الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
364 [ ص: 185 ] حديث سابع عشر لزيد بن أسلم مسند صحيح .

مالك ، عن زيد بن أسلم ، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري ، عن أبي سعيد : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قال : إذا كان أحدكم يصلي ، فلا يدع أحدا بين يديه ، وليدرأه ما استطاع ، فإن أبى فليقاتله ، فإنما هو شيطان .

التالي السابق


قيل : إن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري يكنى أبا جعفر توفي سنة اثنتي عشرة ومائة ، وهو ابن سبع وسبعين ( سنة ) .

وقد ذكرنا أباه في كتاب الصحابة بما يغني عن ذكره هاهنا ، وعبد الرحمن من ثقات التابعين بالمدينة

هكذا روى هذا الحديث جماعة رواة الموطأ فيما علمت ، وليس عندهم في هذا ( الحديث ) عن مالك غير هذا الإسناد ، إلا ابن وهب ، فإن عنده في ذلك عن مالك ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد الخدري : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قال : إذا كان أحدكم يصلي فلا يدع أحدا يمر بين يديه .

[ ص: 186 ] هذا آخر هذا الحديث عنده ، ولم يروه أحد بهذا الإسناد عن مالك إلا ابن وهب .

وعند ابن وهب أيضا عن مالك ، عن زيد بن أسلم ، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد ، عن أبيه ، هذا الحديث المذكور في هذا الباب على حسبما ذكرناه .

وحديث عبد الرحمن بن أبي سعيد أشهر .

وحديث عطاء بن يسار معروف أيضا :

حدثني سعيد بن نصر ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي ، قال : حدثنا إبراهيم بن حمزة ، قال : حدثنا عبد العزيز بن محمد ، عن صفوان بن سليم ، عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد الخدري : أنه كان يصلي وبين يديه ابن لمروان بن الحكم ، فضربه ، فقال مروان : ضربت ابن أخيك ، قال : ما ضربت إلا شيطانا ، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، يقول : إن أبى فرده فإن أبى فقاتله ، فإنما هو شيطان .

[ ص: 187 ] قال أبو عمر :

في هذا الحديث كراهية المرور بين يدي المصلي إذا كان وحده ، وصلى إلى غير سترة ، وكذلك حكم الإمام إذا صلى إلى غير سترة .

وأما المأموم ، فلا يضره من مر بين يديه ، كما أن الإمام والمنفرد ، لا يضر أحدا منهما ما مر من وراء سترة الإمام .

وسترة الإمام سترة لمن خلفه ، وإنما قلنا : إن هذا في الإمام ، وفي المنفرد ، لقوله - صلى الله عليه وسلم - : إذا كان أحدكم يصلي ، ومعناه عند أهل العلم : يصلي وحده ، بدليل حديث ابن عباس ، وبذلك قلنا : إن المأموم ليس عليه أن يدفع من يمر بين يديه ، لأن ابن عباس قال : أقبلت راكبا على أتان ، وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي بالناس بمنى ، فمررت بين يدي بعض الصف ( فنزلت ) ، وأرسلت الأتان ترتع ، ودخلت في الصف ، فلم ينكر ذلك علي أحد .

[ ص: 188 ] هكذا رواه مالك ، عن ابن شهاب ، عن عبيد الله ، عن ابن عباس : ألا ترى أنه مر بين يدي بعض الصف ، فلم يدرأه أحد ، ولم يدفعه ، ولا أنكر عليه ، فإذا كان الإمام أو المنفرد يصليان إلى سترة ، فليس عليه أن يدفع من يمر من وراء سترته ، وهذه الجملة كلها على ما ذكرت لك لا أعلم بين أهل العلم فيه اختلافا ، والآثار الثابتة دالة عليها .

وفي هذا الحديث أيضا دليل على أن العمل في الصلاة جائز ، والذي يجوز منه عند العلماء القليل نحو قتل البرغوث ، وحك الجرب ، وقتل العقرب بما خف من الضرب ما لم تكن المتابعة والطول ، والمشي إلى القوم إذا كان ذلك قريبا ، ودرء المار بين يدي المصلي .

وهذا كله ما لم يكثر ، فإن كثر أفسد ، وما علمت أحدا من العلماء خالف هذه الجملة ، ولا علمت أحدا منهم جعل بين القليل من العمل الجائز في الصلاة ، وبين الكثير المفسد لها حدا لا يتجاوز إلا ما تعارفه الناس .

والآثار المرفوعة في هذا الباب والموقوفة كثيرة ، ( وقد ذكرنا من فتل الدم ، وقتل القمل في الصلاة ، في باب هشام بن عروة ما فيه كفاية ) .

