ، وعليهم بما يحضرنا ذكره بعون الله .

وقال آخرون : يقرأ مع الإمام فيما أسر فيه ، ولا يقرأ فيما جهر فيه ، وهو قول سعيد بن المسيب ، وعبيد الله بن عبد الله ، وسالم بن عبد الله بن عمر ، وابن شهاب وقتادة ، وبه قال مالك ، وأصحابه ، وعبد الله بن المبارك ، وأحمد ، وإسحاق ، وداود بن علي ، والطبري إلا أن أحمد بن حنبل قال : إن سمع لم يقرأ ، وإن لم يسمع قرأ ، ومن أصحاب داود من قال : لا يقرأ فيما قرأ إمامه وجهر ، ومنهم من قال : يقرأ ، وأوجبوا كلهم القراءة فيما إذا أسر الإمام ، وروي عن عمر بن الخطاب ، وعلي بن أبي طالب ، وابن مسعود على اختلاف عنهم القراءة في ما أسر الإمام دون ما جهر .

وعن عثمان بن عفان ، وأبي بن كعب ، وعبد الله بن عمر مثل ذلك ، وهو أحد قولي الشافعي كان يقوله بالعراق ، وهذا هو القول المختار عندنا ، وبالله توفيقنا .

فمن الحجة قول الله عز وجل وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون وهذا عند أهل العلم عند سماع القرآن في الصلاة ، فأوجب تبارك وتعالى الاستماع ، والإنصات على كل مصل جهر إمامه بالقراءة ليسمع القراءة ، ومعلوم أن هذا في صلاة الجهر دون صلاة السر ; لأنه [ ص: 29 ] مستحيل أن يريد بالإنصات والاستماع من لا يجهر إمامه ، وكذلك مستحيل أن تكون منازعة القرآن في صلاة السر ; لأن المسر إنما يسمع نفسه دون غيره ، فقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ما لي أنازع القراءة يضاهي ويطابق قول الله عز وجل وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا .

وحدثني خلف بن القاسم حدثنا أحمد بن محمد بن عبيد بن آدم بن أبي إياس قال : أنبأنا أبو معن ثابت بن نعيم ( قال : حدثنا آدم بن أبي إياس ) قال : حدثنا بكر بن خنيس ، عن إبراهيم بن مسلم الهنجرسي ، عن أبي عياض ، عن أبي هريرة قال : كانوا يتكلمون في الصلاة حتى نزلت هذه الآية وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا قال إبراهيم بن مسلم : فقلت لأبي عياض : لقد كنت أظن أنه لا ينبغي لأحد يسمع القرآن ألا يستمع ، قال : لا . إنما ذلك في الصلاة المكتوبة ، فأما في غير الصلاة فإن شئت استمعت ، وأنصت ، وإن شئت مضيت ولم تسمع .

وذكر الحسن بن علي الحلواني قال : حدثنا علي ابن المديني قال : حدثنا سفيان ، عن إبراهيم بن ميسرة قال : سمعت مجاهدا يقول : ما رأيت أحدا بعد ابن عباس أفقه من أبي عياض .

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا أحمد بن دحيم قال : حدثنا إبراهيم بن حماد بن إسحاق قال : حدثنا عمي إسماعيل بن إسحاق قال : حدثنا علي ابن المديني قال : حدثنا سليمان بن حيان الأحمر قال : حدثنا داود بن أبي هند ، عن أبي نضرة ، عن أسيد بن جابر قال : قال عبد الله بن مسعود : أتقرءون خلف الإمام ؟ ؟ قلنا : : نعم . قال : ألا تفقهون ؟ ما لكم لا تعقلون ؟ [ ص: 30 ] وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا قال إسماعيل : حدثنا حفص بن عمر قال : حدثنا شعبة ، عن منصور ، عن أبي وائل قال : سئل عبد الله عن القراءة خلف الإمام قال : أنصت للقرآن ، فإن في الصلاة شغلا ، وسيكفيك ذلك الإمام . قوله أنصت للقرآن يدل على أن ذلك في الجهر دون السر قال إسماعيل ، وحدثنا حجاج بن منهال قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب في قوله وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا قال : في الصلاة .

وذكر عن أبي العالية ، والزهري ، وزيد بن أسلم ، والشعبي ، وإبراهيم النخعي ، والحسن البصري ، ومجاهد مثله ، إلا أن مجاهدا زاد في الصلاة ، والخطبة يوم الجمعة ، ذكر وكيع ، عن سفيان ، عن جابر ، عن مجاهد قال : وجب الإنصات في اثنتين ، في الصلاة والإمام يقرأ ، وفي الخطبة والإمام يخطب . وسفيان ، عن ليث ، عن مجاهد في قوله : فاستمعوا له وأنصتوا قال : إنما ذلك في الصلاة ، وأما في غير الصلاة فلا ، وعن عطاء مثله سواء .

وذكر سنيد ، عن هشيم قال : أنبأنا مغيرة ، عن إبراهيم ، وحدثنا جبير ، عن الضحاك في قوله وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا قالا : في الصلوات المكتوبة قال قتادة : الإنصات باللسان ، والاستماع بالأذنين ، علم أن لن يفقهوه حتى ينصتوا .

قال أبو عمر :

في قول الله عز وجل وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا مع إجماع أهل العلم أن مراد الله من ذلك في [ ص: 31 ] الصلوات المكتوبة أوضح الدلائل على أن المأموم إذا جهر إمامه في الصلاة أنه لا يقرأ معه بشيء ، وأن يستمع له ، وينصت ، وفي ذلك دليل على أن قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا صلاة لمن لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب مخصوص في هذا الموضوع وحده . إذا جهر الإمام بالقراءة لقول الله عز وجل وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا وما عدا هذا الموضوع وحده ، فعلى عموم الحديث وتقديره : لا صلاة يعني لا ركعة لمن لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب ، إلا لمن صلى خلف إمام يجهر بالقراءة ، فإنه يستمع ، وينصت .

