الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
369 [ ص: 19 ] حديث أول لابن شهاب ، عن عبيد الله مسند

مالك ، ابن شهاب ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، عن عبد الله بن عباس أنه قال : أقبلت راكبا على أتان وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي بالناس بمنى ، فمررت بين يدي بعض الصف ، فنزلت وأرسلت الأتان ترتع ، ودخلت في الصف ، فلم ينكر ذلك علي أحد .

التالي السابق


هكذا روى هذا الحديث جماعة رواة الموطأ فيما علمت ، وقال فيه الواقدي ، عن مالك : وذلك في حجة الوداع - وأنا قد راهقت الاحتلام . وقال فيه ابن عيينة ، عن الزهري : فلم يقل لنا النبي - صلى الله عليه وسلم - شيئا .

حدثنا محمد بن عبد الملك ، قال : حدثنا أبو بن الأعرابي ، قال : حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني ، قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله ، سمع ابن عباس يقول : جئت أنا والفضل بن عباس يوم عرفة ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي [ ص: 20 ] بالناس ، ونحن على أتان لنا ، فمررنا ببعض الصف ، فنزلنا عنها وتركناها ترتع ، فلم يقل لنا النبي - صلى الله عليه وسلم - شيئا .

وفي هذا الحديث من الفقه أن المرور بين يدي المصلي إذا كان وراء الإمام لا يضر المصلي ، ولا حرج فيه على المارة أيضا ، وقد تقدم في باب زيد بن أسلم من حكم السترة ، وحكم المار بين يدي المصلي ، وأن الصلاة لا يقطعها شيء ، ومضى هناك من الآثار في ذلك ما فيه غنى وكفاية ، فلا وجه لإعادة ذلك هاهنا .

وفي الحديث دليل واضح على أن الإمام سترة لمن خلفه ، فلا حرج على من مر وراءه بين أيدي الصفوف ، وقد استدل قوم بأن هذا الحديث دليل على أن الحمار لا يقطع الصلاة مروره بين يدي المصلي ، وردوا به قول من زعم أن الحمار يقطع الصلاة ، وانفصل منهم مخالفهم بأن مرور الأتان كان خلف الإمام بين يدي الصف ، فلا دليل فيه من رواية مالك هذه وما كان مثلها ، وقد روي حديث ابن عباس هذا بلفظ هو حجة لمن قال : الحمار لا يقطع الصلاة .

، أخبرنا إبراهيم بن شاكر ، حدثنا محمد بن أحمد بن يحيى ، حدثنا محمد بن أيوب بن حبيب ، حدثنا أحمد بن عمرو البزار ، حدثنا بشر بن آدم ، حدثنا أبو عاصم ، ابن جريج ، قال : [ ص: 21 ] أخبرنا عبد الكريم ، أن مجاهدا أخبره ، عن ابن عباس ، قال : أتيت أنا والفضل على أتان ، فمررنا بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعرفة .

وفيه إجازة شهادة من علم الشيء صغيرا وأداه كبيرا ، وهو أمر لا خلاف فيه ، وقياسه : العبد يشهد في عبوديته على ما يؤدي الشهادة فيه بعد عتقه ، وكذلك الكافر والفاسق إذا أداها كل واحد منهم في حال تجوز الشهادة فيه ، وهذا كله مجتمع عليه عند العلماء ، إلا أنهم اختلفوا في هؤلاء لو شهدوا بها فردت لأحوالهم الناقصة ، ثم شهدوا بها في حال تمام شروط الشهادة - على ما قد أوضحناه في موضعه من هذا الكتاب .




الخدمات العلمية