ومن العمل في الصلاة شيء لا يجوز منه فيها القليل ولا الكثير ، وهو الأكل ، والشرب ، والكلام عمدا في غير شأن الصلاة ، [ ص: 189 ] وكذلك كل ما باينها ، وخالفها من اللهو ، والمعاصي ، وما لم ترد فيه إباحة قليل ذلك كله ، وكثيره غير جائز شيء منه في الصلاة .

وقوله في الحديث : فإن أبى فليقاتله ، فالمقاتلة هنا : المدافعة ، وأظنه كلاما خرج على التغليظ ، ولكل شيء حد ، وأجمعوا : أنه لا يقاتله بسيف ، ولا يخاطبه ، ولا يبلغ منه مبلغا تفسد به صلاته ، فيكون فعله ذلك أضر عليه من مرور المار بين يديه ، وما أظن أحدا بلغ بنفسه إذا جهل ، أو نسي فمر بين يدي المصلي إلى أكثر من الدفع ، وفي إجماعهم على ما ذكرنا ما يبين لك المراد من الحديث .

وقد بلغني أن عمر بن عبد العزيز في أكثر ظني ضمن رجلا دفع آخر من بين يديه وهو يصلي ، فكسر أنفه دية ما جنى على أنفه ، وفي ذلك دليل على أنه لم يكن له أن يبلغ ذلك به ; ولأن ما تولد عن المباح ، فهو معفو عنه .

وقد كان الثوري يدفع المار بين يديه إذا صلى دفعا عنيفا .

وذكر عنه أبو داود أنه قال : الرجل يتبختر بين يدي ، وأنا أصلي فأدفعه ، ويمر الضعيف ، فلا أمنعه ، وهذا كله يدلك على أن الأمر ليس على ظاهره في هذا الباب .

وذكر ابن القاسم ، عن مالك ، قال : إذا جاز المار بين يدي المصلي فلا يرده ، قال : وكذلك لا يرده وهو ساجد .

[ ص: 190 ] وقال أشهب : إذا مر قدامه فليرده بإشارة ، ولا يمشي إليه ; لأن مشيه إليه أشد من مروره بين يديه ، فإن مشى إليه ورده ، لم تفسد بذلك صلاته .

قال أبو عمر :

( إن كان مشيا كثيرا ، فسدت صلاته ، والله أعلم ) .

وإنما ينبغي له أن يمنعه ويدرأه ، منعا : لا يشتغل به عن صلاته ، فإن أبى عليه ، فليدعه يبوء بإثمه ; لأن الأصل في مروره أنه لا يقطع على المصلي صلاته .

أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن ، قال : حدثنا محمد بن بكر بن عبد الرزاق ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا محمد بن العلاء ، قال : أخبرنا أبو أسامة ، عن مجالد ، عن أبي الوداك ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا يقطع الصلاة شيء ، وادرءوا ما استطعتم . وإذا لم يقطع الصلاة شيء ، فإنما هو تغليط على المار ، ولذلك جاء فيه ما جاء ، والله أعلم .

[ ص: 191 ] وسنذكر اختلاف الناس فيما يقطع الصلاة وما لا يقطعها في موضعه من كتابنا هذا إن شاء الله .

والصحيح عندنا أن الصلاة لا يقطعها شيء مما يمر بين يدي المصلي بوجه من الوجوه ، ولو كان خنزيرا ، وإنما يقطعها ما يفسدها من الحدث وغيره ( مما جاءت به الشريعة ) .

وأما الحديث بأن الإمام سترة لمن خلفه : فحدثني محمد بن إبراهيم ، قال : حدثنا أحمد بن مطرف ، قال : حدثنا سعيد بن عثمان الأعناقي ، قال : حدثنا إسحاق بن إسماعيل الأيلي ، قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن عباس ، قال : جئت أنا والفضل على أتان ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي بعرفة ، فمررنا ببعض الصف ، فنزلنا عنها وتركناها ترتع ، ودخلنا معه في الصف ، فلم يقل لنا النبي - صلى الله عليه وسلم - شيئا .

فهذا دليل على أن سترة الإمام سترة لمن خلفه ، وأوضح من هذا حديث حدثناه خلف بن القاسم ، قال : حدثنا سعيد بن عثمان بن السكن ، قال : حدثنا الحسين بن إسماعيل المحاملي ، قال : حدثنا سعيد بن [ ص: 192 ] محمد بن تراب الحضرمي ، قال : حدثنا خلاد بن يزيد الأرقط ، قال : حدثنا هشام بن الغازي ، عن نافع ، عن ابن عمر ، قال : صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الظهر أو العصر ، فجاءت بهمة لتمر بين يديه ، فجعل يدرؤها حتى رأيته ألصق منكبه بالجدار ، فمرت خلفه . ألا ترى أنه كره أن تمر بين يديه ، ولم يكره أن تمر خلفه .