وهذا الحديث رواه ابن شهاب ، عن محمود بن الربيع ، عن عبادة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : لا صلاة لمن لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب ، ورواه عن ابن شهاب جماعة من أصحابه منهم معمر ، ويونس ، وعقيل ، وابن عيينة ، وشعيب ، وإبراهيم بن سعد ، وليس عند مالك ، عن ابن شهاب .

وسنذكر الدلائل على أن قوله : لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب أن معناه لا ركعة في باب العلاء بن عبد الرحمن من كتابنا هذا عند قوله - صلى الله عليه وسلم - : كل صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج إن شاء الله ، وبه العون لا شريك له .

[ ص: 32 ] والدليل أيضا على خصوص الآية في هذا الموضوع قوله - صلى الله عليه وسلم - : ما لي أنازع القرآن ، وقوله : إذا قرأ الإمام فأنصتوا رواه أبو موسى ، وأبو هريرة ، وقوله في حديث ابن مسعود لقوم جهروا بالقراءة ، وهو يقرأ : خلطتم علي القراءة أنصتوا للقراءة ، وقوله أنصتوا للقراءة دليل على أن ذلك كان في حال الجهر .

حدثنا سعيد بن نصر ، وعبد الوارث بن سفيان قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا ابن وضاح قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال : حدثنا محمد بن إبراهيم حدثنا محمد بن معاوية قال : حدثنا أحمد بن شعيب قال : أنبأنا الجارود ، عن معاذ الترمذي قال : حدثنا أبو خالد الأحمر ، عن محمد بن عجلان ، عن زيد بن أسلم ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إنما جعل الإمام ليؤتم به ، فإذا كبر فكبروا ، وإذا قرأ فأنصتوا زاد الجارود : وإذا قال : سمع الله فقولوا : اللهم ربنا ولك الحمد [ ص: 33 ] قال أحمد بن شعيب ، وأنبأنا أحمد بن عبد الله قال : أنبأنا محمد بن سعيد الأنصاري قال : حدثنا محمد بن عجلان ، عن زيد بن أسلم ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا ، وإذا قرأ فأنصتوا قال أحمد بن شعيب : لا نعلم أحدا تابع ابن عجلان على قوله وإذا قرأ فأنصتوا .

قال أبو عمر :

بعضهم يقول : أبو خالد الأحمر انفرد بهذا اللفظ في هذا الحديث ، وبعضهم يقول : إن ابن عجلان انفرد به ، وقد ذكره النسائي من غير حديث أبي خالد الأحمر .

وحدثنا أحمد بن محمد ( قال : حدثنا أحمد بن الفضل قال : حدثنا محمد ) بن جرير قال : حدثنا محمد بن عبد الله المخرمي قال : أنبأنا محمد بن سعد الأشهلي قال : حدثنا محمد بن جرير ، وحدثنا أبو كريب قال : حدثنا أبو خالد الأحمر ، جميعا عن محمد بن عجلان ، عن زيد بن أسلم ، عن أبي صالح ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إنما جعل الإمام ليؤتم به ، فإذا كبر فكبروا ، وإذا قرأ فأنصتوا ، وروى جرير بن عبد الحميد ، عن سليمان التيمي ، عن قتادة ، عن أبي غلاب يونس بن جبير ، عن حطان الرقاشي ، عن أبي موسى الأشعري قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إذا قرأ الإمام فأنصتوا .

[ ص: 34 ] فإن قال قائل : إن قوله وإذا قرأ فأنصتوا لم يقله أحد في حديث أبي هريرة غير ابن عجلان ، ولا قاله أحد في حديث أبي موسى غير جرير ، عن التيمي ، قيل له : لم يخالفهما من هو أحفظ منهما فوجب قبول زيادتهما ، وقد صحح هذين الحديثين أحمد بن حنبل ، وحسبك به إمامة وعلما بهذا الشأن .

حدثنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا عبد الحميد بن أحمد قال : حدثنا الخضر بن داود قال : حدثنا أبو بكر الأثرم قال : قلت لأحمد بن حنبل : من يقول عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من وجه صحيح : إذا قرأ الإمام فأنصتوا فقال : حديث ابن عجلان الذي يرويه أبو خالد ، والحديث الذي رواه جرير ، عن التيمي ، وقد زعموا أن المعتمر رواه ، قلت : نعم ، قد قال : فأي شيء تريد ؟ فقد صحح أحمد الحديثين جميعا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديث أبي هريرة ، وحديث أبي موسى قوله عليه السلام : إذا قرأ الإمام فأنصتوا فأين المذهب عن سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وظاهر كتاب الله عز وجل ، وعمل أهل المدينة ؟ ألا ترى إلى قول ابن شهاب فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما جهر فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالقراءة حين سمعوا منه : ما لي أنازع القرآن .

وقال مالك : الأمر عندنا أنه لا يقرأ مع الإمام فيما جهر فيه الإمام بالقراءة ، فهذا يدلك على أن هذا عمل موروث بالمدينة .

[ ص: 35 ] ذكر عبد الرزاق ، عن الثوري ، عن سليمان الشيباني ، عن جواب ، عن يزيد بن شريك أنه قال لعمر : أقرأ خلف الإمام قال : نعم قال : وإن قرأت يا أمير المؤمنين قال : نعم ، وإن قرأت .

