الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
365 حديث أول لأبي النضر مالك ، عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله ، عن بسر بن سعيد ، أن زيد بن خالد أرسله إلى أبي جهيم يسأله ماذا سمع من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المار بين يدي المصلي ؟ فقال أبو جهيم : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه ، لكان أن يقف أربعين خيرا له من أن يمر بين يديه .

قال أبو النضر : لا أدري أربعين يوما أو شهرا أو سنة .

التالي السابق


قال أبو عمر :

أبو جهيم هذا هو أبو جهيم بن الحارث بن الصمة الأنصاري ، وهو ابن أخت أبي بن كعب ، وقد قيل فيه : عبد الله بن جهيم : أبو جهيم ، وقد ذكرناه في الصحابة بما يغني عن ذكره هاهنا ، ولم تختلف الرواة عن مالك في شيء من هذا الحديث .

[ ص: 147 ] وروى ابن عيينة هذا الحديث مقلوبا ، عن أبي النضر ، عن بسر بن سعيد جعل في موضع زيد بن خالد أبا جهيم ، وفي موضع أبي جهيم زيد بن خالد ، والقول عندنا قول مالك ، وقد تابعه الثوري وغيره .

أخبرنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا أحمد بن زهير ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، عن سفيان يعني الثوري ، عن سالم أبي النضر ، عن بسر بن سعيد ، قال : أرسلني زيد بن خالد إلى أبي جهيم أسأله ماذا سمع ؟ فذكر مثل حديث مالك .

وأخبرنا قاسم بن محمد ، قال : حدثنا خالد بن سعيد ، قال : حدثنا أحمد بن عمرو ، قال : حدثنا محمد بن سنجر ، قال : حدثنا قبيصة ، قال : حدثنا سفيان ، عن سالم أبي النضر ، عن بسر بن سعيد ، قال أرسلني زيد بن خالد الجهني إلى أبي جهيم أسأله ما سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في الذي بين يدي المصلي ، قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : لأن يقوم الرجل مقامه ، خير له من أن يمر بين يدي المصلي .

ورواه وكيع ، عن سفيان ، عن سالم أبي النضر ، عن بسر بن سعيد ، عن عبد الله بن جهيم ، قال : قال لي النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكره . ( هكذا قال عبد الله بن جهيم ، ذكره أبو بكر بن أبي شيبة ، عن وكيع ، وهو وهم من وكيع ، والصحيح في ذلك رواية مالك ومن تابعه ) .

وذكر ابن أبي شيبة أيضا عن وكيع ، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن موهب ، عن عمه ، عن أبي هريرة ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لو يعلم أحدكم ما له في أن يمر بين يدي المصلي معترضا ، كان لأن يقف مائة عام خير له من الخطوة التي خطا .

[ ص: 148 ] وأما حديث ابن عيينة فرواه الحميدي وغيره عنه - بمعنى واحد - مقلوبا ، كما وصفنا ، وزاد عنه أو ساعة .

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا أحمد بن زهير بن حرب ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا سفيان ، عن سالم أبي النضر ، عن بشر بن سعيد ، قال : أرسلني أبو جهيم إلى زيد بن خالد ما سمع من النبي - صلى الله عليه وسلم - في الذي بين يدي المصلي ؟ فقال : لأن يقوم أربعين ، خير من أن يمر بين يديه . لا أدري سنة ، أو يوما ، أو ساعة .

قال أحمد بن زهير : سئل يحيى بن معين عن هذا الحديث ، فقال : خطأ ، إنما هو زيد إلى أبي جهيم ، كما روى مالك .

قال أبو عمر :

لا خلاف بين العلماء في كراهية المرور بين يدي المصلي لكل أحد ، ويكرهون للمصلي أيضا أن يدع أحدا يمر بين يديه ، وعليه عندهم أن يدفعه جهده ، ما لم يخرج إلى حد من العمل يفسد به على نفسه صلاته .

وقد مضى القول في درء المصلي من يمر بين يديه ، والحكم في ذلك مبسوطا في باب زيد بن أسلم من هذا الكتاب ، والإثم على المار بين يدي المصلي فوق الإثم على الذي يدعه بين يديه ، وكلاهما عاص إذا كان بالنهي عالما ، والمار أشد إثما إذا تعمد ذلك ، وهذا ما لا أعلم فيه خلافا ، ومع هذا فإنه لا يقطع صلاة من مر بين يديه على ما قد قدمنا ذكره في باب زيد بن أسلم ، والحمد لله .

[ ص: 149 ] حدثنا خلف بن أحمد ، قال : حدثنا أحمد بن مطرف ، قال : حدثنا محمد بن عمر بن لبابة ، وأيوب بن سليمان ، قالا : حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم ، حدثنا عبد الله بن يزيد المقرئ ، حدثنا أيوب بن موسى الغافقي ، حدثني أبو عمر أن الغافقي ، قال : سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص يقول : لأن يكون الرجل رمادا يذرى ، خير له من أن يمر بين يدي رجل يصلي متعمدا .

قال أبو عمر :

قال بعض أهل العلم : إن من صلى إلى غير سترة لم يحرم على أحد المرور بين يديه ، ولا يجوز له أن يدفع من مر بين يديه إذا صلى إلى غير سترة ، قال : وإنما المعنى في هذا الباب لمن صلى إلى سترة ، وغيره يقول : السترة وغير السترة في هذا الباب سواء .

ولمالك ، عن أبي النضر ، عن بسر بن سعيد حديث آخر موقوف عند مالك ، وقد وصله غيره من الثقات ، منهم موسى بن عقبة وغيره .

حدثنا محمد بن إبراهيم ، قال : حدثنا محمد بن معاوية ، قال : حدثنا أحمد بن شعيب ، قال : حدثنا أحمد بن سليمان ، قال : حدثنا عفان بن مسلم ، قال : حدثنا وهيب ، قال : سمعت موسى بن عقبة ، قال : سمعت أبا النضر يحدث عن بسر بن سعيد ، عن زيد بن ثابت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : صلوا أيها الناس في بيوتكم ، فإن أفضل صلاة المرء في بيته ، إلا الصلاة المكتوبة .

ورواه ابن جريج ، عن موسى بن عقبة ، عن أبي النضر ، عن بسر ، عن زيد مثله ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرفوعا . وهو حديث ثابت مرفوع صحيح ، ومثله لا يكون رأيا ، وإذا كانت صلاة النافلة في البيت أفضل منها في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ; لأنه [ ص: 150 ] عليه خرج هذا الخبر ، فما ظنك بها في غير هذا البلد ; ولهذا قال بعض الحكماء إخفاء العمل نجاة ، وإخفاء العلم هلكة ، والمأمور بستره من أعمال البر النوافل دون المكتوبات ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .




الخدمات العلمية