وهذا الحديث خولف فيه خلاد هنا ، فروي عن هشام بن الغازي ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - . وبهذا الإسناد ذكره أبو داود .

وقد حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا بكر بن حماد ، قال : حدثنا مسدد ، وحدثنا [ ص: 193 ] سعيد بن نصر ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا ابن وضاح ، قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قالا جميعا : حدثنا عيسى بن يونس ، عن هشام بن الغازي ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، قال : أقبلنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ثنية أذاخر ، فحضرته الصلاة إلى جدار فاتخذه قبلة ، ونحن خلفه ، فجاءت بهمة لتمر بين يديه ، فما زال يدرؤها حتى ألصق بطنه بالجدار ، ومرت من ورائه . وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي إلى سترة في السفر والحضر ، إن لم يكن جدار نصب أمامه شيئا ، وكان يأمر بذلك - صلى الله عليه وسلم - .

والسترة في الصلاة سنة مسنونة معمول بها .

روى عبيد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا خرج يوم العيد أمر بالحربة فتوضع بين يديه ، فيصلي إليها ، والناس وراءه ، وكان يفعل ذلك [ ص: 194 ] في السفر ، قال : فمن ثم اتخذها الأمراء ، ذكره البخاري وجميعهم .

وروى شعبة ، عن عون بن أبي جحيفة ، عن أبيه : أنه شهد النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى بالبطحاء الظهر والعصر ركعتين ركعتين ، وبين يديه عنزة ، تمر من ورائها المرأة والحمار ، وصلى الظهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى شجرة من حديث شعبة أيضا ، عن أبي إسحاق ، عن حارثة بن مضرب ، عن علي .

وأخبرني عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا محمد بن كثير العبدي ، قال : حدثنا إسرائيل ، عن سماك ، عن موسى بن طلحة ، عن أبيه طلحة بن عبيد الله ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إذا جعلت بين يديك [ ص: 195 ] مثل مؤخرة الرحل ، فلا يضرك من مر من بين يديك .

وحدثني محمد بن إبراهيم ، قال : حدثنا محمد بن معاوية ، قال : حدثنا أحمد بن شعيب ، قال : أخبرنا العباس بن محمد الدوري ، قال : حدثنا عبد الله بن يزيد المقرئ ، قال : حدثنا حيوة بن شريح ، عن أبي الأسود ، عن عروة ، عن عائشة ، قالت : سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك عن سترة المصلي ؟ فقال : مثل مؤخرة الرحل .

وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالدنو من السترة ، رواه سهل بن أبي حثمة ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إذا صلى أحدكم إلى سترة ، فليدن منها ، لا يقطع الشيطان عليه صلاته ، وهو حديث مختلف في إسناده ، ولكنه حديث حسن ، ذكره النسائي ، وأبو داود ، وغيرهما .

[ ص: 196 ] ومقدار الدنو من السترة موجود في حديث مالك ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن بلال : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ صلى بالكعبة جعل عمودا عن يساره ، وعمودين عن يمينه ، وثلاثة أعمدة وراءه ، وكان البيت يومئذ على ستة أعمدة ، وجعل بينه وبين الجدار نحوا من ثلاثة أذرع ، هكذا رواه ابن القاسم ، وجماعة عن مالك ، وقد ذكرنا ذلك في باب نافع ، وإليه ذهب الشافعي ، وأحمد ، وهو قول عطاء .

قال عطاء : أقل ما يكفيك ثلاثة أذرع ، والشافعي ، وأحمد ، يستحبان ثلاثة أذرع ، ولا يوجبان ذلك .

ولم يحد فيه ( أيضا ) مالك حدا .

وكان عبد الله بن المغفل يجعل بينه ، وبين السترة ستة أذرع .

وقال عكرمة : إذا كان بينك ، وبين الذي يقطع الصلاة قذفة حجر ، لم يقطع الصلاة .

وروى سهل بن سعد الساعدي ، قال : كان بين مقام النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وبين القبلة ممر عنز .

حدثنا عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، قال : حدثنا أبو داود ، قال : حدثنا القعنبي ، والنفيلي ، قالا جميعا : حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم ، قال : حدثني أبي ، عن سهل بن سعد ، قال : كان بين مقام النبي - صلى الله عليه وسلم - وبين القبلة ممر عنز .

[ ص: 197 ] قال أبو عمر :

حديث مالك عن نافع ، عن ابن عمر ، عن بلال : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جعل بينه ، وبين الجدار في الكعبة ثلاثة أذرع ، أصح من حديث سهل بن سعد من جهة الإسناد ، وكلاهما حسن .