وعن ابن التيمي ، عن ليث ، عن الأشعث ، عن أبي يزيد ، عن الحارث بن سويد ، ويزيد التيمي قالا : أمرنا عمر بن الخطاب أن نقرأ خلف الإمام ، وهذا محله عندنا فيما أسر فيه الإمام ; لأن ابن عيينة روى عن أبي إسحاق الشيباني ، عن رجل قال : عهد إلينا عمر بن الخطاب أن لا نقرأ مع الإمام ، وهذا عندنا على الجهر لئلا يتضاد الخبر عنه ، وليس في هذا الباب شيء يثبت من جهة الإسناد ، عن عمر ، وعنه فيه اضطراب .

وأما علي فأصح شيء عنه ما رواه الزهري ، عن عبد الله بن أبي رافع ، عن علي بن أبي طالب قال : يقرأ الإمام ومن خلفه في الأوليين من الظهر والعصر بفاتحة الكتاب وسورة ، وفي الأخريين بفاتحة الكتاب ، ويقرأ الإمام في المغرب في الأوليين بفاتحة الكتاب وسورة ، وينصت من خلفه ، ويقرأ الإمام ، ومن خلفه في الثالثة بفاتحة الكتاب ، ويقرأ الإمام في العشاء في الأوليين بفاتحة الكتاب ، وسورة ، وينصت من خلفه ، ويقرأ الإمام ، ومن خلفه في الأخريين بفاتحة الكتاب ، وأمرهم أن ينصتوا في الفجر .

[ ص: 36 ] ذكر إسحاق بن راهويه ، عن يزيد بن هارون ، عن سفيان بن حسين ، عن الزهري ، فهذا يدفع ما روى عنه أهل الكوفة ، وهو مذهب أهل المدينة .

وأما أبي بن كعب ، فذكر عبد الرازق ، عن يحيى بن العلاء ، عن عبد الله بن أبي الهذيل أن أبي بن كعب كان يقرأ خلف الإمام في الظهر ، والعصر ، وفي تخصيصه الظهر ، والعصر دليل على أنه كان لا يقرأ ( فيما جهر فيه من الصلوات ، ويقرأ ) في غيرها ، - والله أعلم - .

وكذلك ما روي عن عبد الله بن عمر .

وفي ذلك ذكر عبد الرزاق ، عن ابن عيينة ، عن حصين بن عبد الرحمن قال : سمعت عبيد الله بن عبد الله بن عتبة يقرأ في الظهر ، والعصر مع الإمام ، فسألت إبراهيم فقال : لا تقرأ إلا أن تتهم الإمام ، وسألت مجاهدا فقال : قد سمعت عبد الله بن عمرو ، يقرأ ( وعن الثوري ، عن الأعمش ، عن مجاهد قال : سمعت عبد الله بن عمرو يقرأ ) خلف الإمام في الظهر ، والعصر .

وأما ابن عمر فأصح شيء عنه ما ذكره عبد الرزاق قال : أنبأنا ابن جريج قال : حدثني ابن شهاب ، عن سالم : أن ابن عمر كان ينصت للإمام فيما جهر فيه الإمام بالقراءة لا يقرأ معه ، وكلما روي عن ابن عمر من الألفاظ المجملة فهذا يفسرها .

[ ص: 37 ] ولهذا - والله أعلم - أدخل مالك قول ابن عمر المجمل في باب ترك القراءة خلف الإمام فيما جهر فيه ، وقيده بترجمة الباب ثم قال مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر : أنه كان إذا سئل : هل يقرأ أحد خلف الإمام ؟ قال : إذا صلى أحدكم خلف الإمام فحسبه قراءة الإمام ، وإذا صلى وحده فليقرأ قال : وكان عبد الله بن عمر لا يقرأ خلف الإمام .

قال أبو عمر :

يريد فيما جهر فيه بدليل حديث ابن شهاب ، عن سالم عنه ، ويدلك على ذلك أن مالكا جعل قول ابن عمر هذا في باب ترك القراءة خلف الإمام فيما جهر فيه الإمام بالقراءة ثم أردفه بقوله : الأمر عندنا أن يقرأ الرجل وراء الإمام فيما لا يجهر فيه الإمام بالقراءة ، ويترك القراءة فيما يجهر فيه الإمام بالقراءة ثم أردف قوله هذا بحديث ابن شهاب المذكور في هذا الباب ، عن ابن أكيمة ، عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قوله : ما لي أنازع القرآن .

ذكر عبد الرزاق ، عن معمر ، وابن جريج ، عن الزهري ، عن سالم قال : تكفيك قراءة الإمام فيما يجهر به ، وعن معمر ، عن الزهري قال : إذا قرأ الإمام وجهر فلا يقرأ شيئا ، فهذا مذهب مالك ، ومن ذكرنا من العلماء في هذا الباب .

ولا تجوز القراءة عند أصحاب مالك خلف الإمام إذا جهر بالقراءة ، وسواء سمع المأموم قراءته أو لم يسمع ; لأنها صلاة جهر فيها الإمام بالقراءة ، فلا يجوز فيها لمن خلفه القراءة ; لأن الحكم فيها واحد ، كالخطبة يوم الجمعة لا يجوز لمن لم يسمعها ، وشهدها أن يتكلم ، كما لا يجوز أن يتكلم من سمعها سواء .

[ ص: 38 ] وسواء عندهم أم القرآن وغيرها ، لا يجوز لأحد أن يتشاغل عن الاستماع لقراءة إمامه والإنصات ، لا بأم القرآن ، ولا بغيرها .

ولو جاز للمأموم أن يقرأ مع الإمام إذا جهر ، لم يكن لجهر الإمام بالقراءة معنى ; لأنه إنما يجهر ليستمع له ، وينصت ، وأم القرآن وغيرها في ذلك سواء - والله أعلم - .