وأما استقبال السترة والصمد لها ، فلا تحديد في ذلك عند العلماء ، وحسب المصلي أن تكون سترته قبالة وجهه .

وقد روينا عن المقداد بن الأسود ، قال : ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى إلى عود ، ولا عمود ، ولا شجرة ، إلا جعله على حاجبه الأيمن ، أو الأيسر ، ولا يصمد له صمدا . خرجه أبو داود .

فهذا ما جاء من الآثار التي اجتمع العلماء عليها ، ولا أعلمهم اختلفوا في العمل بها ، ولا أنكر أحد منهم شيئا منها ، وإن كان بعضهم قد استحسن شيئا ، واستحسن غيره ما يقرب منه ، وهذا كله بحمد الله سواء ، أو قريب من السواء إن شاء الله .

وأما صفة السترة ، وقدرها في ارتفاعها وغلظها ، فقد اختلف العلماء في ذلك .

[ ص: 198 ] فقال مالك : أقل ما يجزئ في السترة غلظ الرمح ، وكذلك السوط ، والعصا وارتفاعها قدر عظم الذراع ، هذا أقل ما يجزئ عنده ، وهو قول الشافعي في ذلك كله .

وقال الثوري ، وأبو حنيفة وأصحابه : أقل السترة قدر مؤخرة الرحل ، ويكون ارتفاعها على ظهر الأرض ذراعا ، وهو قول عطاء .

وقال قتادة : ذراع وشبر .

وقال الأوزاعي : قدر مؤخرة الرحل ، ولم يحد ذراعا ، ولا عظم ذراع ، ولا غير ذلك ، وقال : يجزئ السهم ، والسوط ، والسيف ; يعني في الغلظ ، واختلفوا فيما يعرض ولا ينصب ، وفي الخط ; فكل من ذكرنا قوله : إنه لا يجزئ عنده أقل من عظم الذراع ، أو أقل من ذراع ، لا يجيز الخط ، ولا أن يعرض العصا ، والعود في الأرض فيصلي إليها ، وهم : مالك ، والليث ، وأبو حنيفة ، وأصحابه كلهم يقول : الخط ليس بشيء ، وهو باطل ، ولا يجوز عند واحد منهم إلا ما ذكرنا ، وهو قول إبراهيم النخعي ، وقال أحمد بن حنبل ، وأبو ثور : إذا لم يجعل تلقاء وجهه شيئا ، ولم يجد عصا ينصبها ، فليخط خطا . وكذلك قال الشافعي بالعراق .

وقال الأوزاعي : إذا لم ( يكن ) ينتصب له عرضه بين يديه ، وصلى إليه ، فإن لم يجد خط خطا ، وهو قول سعيد بن جبير ، قال الأوزاعي : والسوط يعرضه أحب إلي من الخط .

وقال الشافعي بمصر : لا يخط ( الرجل ) بين يديه خطا ، إلا أن يكون في ذلك حديث ثابت فيتبع .

[ ص: 199 ] قال أبو عمر :

احتج من ذهب إلى الخط بما أخبرناه عبد الله بن محمد ، قال : حدثنا محمد بن بكر ، قال : حدثنا سليمان بن الأشعث ، قال : حدثنا مسدد ، قال : حدثنا بشر بن المفضل ، قال : حدثنا إسماعيل بن أمية ، قال : حدثني أبو عمرو بن محمد بن حريث ، أنه سمع جده حريثا يحدث عن أبي هريرة : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قال : إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئا ، فإن لم يجد فلينصب عصاه ، فإن لم يكن معه عصا فليخط خطا ، ولا يضره من مر بين يديه .

وهذا الحديث عند أحمد بن حنبل ، ومن قال بقوله ، ( حديث ) صحيح ، وإليه ذهبوا ورأيت أن علي ابن المديني كان يصحح هذا الحديث ويحتج به .

[ ص: 200 ] وقال أبو جعفر الطحاوي إذ ذكر هذا الحديث : أبو عمرو بن محمد بن حريث ، هذا مجهول ، وجده أيضا مجهول ، ليس لهما ذكر في غير هذا الحديث ، ولا يحتج بمثل هذا ( من ) الحديث .

واختلف القائلون بالخط في هيئة الخط ، فقالت ( منهم ) طائفة : يكون عرضا ; منهم : الأوزاعي .

وقالت طائفة : يكون طولا ، كالعصا ( يقيمها ) ; منهم : عبد الله بن داود الخريبي .

وقالت طائفة : يكون كالهلال والمحراب ; منهم : أحمد بن حنبل .




الخدمات العلمية