وقال أحمد بن حنبل : من لم يسمع قراءة الإمام جاز له أن يقرأ ، وكان عليه إذا لم يسمع أن يقرأ ولو بأم القرآن ; لأن المأمور بالإنصات ، والاستماع هو من سمع دون من لم يسمع ، وقال بقوله طائفة من أهل العلم قبله ، وبعده .

( وقال بعض أصحاب مالك : لا بأس أن يتكلم يوم الجمعة من لا يسمع الخطيب بما شاء من الخير ، وما به الحاجة إليه ، وكره مالك له ذلك ، وقد ذكرنا هذه المسألة في موضعها من هذا الكتاب ) ، ذكر عبد الرزاق ، عن الثوري ، عن الصلت الربعي ، عن سعيد بن جبير قال : إذا لم يسمعك الإمام فاقرأ .

وعن ابن جريج ، عن عطاء قال : إذا لم تفهم قراءة الإمام فاقرأ إن شئت ، وسبح .

وقال آخرون : لا يترك أحد من المأمومين قراءة فاتحة الكتاب خلف إمامه فيما جهر فيه الإمام بالقراءة ; لأن قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب عام لا يخصه شيء ; لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يخص بقوله ذلك مصليا من مصل .

[ ص: 39 ] قالوا : وقول الله عز وجل وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا خاص واقع على ما سوى فاتحة الكتاب .

وكذلك قوله : ما لي أنازع القرآن ، وقوله وإذا قرأ فأنصتوا أراد بعد فاتحة الكتاب .

وممن ذهب إلى هذه الجملة الأوزاعي ، والليث بن سعد ، وهو قول الشافعي ، وعليه أكثر أصحابه منهم المزني ، والبويطي ، وبه قال أبو ثور ، وروي ذلك عن عبادة بن الصامت ، وعبد الله بن عمرو بن العاص ، وعبد الله بن عباس ، واختلف فيه عن أبي هريرة ، وهو قول عروة بن الزبير ، وسعيد بن جبير ، ومكحول ، والحسن البصري .

وذكر وكيع ، عن ابن عون ، عن رجاء بن حيوة ، عن محمود بن الربيع قال : صليت إلى جنب عبادة بن الصامت ، فقرأ بفاتحة الكتاب فلما انصرف قلت : يا أبا الوليد لم أسمعك قرأت بفاتحة الكتاب قال : أجل إنه لا صلاة إلا بها .

حدثنا عبد الوارث بن سفيان حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا أحمد بن زهير حدثنا هارون بن معروف حدثنا ضمرة ، عن الأوزاعي قال : أخذت القراءة مع الإمام عن عبادة بن الصامت ، ومكحول .

ذكر عبد الرزاق ، عن المثنى بن الصباح ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن عبد الله بن عمرو ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا كنت مع الإمام فاقرأ بأم القرآن قبله ، وإذا [ ص: 40 ] سكت ، وهذا الحديث لا يصح بهذا اللفظ مرفوعا ، والمثنى بن الصباح ضعيف ، ومنهم من يوقف هذا الحديث على عبد الله بن عمرو ، وعبد الرزاق ، عن ابن المثنى ، عن ليث ، عن عطاء ، عن ابن عباس قال : لا بد أن يقرأ بفاتحة الكتاب فيما يجهر فيه الإمام ، وفيما لا يجهر ( وليث بن أبي سليم ضعيف ليس بحجة ) ، وعن ابن جريج ، عن عطاء قال : إذا كان الإمام يجهر فليبادر بالقراءة بأم القرآن ، أو ليقرأها بعد ما يسكت ، فإذا فرغ فلينصت كما قال الله عز وجل .

وعن ابن جريج ، ومعمر قالا : أنبأنا ابن خيثم ، عن سعيد بن جبير أنه قال : لا بد أن يقرأ بأم القرآن مع الإمام ، ولكن من مضى كانوا إذا كبر الإمام سكت سكتة لا يقرأ قدر ما يقرأ بأم القرآن .

وعن معمر‌‌ عمن سمع الحسن يقول : اقرأ بأم القرآن ، جهر الإمام أو لم يجهر ، فإذا جهر ففرغ من أم القرآن فاقرأ بها أنت .

وعن إبراهيم بن محمد ، عن شريك بن أبي نمر ، عن عروة بن الزبير قال : إذا قال : غير المغضوب عليهم ولا الضالين اقرأ بأم القرآن ، وبعد ما يفرغ من السورة التي بعدها ( وإبراهيم بن محمد هذا هو ابن أبي يحيى قد أجمعوا على ترك حديثه ، ورموه بالكذب ، وكان مالك يسيء القول فيه ، وابن خيثم فيه لين ليس بالقوي ) حدثني أبو محمد قاسم بن محمد قال : حدثنا خالد بن سعد حدثنا محمد بن فطيس حدثنا [ ص: 41 ] خالد بن يزيد بن سنان حدثنا يحيى بن سعيد القطان حدثنا هشام بن حسان ، عن الحسن قال : اقرأ بفاتحة الكتاب خلف الإمام جهر أو لم يجهر .

وقال البويطي ، عن الشافعي : إن المأموم يقرأ فيما أسر فيه الإمام بأم القرآن ، وسورة ، وبأم القرآن في الأخريين ، وما جهر فيه الإمام لا يقرأ من خلفه إلا بأم القرآن ، قال البويطي : وكذلك يقول الليث ، والأوزاعي .

وروى المزني ، عن الشافعي : أنه يقرأ فيما أسر ، وفيما جهر ، وهو قول أبي ثور .

وذكر الطبري ، عن العباس بن الوليد بن يزيد ، عن أبيه ، عن الأوزاعي قال : يقرأ خلف الإمام فيما أسر ، وفيما جهر ، وقال : فإذا جهر فأنصت ، وإذا سكت فاقرأ يعني في سكتاته بين القراءتين .

قال أبو عمر :

روى الحسن ، عن سمرة : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كانت له سكتات حين يكبر يفتتح الصلاة ، وحين يقرأ فاتحة الكتاب ، وإلى ذلك ذهب هؤلاء .

حدثنا عبد الله بن محمد قال : حدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا إسماعيل ، عن يونس ، عن الحسن ، عن سمرة قال : حفظت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - سكتتين في صلاته ، سكتة إذا كبر ، وسكتة إذا فرغ من قراءة فاتحة الكتاب ، فأنكر ذلك [ ص: 42 ] عليه عمران بن حصين فكتبوا في ذلك إلى المدينة إلى أبي فقال : صدق سمرة .

قال أبو داود : وحدثنا أبو بكر محمد بن خلاد قال : حدثنا خالد بن الحارث قال : حدثنا عن الحسن ، عن سمرة بن جندب : عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يسكت سكتتين إذا استفتح ، وإذا فرغ من القراءة كلها ( ثم ذكر معنى حديث يونس ، وروى قتادة ، عن الحسن ، عن سمرة مثله ) ، وقال أبو داود : كانوا يستحبون أن يسكت عند فراغه من السورة لئلا يصل التكبير بالقراءة .

وروى أبو زرعة ، عن أبي هريرة قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كبر في الصلاة سكت بين التكبيرة والقراءة .

قال أبو عمر :

فذهب هؤلاء إلى أن الإمام يسكت سكتات على ما في هذه الآثار ، ويتحين المأموم تلك السكتات من إمامه في إمامته فيقرأ فيها بأم القرآن .

قال الأوزاعي ، والشافعي ، وأبو ثور : حق على الإمام أن يسكت سكتة بعد التكبيرة الأولى ، ويسكت بعد قراءته لفاتحة الكتاب ; ليقرأ من خلفه بفاتحة الكتاب ، فإن لم يفعل فاقرأ [ ص: 43 ] معه بفاتحة الكتاب ، وأسرع القراءة ، هذا لفظ الأوزاعي ، وقول الشافعي ، وأبي ثور مثله .

وأما مالك فأنكر السكتتين ، ولم يعرفهما ، وقال : لا يقرأ مع الإمام إذا جهر قبل قراءته ، ولا بعدها .

وقال أبو حنيفة ، وأصحابه : ليس على الإمام أن يسكت إذا كبر ، ولا إذا فرغ من قراءة أم القرآن ، ولا يقرأ أحد خلف إمامه .

قال أبو عمر :

من حجة من ذهب مذهب الأوزاعي في هذا الباب ، ما حدثناه سعيد بن نصر قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا محمد بن إسماعيل قال : حدثنا الحميدي قال : حدثنا سفيان قال : حدثنا الزهري قال : سمعت محمود بن الربيع يحدث عن عبادة بن الصامت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب قالوا بهذا على عمومه في الإمام ، والمأموم ; لأنه لم يخص إماما من مأموم ، ولا منفرد .

قالوا : ولما لم ينب ركوع الإمام ، ولا قيامه ، ولا إحرامه ، ولا سجوده ، ولا تسليمه ، عن ركوع المأموم ، ولا عن قيامه ، ولا عن إحرامه ، ولا عن تسليمه ، فكذلك لا تنوب قراءته في أم القرآن عن قراءته .

وقالوا : إن كان الزهري قد روى هذا الحديث مجملا محتملا للتأويل ، فقد رواه مكحول مفسرا ، وذكروا ما حدثناه سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا محمد بن وضاح قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال : [ ص: 44 ] حدثنا عبد الله بن نمير قال : حدثنا محمد بن إسحاق ، عن مكحول ، عن محمود بن الربيع ، عن عبادة بن الصامت قال : صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العشاء فثقلت عليه القراءة ، فلما انصرف قال : لعلكم تقرءون خلف إمامكم قال : قلنا أجل يا رسول الله إنا لنفعل قال : لا تفعلوا إلا بأم القرآن ; فإنه لا صلاة إلا بها .

حدثنا خلف بن القاسم قال : حدثنا مؤمل بن يحيى بن مهدي حدثنا محمد بن جعفر بن الإمام حدثنا علي بن عبد الله المدني حدثنا يزيد بن هارون حدثنا محمد بن إسحاق ، عن مكحول ، عن محمود بن الربيع ، عن عبادة بن الصامت قال : صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الغداة فثقلت عليه القراءة ، فلما انصرف قال : إني لأراكم تقرءون وراء الإمام ، قلنا : نعم يا رسول الله قال : فلا إلا بأم القرآن ، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها .

وحدثنا أحمد بن فتح قال : حدثنا محمد بن عبد الله النيسابوري حدثنا محمد بن عمرو البزار حدثنا مؤمل بن هشام حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ، وهو ابن علية ، عن محمد بن إسحاق ، عن مكحول ، عن محمود بن الربيع ، عن عبادة بن الصامت ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر نحوه .

[ ص: 45 ] وحدثنا خلف بن القاسم حدثنا مؤمل بن يحيى حدثنا محمد بن جعفر حدثنا علي ابن المديني حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا جعفر بن ميمون حدثنا أبو عثمان النهدي ، عن أبي هريرة : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر رجلا ينادي في الناس أن لا صلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب فما زاد .

وحدثناه أحمد بن فتح حدثنا محمد بن عبد الله بن زكرياء حدثنا أحمد بن عمرو البزار حدثنا عمرو بن علي حدثنا يحيى بن سعيد ، عن جعفر بن ميمون ، عن أبي عثمان ، عن أبي هريرة قال : أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - مناديا ينادي ألا لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب قالوا : وهذا على عمومه في كل أحد مأموما كان أو إماما أو منفردا .

وذكروا ما حدثنا عبد الوارث قال : حدثنا قاسم قال : حدثنا بكر بن حماد قال : حدثنا مسدد قال : حدثنا يزيد بن زريع قال : حدثنا خالد الحذاء ، عن أبي قلابة ، عن محمد بن أبي عائشة عمن شهد ذلك قال : صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما قضى صلاته قال : أتقرءون والإمام يقرأ ؟ ؟ فسكتوا قال : أتقرءون والإمام يقرأ ؟ ؟ قالوا : : إنا لنفعل قال : : فلا تفعلوا إلا أن يقرأ أحدكم بأم القرآن في نفسه .

[ ص: 46 ] قال أبو عمر :

أما حديث محمد بن إسحاق فرواه الأوزاعي ، عن مكحول ، عن رجاء بن حيوة ، عن عبد الله بن عمرو قال : صلينا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما انصرف قال لنا : هل تقرءون القرآن إذا كنتم معي في الصلاة ؟ ؟ قلنا : : نعم قال : : فلا تفعلوا إلا بأم القرآن ، ورواه زيد بن خالد ، عن مكحول ، عن نافع بن محمود ، عن عبادة ، ونافع هذا مجهول ، ومثل هذا الاضطراب لا يثبت فيه عند أهل العلم بالحديث شيء ، وليس في هذا الباب ما لا مطعن فيه من جهة الإسناد غير حديث الزهري ، عن محمود بن الربيع ، عن عبادة ، وهو محتمل للتأويل .

وأما حديث محمد بن عائشة ، فإنما فيه : إلا أن يقرأ أحدكم بأم القرآن في نفسه .

ومعلوم أن القراءة في النفس ما لم يحرك بها اللسان فليست بقراءة ، وإنما هي حديث النفس بالذكر ، وحديث النفس متجاوز عنه ; لأنه ليس بعمل يؤاخذ عليه فيما نهي أن يعمله أو يؤدي عنه فرضا فيما أمر بعمله .

وقال إسماعيل بن إسحاق القاضي : إن كانت قراءة الإمام بغير أم القرآن قراءة لمن خلفه ، فينبغي أن تكون أم القرآن كذلك ، وإن كانت لا تكون قراءة لمن خلفه ، فقد نقص من خلف الإمام عما سن من القراءة للمصلين ، وحرم من ثواب القراءة بغير أم الكتاب ما لا يعلم مبلغه إلا الله عز وجل قال : والذي يصلي [ ص: 47 ] خلف الإمام حكمه في القراءة حكم من قرأ ; لأن الله عز وجل قد أشرك بين القارئ وبين المستمع المنصت ، فهما شريكان في الأجر ، وكذلك الذي يخطب يوم الجمعة والمستمع لخطبته قال : وكذلك جاء عن عثمان .

وقال آخرون : منهم سفيان الثوري ، وابن عيينة ، وابن أبي ليلى ، وأبو حنيفة ، وأصحابه ، والحسن بن حي : لا يقرأ مع الإمام لا فيما أسر ، ولا فيما جهر ، وهو قول جابر بن عبد الله ، وجماعة من التابعين بالعراق ، وروي ذلك أيضا ، عن زيد بن ثابت ، وعلي ، وسعد ، هؤلاء ثبت ذلك عنهم من جهة الإسناد ، واحتج من ذهب هذا المذهب بأن قال : قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا صلاة لمن لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب خاص ، وواقع على من صلى وحده ، أو كان إماما ، فأما من صلى وراء إمام ، فإن قراءة الإمام له قراءة ، واستدلوا على صحة قولهم بأن الجمهور قد أجمعوا على أن الإمام إذا لم يقرأ من خلفه لم تنفعهم قراءتهم ، فدل على أن قراءة الإمام قراءة لهم .

حدثنا سفيان ، عن محمود بن الربيع ، عن عبادة بن الصامت أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب فصاعدا قال سفيان : لمن يصلي وحده ، واحتجوا بحديث جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه [ ص: 48 ] قال : من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة ، وهذا حديث رواه جابر الجعفي ، عن أبي الزبير ، عن جابر ، عن النبي عليه السلام .

وجابر الجعفي ضعيف الحديث مذموم المذهب لا يحتج بمثله .

وقد روى هذا الحديث أبو حنيفة ، عن موسى بن أبي عائشة ، عن عبد الله بن شداد بن الهادي ، عن جابر بن عبد الله ، عن النبي عليه السلام ، ولم يسنده غير أبي حنيفة ، وهو سيئ الحفظ عند أهل الحديث ، وقد خالفه الحفاظ فيه سفيان الثوري ، وشعبة ، وابن عيينة ، وجرير ، فرووه عن موسى بن أبي عائشة ، عن عبد الله بن شداد مرسلا ، وهو الصحيح فيه الإرسال ، وليس مما يحتج به ، وقد رواه الليث بن سعد ، عن أبي يوسف ، عن أبي حنيفة ، عن موسى بن أبي عائشة ، عن عبد الله بن شداد ، عن أبي الوليد ، عن جابر بن عبد الله ، فأدخل بين عبد الله بن شداد ، وبين جابر أبا الوليد هذا ، وهو مجهول لا يعرف ، وحديثه هذا لا يصح .

فإن قيل : قد روى يحيى بن سلام ، عن مالك بن أنس ، عن وهب بن كيسان ، عن جابر بن عبد الله عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : كل ركعة لم يقرأ فيها بأم القرآن فلا تصلى إلا وراء الإمام .

قال أبو عمر :

لم يرو هذا الحديث أحد من رواة الموطأ مرفوعا ، وإنما هو في الموطأ موقوف على جابر من قوله ، وانفرد يحيى بن سلام برفعه ، عن مالك ، ولم يتابع على ذلك .

[ ص: 49 ] والصحيح فيه أنه من قول جابر ، ولسنا نذكر الخلاف في هذه المسألة بين الصحابة ، ومن بعدهم ، ولكن الحجة عند التنازع الكتاب والسنة لا ما سواهما .

واحتج أيضا من ذهب مذهب الكوفيين في هذا الباب بما حدثناه أحمد بن فتح بن عبد الله قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن زكرياء النيسابوري قال : حدثنا أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار قال : حدثنا محمد بن بشار ، وعمرو بن علي قالا : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا يونس بن إسحاق ، عن أبيه ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله قال : كانوا يقرءون خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : خلطتم علي القرآن .

قال أبو عمر :

هذا يحتمل أن يكون هذا في صلاة الجهر ، وهو الظاهر ; لأنهم لا يخلطون إلا برفع أصواتهم ، فلا حجة فيه للكوفيين ، وكذلك من قال : إنما نهاهم عما عدا فاتحة الكتاب بعيد قوله ، وغير ظاهر معناه في هذا الحديث .

واحتج أيضا من ذهب مذهب الكوفيين في ترك القراءة خلف الإمام ، بما رواه وكيع ، عن علي بن صالح بن الأصبهاني ، عن المختار بن عبد الله بن أبي ليلى ، عن أبيه ، عن علي قال : من قرأ خلف الإمام فقد أخطأ الفطرة .

قال أبو عمر :

هذا الخبر لو صح كان معناه من قرأ مع الإمام فيما [ ص: 50 ] جهر فيه بالقراءة فقد أخطأ الفطرة ; لأنه حينئذ خالف الكتاب والسنة ، فكيف وهو خبر غير صحيح ، لأن المختار وأباه مجهولان ، وقد عارض هذا الخبر عن علي ما هو أثبت منه ، وهو خبر الزهري ، عن عبد الله بن أبي رافع ، عن علي ، وقد ذكرناه في هذا الباب .

واحتجوا أيضا بما رواه عبد الرزاق ، وغيره ، عن داود بن قيس قال : أخبرني عمر بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر قال : حدثني موسى بن سعيد بن زيد بن ثابت أن زيد بن ثابت قال : من قرأ مع الإمام فلا صلاة له ، وهذا يحتمل أن يكون من قرأ مع الإمام فيما جهر فيه بالقراءة ، على أنهم قد أجمعوا أنه من قرأ مع الإمام على أي حال كان ، فلا إعادة عليه ، فدل ذلك على فساد ظاهر حديث زيد هذا .

وروى الثوري ، عن أبي الزناد ، عن زيد بن ثابت ، وابن عمر أنهما كانا لا يقرآن خلف الإمام ، وهذا حديث منقطع ، ويحتمل أن يكون أراد فيما جهر فيه دون ما أسر .

وقد ذكرنا ذلك عن ابن عمر أيضا من أصح الطرق عنه ، والحمد لله .

وأما ما روي عن سعد بن أبي وقاص أنه قال : وددت أن الذي يقرأ خلف الإمام في فيه حجر ، فمنقطع لا يصح ، ولا نقله ثقة .

[ ص: 51 ] وكذلك كل ما روي عن علي في هذا الباب فمنقطع لا يثبت ، ولا يتصل ، وليس عنه فيه حديث متصل غير حديث عبد الله بن أبي ليلى ، وهو مجهول ، وزعم بعضهم أنه أخو عبد الرحمن بن أبي ليلى ، ولا يصح حديثه ، ولا أعلم في هذا الباب صاحبا صح عنه بلا اختلاف أنه قال مثل ما قال الكوفيون إلا جابر بن عبد الله وحده - والله أعلم - .

ذكر عبد الرزاق ، عن داود بن قيس ، عن عبد الله بن مقسم قال : سألت جابر بن عبد الله أتقرأ خلف الإمام في الظهر ، والعصر ؟ قال : لا ، وأما ما روي عن علقمة ، والأسود أنهما قالا : وددنا أن الذي يقرأ خلف الإمام ملئ فوه ترابا فهو صحيح عنهما ، لكنه يحتمل أن يكونا أرادا في الجهر دون السر ، فإن صح عنهما أنهما أرادا السر والجهر ، فقد خالفهما في ذلك من هو فوقهما ، ومثلهما ، وعند الاختلاف يجب الرد إلى كتاب الله ، وسنة رسوله ، وقد بينا ، وأوضحنا ما صح من السنة ، وما ورد به الكتاب في أول هذا الباب ، والحمد لله .

واحتج أيضا من ذهب مذهب الكوفيين في هذا الباب بحديث عمران بن حصين : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى بأصحابه الظهر ، فلما قضى صلاته قال : أيكم قرأ سبح اسم ربك الأعلى ؟ فقال بعض القوم : أنا يا رسول الله قال : قد عرفت أن بعضكم خالجنيها .

رواه معمر ، وغيره ، عن قتادة ، عن زرارة بن أوفى ، عن عمران بن حصين ، قالوا : معنى هذا الحديث ، وهو حديث صحيح ، أن القراءة خلف الإمام فيما يسر به تكره ، ولا تجوز .

[ ص: 52 ] ( ومعنى قوله خالجنيها أي نازعنيها ، والمخالجة هنا عندهم كالمنازعة ، فحديث عمران هذا كحديث ابن أكيمة ، عن أبي هريرة ، ولا تكون المنازعة إلا فيما جهر فيه المأموم وراء الإمام ، ويدلك على ذلك قول أبي هريرة ، وهو راوي الحديث في ذلك : اقرأ بها في نفسك يا فارسي قاله في حديث العلاء ) .

قال أبو عمر :

ليس في هذا الحديث دليل على كراهية ذلك ; لأنه لو كرهه لنهى عنه ، وإنما كره رفع صوت الرجل بسبح اسم ربك الأعلى في صلاة سنتها الإسرار بالقراءة .

حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال : حدثنا محمد بن بكر بن عبد الرزاق قال : حدثنا سليمان بن الأشعث قال : حدثنا أبو الوليد الطيالسي ، ومحمد بن كثير العبدي قالا : حدثنا شعبة ، عن قتادة ، عن زرارة بن أوفى ، عن عمران بن حصين : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى الظهر ، فجاء رجل فقرأ خلفه بـ سبح اسم ربك الأعلى ، فلما فرغ قال : أيكم قرأ ؟ ؟ قالوا : : رجل . قال : قد عرفت أن بعضكم خالجنيها قال أبو الوليد في حديثه : قال شعبة : قلت لقتادة : أليس يقول سعد : أنصت للقرآن قال : ذلك إذا جهر به .

وقال ابن كثير في حديثه : قال شعبة : قلت لقتادة : كأنه كرهه قال : لو كرهه نهى عنه .

[ ص: 53 ] قال أبو عمر :

في قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حديث ابن شهاب ، عن ابن أكيمة ، عن أبي هريرة : ما لي أنازع القرآن دليل على أن القراءة خلف الإمام إذا أسر الإمام في صلاته بالقراءة جائزة ; لأن المنازعة في القرآن إنما تكون مع الجهر لا مع السر .

وقد اختلف العلماء في حكم القراءة خلف الإمام فيما يسر فيه الإمام بالقراءة ، فكرهها الكوفيون ، وإلى ذلك ذهب الثوري ، وأبو حنيفة ، وأصحابه ، والحسن بن حي ، وابن أبي ليلى ، وابن شبرمة ، وهو قول إبراهيم النخعي ، وغيره من الكوفيين ، وحجتهم ما ذكرنا .

وقال سائر فقهاء الحجاز ، والعراق ، والشام منهم مالك ، والأوزاعي ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور ، وداود ، والطبري ، وغيرهم ، يقرأ مع الإمام في كل ما يسر فيه ، وحجتهم ما قدمنا ذكره في هذا الباب .

ثم اختلف هؤلاء في وجوب القراءة هاهنا إذا أسر الإمام ، فذهب أكثر أصحاب مالك إلى أن القراءة عندهم خلف الإمام فيما أسر به الإمام سنة ، ولا شيء على من تركها إلا أنه قد أساء ، وكذلك قال أبو جعفر الطبري : قال : القراءة فيما أسر فيه الإمام سنة مؤكدة ، ولا تفسد صلاة من تركها ، وقد أساء .

ذكر ابن خويز منداد أن القراءة عند أصحاب مالك خلف الإمام فيما أسر فيه بالقراءة واجبة ، وكذلك قال [ ص: 54 ] الأبهري ، وإليه أشار إسماعيل بن إسحاق ، وذكر إسماعيل قال : حدثنا إبراهيم بن حمزة قال : حدثنا عبد العزيز بن محمد ، عن أسامة بن زيد قال : سألت القاسم بن محمد عن القراءة خلف الإمام فيما لم يجهر فيه فقال : إن قرأت فلك في رجال من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أسوة ( وإن لم تقرأ فلك في رجال من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسوة ) .

قال : وحدثنا عبد الله بن مسلمة قال : حدثنا سليمان بن بلال ، عن يحيى بن سعيد قال : سمعت القاسم بن محمد يقول : إني أحب أن أشغل نفسي بالقراءة فيما لا يجهر به الإمام ، عن حديث النفس في الظهر والعصر ، والثالثة من المغرب ، والأخريين من العتمة .

وقال الشافعي ، والأوزاعي ، وأبو ثور ، وأحمد ، وإسحاق ، وداود : القراءة فيما أسر فيه الإمام واجبة ، ولا صلاة لمن لم يقرأ في كل ركعة منها بفاتحة الكتاب أقل شيء إذا أسر الإمام بالقراءة ; لأن الإنصات إنما يكون عند الجهر بالقراءة لقوله فاستمعوا له وأنصتوا ، ولقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ما لي أنازع القرآن ، وقد ارتفعت هاته العلة في صلاة السر ، فوجب على كل مصل أن يقرأ لنفسه في صلاته ، ولا ينوب عند واحد منهم قراءة الإمام عن قراءة المأموم ولا تجزيه ، كما لا ينوب ولا يجزي عنه عندهم إحرامه ، وركوعه ، وسجوده ، عن إحرام المأموم ، وركوعه ، وسجوده .

[ ص: 55 ] وقد تقدم في هذا الباب الحجة لهم فأغنى عن إعادتها هاهنا .

قال أبو عمر :

للشافعي في القراءة خلف الإمام ثلاثة أقوال :

أحدها : أن يقرأ مع الإمام فيما أسر وفيما جهر ، والثاني : يقرأ معه فيما جهر بأم القرآن فقط ، ويتبع سكتات الإمام قبل وبعد . والثالث : لا يقرأ معه فيما جهر ، ويقرأ معه فيما أسر .

وذكر ابن خويز منداد قولا رابعا مثل قول أبي حنيفة : لا يقرأ مع الإمام فيما أسر ، ولا فيما جهر .

وهذا القول الرابع عند أصحابه غير مشهور ، وأصحابه اليوم لا يذكرون في المسألة إلا قولين : أحدهما : لا بد للمأموم من قراءة أم القرآن على كل حال فيما أسر وفيما جهر ، ( والثاني : يقرأ معه فيما أسر ، ولا يقرأ معه فيما جهر ) ، وهذا هو القول عندنا ، وبالله التوفيق .




الخدمات العلمية